بارودي في خطبة الهجرة: العدالة فوق الطائفية... والدولة للجميع لا للدويلة

الرئيسية سياسة / Ecco Watan

الكاتب : المحرر السياسي
Jun 27 25|17:23PM :نشر بتاريخ

تناول أمين فتوى طرابلس والشمال الشيخ بلال بارودي في خطبة الجمعة في مسجد السلام، الهجرة النبوية الشريفة بعدما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بمغادرة أحبّ البقاع إلى الله وإليه، متوجّهًا إلى المدينة المنوّرة، مؤكدًا أن الهجرة موقف ينبغي أن يعيش عليه الإنسان طيلة حياته، ومذكّرًا بأن النبي عليه الصلاة والسلام أول ما أمر أصحابه بالهجرة إنما أمرهم إلى بلاد الحبشة، قائلًا لهم إن فيها ملكًا لا يُظلم في مُلكه أحد، وهو نصرانيّ مسيحي، غير عربي ولا غربي ولا أمريكي ولا أوروبي، إنما هو حبشي. لافتًا إلى أن الملك الذي لا يُظلم في مُلكه أحد هو المطلب الأساس الذي يهاجر من أجله الإنسان، وأنه يطلب العدالة ولو كانت من غير مسلم، ويطلب الأمن وإن كان مع حليف غير مسلم، فهذا مطلبه.

 

وأضاف: المسيحية في بلاد المشرق عندنا وجودها متجذّر قبل المسلمين، والذي ساءنا حقًّا ما حصل منذ أيام في الشام في التفجير الآثم، الذي تعوّدنا نحن عليه. تعوّدنا، بأكثرية مسلمة في العالم، أن نُطعن في ظهرنا بالرماح والخناجر، وتعودنا أن تُنصب الفخاخ في طريقنا من القريب والبعيد، وتعودنا أن تتخلى عنا مرجعيتنا في القريب والمستقبل والماضي. تعودنا ذلك، ولكن يؤسفنا كل الأسف أن المسيحيين يُستهدفون. أين؟ وفي أي ظرف؟ في وقت يهاجم العالم الغربي وتعربد إسرائيل في غزّة، تصل يد الفتنة إلى أين؟ إلى كنيسة! إلى المتجذرين في الأرض وفي البلاد! فيُصيبونهم بمقتل.

 

ولكن علينا أن نسجل بعض الملاحظات: أولًا، ليست الجريمة الأولى التي حصلت في حقّ المسيحيين، والجريمة في حقّ المسيحيين في الشام ليست التقتيل، بل الهجرة والتهجير، وهي كانت أشد فتكًا بهم، وقد فرغت في النظام البائد من أهمّ العقول والمثقفين.

ثانيًا، العلاقة بين المسلمين والمسيحيين خلال 15 قرنًا لم تكن ملتهبة، إنما كانت آمنة، والدليل على ذلك ما سمعناه من أهل الشام من المسيحيين، الذين اعتبروا أن ذلك فتنة، وأن المسلمين غير متهمين في ذلك.

 

وتابع قائلًا: اسمعوا جيّدًا من هو الذي يتلاعب، فإننا نعيش في هذه البلاد أقليّات وأكثريّات، وأهمّ الأكثريات وأعظمها شأنًا المسلمون، وأهمّ الأقليات الأكثر حضورًا تاريخيًا في البلد المسيحيون. ويتلاعب بالاثنين الباطنيّون الذين ليسوا أقليّات، بل هم فطريات وبكتيريات يعيشون على زرع الفتن بين هؤلاء الأكثريات وهؤلاء الأقليّات، حتى تشعر الأقليّات أنها في خطر كبير من الأكثريّة، وتشعر الأكثريّة أنه ينبغي أن تقدّم الكثير للأقليّة حتى لا يعيشوا في خوف ووهن.

 

وعلى هذا الأساس، حكم النظام البائد سوريا، وحكم لبنان بتعزيز هذه الطريقة في النظر إلى الأقليّة والأكثريّة. فعاشت الأقليّة بلباس الأكثريّات تطالب بحقوقها، وعاشت الأكثريّات بلباس الأكثريّة تعربد على الأكثريّة. هذا الذي حصل، وهذا الذي تريده كل البكتيريات والطفيليات الباطنية التي تعيش على صراع بين الأكثريّة المسلمة والأقليّة المسيحية. وهذا ما ينبغي أن نضع له حدًّا.

 

وتابع الشيخ بارودي: ما يعنينا في بلادنا يعني كل من عاش فيها من مسلمين ومسيحيين، لأيّ كنيسة انتموا، شرط ألّا يبيعوا ذممهم، لا إلى متواطئ غربي، ولا إلى متواطئ باطني داخلي، وهذا ما نخشاه. فلذلك ينبغي للفتنة أن يُصار إلى وأدها في جحرها وفي مهدها، وهذا ما نتمناه على الإدارة السورية الجديدة أن تفعله، وهذا ما تعودنا عليه. فنحن في دور عبادة، أولم تُفجّر بالمسلمين وبالمصلين؟ نعم. وصحيح أن القضاء سمّى لنا القتلة، ولكن القضاء لم ينصفنا بأن يلقي القبض على هؤلاء القتلة.

 

وأردف بارودي: اليوم نريد أن ننبّه إلى شيء مهم. لقد مضى علينا ستة أشهر الآن في العهد الجديد في لبنان، وكلنا طربنا بسماع خطاب القسم، الخطاب الذي أخذ أكثر من 20 دقيقة، وكلنا تأملنا الخير بعد مرور الأشهر، وصولًا إلى الشهر السادس، ونحن ندخل في الشهر السابع. ولكن لم نرَ الكثير. فما الذي تسبب بالتلكؤ في التغيير؟ مع أننا في نفس تاريخ التغيير في سوريا حصل هناك الكثير من التغيير. رأينا العرب، بقدّهم وقديدهم، نزلوا لا ليأخذوا الصور، إنما لينشئوا المعامل، ويسلّموا مطارات، ويستخرجوا نفطًا، ويتولّوا المهن الحرة والزراعة والصناعة. أمّا نحن، فما رأينا إلا وعودًا. لماذا؟ هل أنّ العرب لا يزالون لم يثقوا بجدية العهد الجديد؟ هل لا يزالون يخافون من الدويلة التي تحكم الدولة؟ خصوصًا أننا لم نرَ التغيير في الشخصيات، بل رأينا الكثير من المستشارين هم من عُيّنوا في إدارة البلد، وهم من العهد البائد ومن الطغمة الفاسدة التي ينبغي أن تُزجّ في السجون.

 

فلذلك، رسالتنا في الهجرة، أيها الأحباب الكرام: نحن متمسكون ببلادنا، لن نهاجر، كما أن أهل غزّة لن يهاجروا، وهم متمسكون ببلادهم، لأنه "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية". فما يقوم به أهل غزّة هو الجهاد بعينه، ولا يجوز لهم أن يخرجوا، ولا نقول لهم إن الهجرة فيها خير، فالهجرة فيها خير عندما لا يستطيع الإنسان أن يقوم بأمور دينه، أما عندما يجاهد ليموت شهيدًا في الدفاع عن قيمه ووطنه، فهذا يعيش عزيزًا ولا يموت ذليلًا طريدًا.

 

وتابع: لذلك، رسالتنا إلى اللبنانيين جميعًا، وإلى أهل الحكم خصوصًا، أننا لم نرَ تغييرًا في الأداء السياسي، في المجلس النيابي، في المجلس الحكومي. لم نرَ تغييرًا في الكهرباء، أو في المياه، أو في الدواء، أو في المستشفى، أو في التعليم، أو في التعيينات. لم نرَ كثير تغيير. فأين الدوريات التي تلاحق تجّار الأدوية الفاسدة؟ أين الدوريات التي تلاحق المستشفيات والمافيات فيها التي تتاجر بالعمليات؟ وقد كُشفت في وقت كورونا، وإلى الآن لم يُحاسب أحد. ولماذا لم يُحاسب أحد؟ إنما حُوسب مركز طبي يعالج من دون رخصة، ويعالج الذين يريدون أن يُعالجوا، فأُقفل المركز واعتُقل المسؤول عنه بحجّة أنه مخالف.

 

وماذا عن المخالفات القديمة؟ والمستشفيات التي تفعل الأفاعيل بالمرضى؟ والأطباء الذين يرممون ثرواتهم على حساب أوجاع الناس، بالأدوية الفاسدة تارة، وبالأسعار الباهظة تارة أخرى؟ أين من يُحاسب؟ وأين من حاسَب أيضًا تجّار المازوت والفيول والبنزين؟ وفي معامل الطاقة؟ وفي وزارة الطاقة؟ فمن سمع منا شيئًا عن ذلك؟ ونرى أن من كان مُدانًا بالرشاوى وكان في موقع عسكري كبير، حُرّرت أمواله، وعاد حرًّا طليقًا لأنه لم يُستدعَ إلى التحقيق.

 

لذلك، أيها العهد الجديد، لا زلنا على ثقة بأنك تستطيع أن تُغيّر شيئًا، على شرط ألا تضع مستشاريك من المستفيدين من الفساد، من الذين يرعون الفساد، ويحمون الفساد والكبتاغون والسلاح.

ونحن أيضًا لم نرَ كثيرًا في موضوع السلاح، ولا زلنا نسمع المسؤولين يعربدون ويتوعدون ويهددون، ولم نسمع شيئًا.

 

الأمن لا يكون بالتراضي. فالأمن إما أن يكون من الدولة، على شرط إرضاء الناس، ولا يكون على حساب الدولة. فالدويلة التي ترضى بالفساد والمارقين لا تبني أمنًا.

 

فينبغي أن يشعر المواطن أنه ظُلم في السويّة وعُدِل في الرعيّة. أما ما نراه اليوم، فهذا هو الفساد بعينه.

 

ونسأل: أين المحكومون الذين لا يزالون في السجون منذ أكثر من 10 سنوات؟ ولماذا لم تُحلّ قضيتهم في ستة أشهر؟ السوريون منهم واللبنانيون. وهذه الدولة السورية انتعشت، فلماذا لم يُسلَّم السوريون إلى بلادهم؟ ولماذا الذين حُبسوا ظلمًا بسبب تعاطفهم مع الثورة السورية لم يُطلق سراحهم إلى الآن؟ أين العدل؟

 

واستطرد قائلًا: نحن السُّنة لا نستطيع أن نعيش في دويلة، وعندما نوجّه النقد والنصح للدولة، فنفعل ذلك لأننا صادقون. نعم، لا نستطيع أن نعيش ضمن دويلة ترتاح في فساد الدولة، أما هؤلاء فينتعشون. فلذلك، نحن من موقع مسؤوليتنا كسنّة، ينبغي أن نُصحّح المسار. فلبنان لكل اللبنانيين، رئيس الجمهورية لكل اللبنانيين، رئيس الحكومة لكل اللبنانيين، ورئيس مجلس النواب لكل اللبنانيين. وعندما يشعر المواطن فعليًا بهذه النتيجة، يرتاح. أما عندما يشعر أن رئيس الدولة ليس لكل اللبنانيين، ورئيس الحكومة لا يستطيع حتى أن يُفيد طائفته، ورئيس مجلس النواب يحتكر القرار لمزاجه، فليس للمسلم أن يرتاح، ولا للبناني، ولا حتى للمسيحي. لذلك ينبغي أن يُعاد التوازن. فالأقليّة تعيش بكرامة، والأكثريّة تعيش بكرامة، حتى يُبنى البلد بكرامة.

 

وختم بارودي: ليس المقصود ممّا نقول توجيه الهجوم على شخصية معيّنة، بل القصد تقويم الاعوجاج، وأن يرى الناس تغييرًا حقيقيًا على كل المستويات، تغييرًا لأمور الناس التي يعانون منها منذ عقود. لأننا نحن السنّة لا يمكننا أن نعيش إلا ضمن الدولة، ولا يمكننا أن نعيش ضمن الدويلة. فلذلك، نحن نؤكّد أننا أبناء الدولة الأساسية، أبناء الأمة، فنسعى دائمًا لأن تكون هذه الدولة على أحسن الأوجه، وتعمل على تطبيق القوانين المرعية الإجراء.

 

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan