الجمهورية: واشنطن تستعجل استجابة لبنان لورقة برّاك ولا حسم لملف السلاح... وأسئلة عن الضمانات
الرئيسية صاحبة الجلالة / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
Jul 05 25|08:11AM :نشر بتاريخ
من أكثر صُوَر العبث بشاعة وقذارة في هذا الزمن المضطرب، أن تتسيّد الأجواء غرف شيطانيّة ومنصّات مأجورة، تتجنّد مع دجّالي التبصير والتنجيم والتحليل الغبي، في حرب نفسية على اللبنانيِّين، تُثقِل حياتهم المعلّقة أصلاً على حبل القلق، ببَثّ سموم الشائعات والتخويف والتحريض الطائفي، وتشويش أفكارهم بأخبار كاذبة ووقائع مزيّفة، واختلاق سيناريوهات سياسية وعسكرية وأمنية وتوقعات مرعبة، تنذر بأنّ لبنان مقبلٌ على حروب، وسينهار فيه كلّ شيء، وستطال النار كلّ شيء. هذا الوضع، الذي يُعادل الجريمة الكبرى، يستدعي بالحدّ الأدنى، أنّ تحزم الدولة أمرها، وتستنفر مستوياتها الرسمية والسياسية وأجهزتها الأمنية والإعلامية والقضائية، لردّ هذا الاجتياح النفسي الذي يطال كلّ اللبنانيِّين، ولا تقلّ آثاره إيلاماً عن العدوان العسكري، بل ربما تفوقه. وكانت لافتة في الساعات الأخيرة، إشارة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى مَن سمّاهم «أعداء الداخل الذين يلعبون على الوتر الطائفي حرصاً منهم على مصلحتهم مع الخارج»، ونفيِه الأخبار المُتداول بها في المرحلة الأخيرة، وتحدّثت عن «دخول مجموعات إلى لبنان، وعن استعدادات لاقتحامات على الحدود اللبنانية- السورية».
خطورة هذه الصورة البشعة، أنّها تزامن لحظة لبنانية حرجة، مشحونة من جهة بالتهديدات والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، وبالتحرّكات المريبة للخلايا الإرهابية، ومن جهة ثانية بالإضطراب السياسي الذي يتحضّر بتناقضاته وانقساماته العميقة لجولة جديدة من الصراع حول الملفات الخلافية - يبدو أنّها باتت وشيكة - وخصوصاً حول الملف الإنتخابي، وكذلك حول ملف السلاح. ومشحونة من جهة ثالثة بالقلق ممّا يعتري المنطقة من مخاطر ووقائع عسكرية واستعدادات توحي وكأنّها مقبلة حتماً على حدث كبير يُغيّر شكلها ويُمزّق خرائطها.
زيارة مثمرة!
إذا كان الجانب الأول من الصراع الداخلي، سيبدأ أولى جولاته على حلبة اللجنة النيابية ومن خلف متاريس الاقتراحات الانتخابية المدرجة في جدول أعمالها، في اجتماع اللجنة المقرّر الاثنين المقبل، إلّا إذا طرأ تعديل على هذا الموعد لمصادفة الاثنين يوم عطلة رسمية، يؤجّل ما هو منتظر من مماحكات ومشاحنات وشعبويات إلى موعد آخر، فإنّ التركيز الداخلي يبقى منصبّاً على المسألة الأكثر دقة وحساسية، والمرتبطة بورقة الحل الأميركي المقدّمة من المبعوث الأميركي توماس برّاك، والجواب اللبناني عليها.
والبارز في هذا السياق، ما تتقاطع حوله مستويات ديبلوماسية غربية وعربية، بـ«أنّ الولايات المتحدة الأميركية ترغب في أن تكون زيارة برّاك المقبلة إلى بيروت مثمرة، وخصوصاً أنّ الورقة المطروحة، فرصة مهمّة جداً لحل مستدام في لبنان، يحفظ أمنه واستقراره ويؤسّس لنهوضه في بيئة سليمة».
وبحسب تلك المستويات، فإنّ «عامل الوقت مهمّ جداً. فمهمّة برّاك ليست مفتوحة بل هي محدّدة بزمن قصير، وثمّة إشارات أميركية توالت في الفترة الأخيرة بصورة مباشرة أو عبر القنوات الديبلوماسية، تؤكّد أنّ على لبنان الإستفادة من الوقت المتاح قبل نفاده، وتتوخّى من المسؤولين اللبنانيِّين الإستجابة العاجلة لمندرجات ورقة الحل، التي توفّر بالتأكيد مصلحة كبرى للبنان حاضراً ومستقبلاً».
الموقف من الورقة
في غضون ذلك، اتفق أكثر من مصدر على أنّ الورقة الأميركية ترمي إلى صياغة معادلة جديدة في لبنان، سياسية وأمنية واقتصادية وسيادية، مدعّمة بواقع عنوانه الجوهري «لا سلاح غير شرعي في لبنان». وقد تحدّث الموفد الأميركي توماس برّاك عن مقاربة تقوم على سياسة «العصا والجزرة»، موضّحاً أنّ خطته تتضمّن منح الجيش اللبناني صلاحيات تنفيذ عمليات تفتيش داخلية بحثاً عن أسلحة غير شرعية، رابطاً هذا المسار بجُهدٍ موازٍ تقوده واشنطن مع الرياض والدوحة، لتأمين دعم مالي لإعادة إعمار الجنوب وتطبيع الأوضاع في المناطق الحدودية.
وفي السياق، أكّد مصدر معني بدراسة الورقة الأميركية لـ«الجمهورية»، أنّ النقاش حولها في اللجنة الثلاثية الممثلة للرؤساء الثلاثة قطع شوطاً مهمّاً في تشريح الورقة، ووضع الملاحظات عليها، وتُشكّل الأساس في الموقف اللبناني من الورقة، الذي سيُبلَّغ للموفد الأميركي الأسبوع المقبل، وجوهره التأكيد على وقف الاعتداءات الإسرائيلية والانسحاب من الأراضي المحتلة والإفراج عن الأسرى».
ورداً على سؤال، أشار المصدر إلى أنّ جانباً من مضمون الورقة الأميركية مقبول ولا خلاف عليه، ولاسيما في ما يخصّ الإصلاحات الإدارية والإقتصادية والمالية التي تلتزم فيها الدولة اللبنانية أصلاً، أو في ما يخصّ العلاقات مع سوريا والحدود وضبط المعابر. إذ سبق للبنان أن عبّر من خلال رئيسَي الجمهورية والحكومة عن «الرغبة في تمتينها»، إلّا أنّ جوانب أخرى من مضمون الورقة تستدعي إجابات واضحة، ولاسيما حول ملف إعادة الإعمار، وكذلك حول موضوع النازحين السوريِّين، لأنّ الورقة لا تلحظ مهلة زمنية لعودتهم إلى بلدهم. وكذلك الأمر بالنسبة إلى ترسيم الحدود، إذ كيف يمكن أن تُرَسَّم الحدود بين لبنان وسوريا بصورة كاملة طالما أنّ إسرائيل ما زالت تحتلّ مزارع شبعا؟
ولفت المصدر إلى ما يمكن اعتبارها ثغرة في الورقة الأميركية، وهي أنّ «الورقة في جوهرها، ترمي إلى فرض إلتزامات على الجانب اللبناني، من دون إيراد أي إلتزامات علنية أو ضمنية على الجانب الإسرائيلي، إذ تنصّ على أن يتحوّل «حزب الله» إلى حزب سياسي بالكامل، ويُسلِّم الجزء الأكبر من ترسانته الصاروخية والمسيّرات في مهلة معينة (تردّد أنّها ثلاثة أشهر). لكن في المقابل، لا توفّر الورقة أي ضمانات لوقف اعتداءات إسرائيل وانتهاكاتها على لبنان، أو لالتزامها باتفاق وقف إطلاق النار، أو الانسحاب من الأراضي المحتلة ولاسيما النقاط الخمس، أو الإفراج عن الأسرى، أو أي ضمانات لعدم تكرار اعتداءاتها».
أمّا بالنسبة إلى ملف السلاح، وتحديداً سلاح «حزب الله»، فيقرّ المصدر بأنّه أمر معقّد، والنقاش حوله لم ينتهِ، وموقف الحزب يمكن القول إنّه شبه معلوم، ربطاً بما يصدر من مواقف عن قيادته التي تؤكّد التمسك بالسلاح وعدم التخلّي عنه. إلّا أنّ النقاش لا يزال مستمراً، والحزب يشارك بصورة مباشرة وغير مباشرة في هذا النقاش.
ورداً على سؤال عن الطروحات القائلة بسحب السلاح بالقوة، أوضح المصدر: «هذا معناه دخول لبنان في أزمة كبيرة، لكن لا وجود لهذا الطرح على أرض الواقع، فرئيس الجمهورية سبق له أن تصدّى شخصياً لهذا الملف، وأكّد أنّ معالجته تتمّ عبر حوار هادئ مع الحزب. في المقابل، لم نسمع من الأميركيِّين، ما يُفيد بأنّهم يناقضون توجّه رئيس الجمهورية، أو يؤيّدون استخدام القوة لسحب السلاح».
القاهرة وباريس
برز في هذا السياق، ما قاله السفير المصري في لبنان علاء موسى بعد زيارته رئيس الجمهورية عن «إشارات إيجابية في موضوع حصرية السلاح، وأنّ الرئيس عون يتولّى الأمور التفصيلية ويضع اهتماماً كبيراً لمعالجتها». وأكّد «دعم مصر الكامل لخطوات الرئيس عون. نحن على قناعة بأنّه كلّما اتخذنا خطوة إلى الأمام تليها خطوة أخرى للوصول إلى خلق حالة من الاستقرار والأمن في لبنان والمنطقة».
كما برز موقف فرنسي، عبّرت عنه وزارة الخارجية الفرنسية، التي أشارت إلى «أنّ قوات «اليونيفيل» وآلية المراقبة ستشرفان على تسليم السلاح إلى الجيش اللبناني»، مؤكّدةً «أنّنا نتواصل مع شركائنا الأميركيِّين حول لبنان، ويجب تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بكامل بنوده».
مخاوف
على رغم من تأكيد المصدر عينه على أنّ كل الأمور، سواء حول إيجابيات الورقة أو الملاحظات التي ستبدى على بعض بنودها أو التوضيحات المطلوبة على بعض آخر منها، ستُناقَش مع الموفد الأميركي اعتباراً من الأسبوع المقبل. إلّا أنّ مرجعاً كبيراً أبلغ إلى «الجمهورية» قوله، إنّه يخشى من احتمالات سلبية قد تلجأ من خلالها إسرائيل إلى مواكبة زيارة برّاك بتوتير الوضع وتكثيف اعتداءاتها واستهدافاتها، لفرض ما تريده عبر «حوار بالنار».
مراجعة استراتيجية
إلى ذلك، نقلت وكالة «رويترز» عن ثلاثة مصادر مُطلعة قولها، إنَّ «حزب الله» بدأ «مراجعة استراتيجية رئيسية في أعقاب حربه المدمّرة مع إسرائيل، تشمل النظر في تقليص دوره كحركة مسلحة من دون نزع سلاحه بالكامل». وذكرت الوكالة في تقريرها، أنَّ النقاشات الداخلية بشأن ملف سلاح «حزب الله»، لم تعكس الضغوط الهائلة التي واجهها الأخير منذ التوصّل إلى هدنة مع إسرائيل في أواخر شهر تشرين الثاني 2024.
وكشف مسؤول كبير آخر، مطّلع على المداولات الداخلية لـ«حزب الله»، أنَّ الأخير كان يُجري مناقشات سرّية بشأن خطواته التالية، مشيراً إلى أنَّ «لجاناً صغيرة كانت تجتمع شخصياً أو عن بُعد لمناقشة قضايا تشمل هيكل القيادة والدور السياسي والعمل الاجتماعي والتنموي والتسلّح».
في الوقت عينه، أشار المسؤول ومصدران آخران مطلعان على المناقشات، إلى أنّ «حزب الله» قد خلص إلى أنّ «الترسانة التي جمعها لردع إسرائيل عن مهاجمة لبنان أصبحت عبئاً، وأنّ «حزب الله» كان يمتلك قوة فائضة، وكل تلك القوة تحوّلت إلى نقطة ضعف».
وأفادت المصادر، وفق «رويترز»، بأنَّ «حزب الله يدرس الآن تسليم بعض الأسلحة التي يمتلكها في أماكن أخرى من البلاد - ولا سيما الصواريخ والطائرات المسيّرة التي تُعتبر أكبر تهديد لإسرائيل - بشرط انسحاب إسرائيل من الجنوب ووقف هجماتها». وأضافت المصادر أنّ «الحزب لن يُسلِّم ترسانته بالكامل. فعلى سبيل المثال، يعتزم الاحتفاظ بأسلحة خفيفة وصواريخ مضادة للدبابات كوسيلة لمقاومة أي هجمات مستقبلية».
بدوره، كشف مسؤول أوروبي مطلع على تقييمات الاستخبارات، أنّ «هناك الكثير من العصف الذهني الجاري داخل «حزب الله» حول مستقبله، لكن من دون نتائج واضحة»، ووصف وضع «حزب الله» كجماعة مسلحة، بأنّه جزء من هويّته، قائلاً إنّه «سيكون من الصعب عليه أن يُصبح حزباً سياسياً بحتاً».
وأيضاً، أفاد ما يقرب من 12 مصدراً مطلعاً على تفكير «حزب الله»، أنّ الحزب يُريد الاحتفاظ ببعض الأسلحة، ليس فقط تحسباً لتهديدات مستقبلية من إسرائيل، لكن أيضاً «لقلقه من أن تستغل جماعات مسلّحة في سوريا المجاورة التراخي الأمني لمهاجمة شرق لبنان، المنطقة ذات الأغلبية الشيعية»
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا