الأخبار: حذارِ تكرار تجربة التفاوض عشية وقف إطلاق النار: من قال إن أصل فكرة نزع السلاح قابل للنقاش؟
الرئيسية صاحبة الجلالة / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
Jul 04 25|08:39AM :نشر بتاريخ
اليوم، في لحظتنا الراهنة، ووسط ما يجري في بلادنا ومن حولنا من حروب وحشية، تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل، وتشارك فيها دول عربية وقوى سياسية في لبنان والإقليم. وأمام كل هذا، هل يوجد فعلاً، عاقل في لبنان يريد من المقاومة تسليم سلاحها... فقط لأن الأخ ترامب يريد ذلك، أو أنه مستعدّ لقتل المزيد منا؟
طبعاً، يوجد في بلادنا الكثير من السذاجة، لكن يوجد متآمرون تعوّدوا على خدمة الخارج أكثر. وهؤلاء، ينطلقون من نتائج الحرب الأخيرة مع العدو. وهم أصحاب السردية القائلة بأن سلاح المقاومة لم يمنع العدوان على لبنان.
وهؤلاء، الذين لم يدعموا المقاومة يوماً، لا ينظرون إلى الحرب إلا من زاوية أنها لم تمنع العدوان. أو أنهم ينظرون إلى نتائجها على صعيد الخسائر البشرية والمادية.
ومعظم هؤلاء، كانوا قد تولّوا تدمير لبنان بصورة أكبر، وقتلوا عشرات الألوف من اللبنانيين، وتركوا البلاد فريسة شهواتهم لنحو عقدين، لكنهم تحوّلوا فجأة، ليصبحوا أهل اختصاص، فيفترضون أن دور السلاح محصور في ردع العدو فقط، وأنْ لا دورَ دفاعياً له.
ولذلك، لا يقبل هؤلاء إخبار الناس رأيَهم في سبب عدم قدرة العدو على احتلال منطقة لبنانية طوال 66 يوماً من المواجهات.
وهؤلاء، لا يريدون أن يقرّوا بأن الخطأ الذي ارتُكب خلال عملية التفاوض وأدّى إلى الاتفاق الذي حصل دون ضمانات واضحة، هو السبب في أن العدو قدر على الدخول إلى بلدات كثيرة في الجنوب، وعمل على تهديمها، كما أن هذه الأخطاء، هي المسؤولة أيضاً عن استمرار الخروقات الإسرائيلية.
والداعون إلى تسليم السلاح اليوم، هم أنفسهم من كانوا يطالبون خلال الحرب بأن تستسلم المقاومة، وبينهم من يعتقد بأن الاتفاق وُقّع بناءً على موازين القوى في حينه، علماً أن الأمر غير دقيق على الإطلاق، لأن طبيعة التفاوض التي جرت في تلك المرحلة، لم تكن طبيعية بشيء، ولأن نقصاً في التنسيق كما في التواصل والنقاش، أدّى إلى ما حصل من اتفاق، وما نتج من ذلك من أهوال.
والنقاش حول مسار التفاوض في حينه، يعود بقوة، ربطاً بالمناقشات التي تحصل حالياً، وسط الحديث عن مفاوضات جديدة سوف تحصل مع الوسيط الأميركي بشأن مستقبل الوضع في الجنوب ومسألة السلاح والانسحاب الإسرائيلي إضافة إلى ملف العلاقات مع سوريا، حيث تزداد الخشية من اعتماد آليات تفاوض وبحث تقود إلى نتائج أكثر قساوة من الذي حصل سابقاً، خصوصاً أن الاتفاق السابق لم يكن منسجماً مع الوقائع الميدانية حيث كان العدو يواجه صعوبة في تحقيق إنجاز كبير على الأرض، وأنه لا يجب التصرف حالياً على أساس أن لبنان منزوع أوراق القوة، فتكون هناك أصوات تبرّر تقديم التنازلات بحجة أن عدم التجاوب مع الأميركيين قد يعيد إشعال الحرب.
طبعاً، يوجد في لبنان عموماً، وحتى في بيئة المقاومة، من يحمّل قيادة المقاومة المسؤولية عن القبول بالاتفاق كما جرى.
وإذا كان الأمر يستحقّ النقاش العلمي لتبيان الأمور على حقيقتها، فإن ذلك لا يلغي، أن فكرة الاتفاق قامت على أساس إنهاء الحرب، وعلى أساس برنامج لتطبيق القرار 1701، وفق آليات، تسمح للبنانيين، بأن يعيدوا صياغة سلطة الدولة في مناطق جنوب نهر الليطاني.
وكل نقاش عن أن الاتفاق يشتمل على ما سبقه من قرارات دولية، ليس له معنى في حقيقة الأمر، لأن من يريد ذلك، فليذهب إلى تطبيق كل القرارات السابقة، فهل بين هؤلاء المتعاونين مع العدو، والخاضعين لرغبة أميركا، يتذكّرون أن القرارات المتصلة بالصراع مع إسرائيل والتي تخصّ لبنان أيضاً، يوجد بينها القرار 194 الذي صدر في عام 1948، ويضمن حق العودة لجميع اللاجئين الفلسطينيين، أو أن هناك القرار 242 الذي صدر عام 1967 الذي يسمح لنا باستعادة أرضنا في العرقوب ومحيطه.
ولأن الأمور ترتبط بالحسابات الواقعية، فإن النقاش القائم الآن تحت عنوان نزع سلاح المقاومة، ما هو إلا تكرار لمطلب يخصّ إسرائيل أولاً وأخيراً.
وهي التي لم تتوقف يوماً عن مطالبتها بتفكيك المقاومة ونزع سلاحها. حتى بنيامين نتنياهو نفسه، بعد تولّيه لأول مرة منصب رئيس الحكومة، أطلق أول موقف شامل له من لبنان، بعد اجتماع له مع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في عام 1997، وقال إن الانسحاب من لبنان لن يحصل قبل تفكيك حزب الله.
وها هو اليوم يعيد تكرار الأمر نفسه، بموافقة وتغطية أميركيتين، وخلاصة ما حمله معه توم برّاك، أنّ على الدولة اللبنانية تفكيك حزب الله كقوة مقاومة، حتى تقبل إسرائيل بالانسحاب من لبنان ووقف الاعتداءات والسماح بإعادة الإعمار.
للتذكير أيضاً، أنه في عام 2000، وعقب التحرير الشهير في 25 أيار، أوكلت مهمة ترسيم الحدود إلى موفد أممي هو تيري رود لارسن.
كان الرجل شديد التفاؤل عند وصوله إلى بيروت. تحدّث مع شخصيات لبنانية، سياسية ودبلوماسية عن "تسريح مشرّف" لمقاتلي حزب الله. لم يكن الرجل يفهم معنى أن تبقى المقاومة، معتبراً أن إسرائيل انسحبت وانتهى الأمر.
لكنّ رئيسه، الأمين العام للأمم المتحدة في حينه كوفي أنان، زار الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله. وبعد حديث طويل عن الأوضاع، طرح أنان مسألة إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل. لم يجادله الشهيد السيد كثيراً، موضحاً له، أن إسرائيل لم تنسحب من كامل الأراضي اللبنانية المحتلة، وأن النزاع حول ملكية مزارع شبعا، لا يعني أنها ليست محتلة، وأنها أرضّ تخص اللبنانيين.
وحتى لا يأخذ النقاش بعداً أكاديمياً حول ملكية المزارع أولاً، قال نصرالله لضيفه: هل تعلم سعادة الأمين العام، أنه لا يزال هناك معتقلون لبنانيون في السجون الإسرائيلية، وأن إسرائيل ترفض الإفراج عنهم، وأن مندوباً عنك، كان يتولى التنسيق معنا من أجل معالجة الأمر، وهو من حمل إلينا جواب إسرائيل بأنها ترفض إطلاق سراحهم؟
ولم ينتظر السيد نصرالله جواب أنان ليقول له بحسم: نحن لن ننتظر طويلاً الجهود الدبلوماسية لإطلاق سراح الأسرى وحسم الانسحاب من تلال كفرشوبا ومزارع شبعا. بعدها، غادر أنان قائلاً للارسن وآخرين من العاملين معه، إن عليكم أن تنزعوا من رؤوسكم فكرة تسليم حزب الله للسلاح. وهو موقف عاد وأبلغه إلى الإسرائليين والأميركيين.
اليوم، يتصرّف السياسيون كما كبار المسؤولين في الدولة، بأن ما يجري من قبل إسرائيل لا يعنيهم، إلا من زاوية أن من أتى بالسلطة الجديدة إلى الحكم، يطالبها ليلَ نهارَ بأن تعمل على نزع سلاح المقاومة.
وغير هذه العبارة، لا يعرف هؤلاء أي شيء عن الصراع مع إسرائيل، ولا عن الاحتلال المستمر، ولا عن كل نتائجه. وإذا كان وزير الاقتصاد عامر البساط عرف سعر ربطة الخبر بعد تولّيه وزارة وظيفتها حماية المستهلك، فإن أي مسؤول عندنا، سيكون مُحرجاً، إن سأله أحد الصحافيين: هل تعرف كم يوجد لدى العدو من معتقلين لبنانيين... هل تعرف أسماءهم؟!.
عملياً، يتصرف أعداء المقاومة لا خصومها، على أنهم في قلب الحرب المستمرة ضدها من قبل إسرائيل وأميركا، وهؤلاء، لا يغيّرون في نمط تفكيرهم أبداً.
فهم لا يقيمون وزناً للتغيير الهائل الذي حصل في سوريا. ولا يريدون مناقشة تأثيرات ذلك على لبنان، وعلى المقاومة وأهلها... وها هم اليوم، يكرّرون بكل وقاحة، ما سبق أن فعلوه بعد اندلاع الأزمة في سوريا، عندما هاجموا وزير الدفاع في حينه فايز غصن، ومن خلفه الجيش، لأنه قال إن عناصر تنظيم "القاعدة" صاروا يتواجدون على حدود لبنان، ودخلوا إلى جرود عرسال وبعض مناطق عكار.
وقامت الدنيا ولم تقعد، وهم أنفسهم، السياسيون والإعلاميون، الذين اعتبروا هذا الكلام، تبريراً لتدخّل حزب الله في الحرب السورية، هم أنفسهم اليوم، الذين يعتبرون أي حديث عن تسرّب إرهابيين من سوريا إلى لبنان، أو عن ملاحقة شبكات أو مجموعات لتنظيم "داعش"، أنّ ذلك محض اختلاق، وهدفه التبرير لبقاء السلاح في يد حزب الله... وكأنّ هؤلاء، يريدون من الناس، أن يستمعوا إلى رؤاهم السياسية، والكل يعرف، أنهم مجرد حفنة من خدم السفارة في لبنان.
لم ولن يتوقّف
العدو كما أميركا عن طلب تفكيك بنية المقاومة العسكرية، والداعمون من لبنان لم يقفوا يوماً إلى جانب المقاومة وأهلها
حتى وليد جنبلاط، الذي أراد استثمار قراره تسليم بعض الأسلحة الموجودة في حوزة حزبه إلى الجيش، في سردية نزع السلاح من المقاومة، لم يكن جريئاً في مكاشفة أهله، بأن الأمر يتعلق بمشكلة كبيرة قائمة اليوم داخل البيئة الدرزية.
وهو لا يعرف كيف يشرح للناس، أنه ربما استعجل في إعلان ثقته بالسلطة الجديدة في سوريا. صحيح أن جنبلاط، يواجه اليوم حرباً شعواء يقودها انعزاليون من دروز لبنان وسوريا وفلسطين، كما يواجه حملة تقودها فرق درزية على صلة بالعدو، إلا أنه، يعرف أن الناس عنده يرفضون تسليم السلاح، لأنه لا يقدر على طمأنتهم بأن هناك ضمانات بعدم تعرّضهم كجماعة للاعتداء من قبل الآخرين، علماً أن جنبلاط كان عاد من آخر زيارة له إلى دمشق، بشعور كله مرارة وخيبة.
لكنه، قد يكون محقاً في عدم إدخال العوام في كل هذا النقاش. لكنّ جنبلاط، لا يمكنه أن يفرض هذا المنطق على الآخرين، خصوصاً على المقاومة، وهو الذي بات أكثر راديكالية في موقفه من النظام الصهيوني ليس في كيان العدو فقط، بل في العالم كله.
أيضاً، يشير البعض، إلى أنه يوجد بين الشيعة في لبنان من تعب من المقاومة، وأن هناك مناخات تسود أوساطاً برجوازية شيعية حديثة العهد، تربطها علاقات برجالات نافذة في المنطقة، تطالب الحزب بوقف المقاومة. ثم يشار إلى أن أوساطاً قريبة من الرئيس نبيه بري، على أنها هي أيضاً، تعتبر أن الشيعة في لبنان قاموا بواجبهم تجاه القضية الفلسطينية، وأنّه أوانُ الاهتمام بالوجود الشيعي.
وربما تكون هناك آراء من هذا النوع حتى بين كوادر أو مناصرين لحزب الله. لكنّ هذا الموقف، لا يمكن له أن يحتل المشهد، أو أن يجري التعامل معه على أنه مركز التفكير.
ومن لا يجيد قراءة حركة الناس جيداً، لن يفهم، معنى أن يحتشد أكثر من خمسين ألف شاب وصبية دون الخامسة والعشرين من عمرهم، كل ليلة للهتاف ضد إسرائيل وتأكيداً على الوعد للشهيد السيد بأنهم مستمرون في طريق المقاومة.
على أي حال، ربما كان الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، كثير الدبلوماسية في طريقة مقاربته للقضية.
لكنّ الرجل، لا يفعل ذلك إلا لأنه لا يريد أخذ البلاد إلى مشكلة أو سجال في غير مكانه. وهو عندما لا يهدّد بالويل والثبور، فهذا لا يعني عجزاً، بقدر ما يعني أن لديه طريقته في التعبير عن الموقف. وهو اضطر خلال الخطب التي ألقاها في ليالي عاشوراء إلى التوضيح بأشكال مختلفة، بأن من ينتظر من المقاومة تسليم سلاحها، عليه الانتظار طويلاً!.
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا