كي لا يصبح لبنان كياناً قيد الدّرس

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : محرر الصفحة
Aug 06 25|00:55AM :نشر بتاريخ

كتب د. خطار بو دياب في أساس ميديا:

وصف الرئيس دونالد ترامب لبنان بأنّه “بلد رائع وشعبه كذلك وسنحاول إعادته إلى مكانته”. لكنّ سيّد البيت الأبيض صرّح سابقاً: “هناك أنبياء قالوا إنّ نهاية العالم ستبدأ من الشرق الأوسط”.

بمعزل عن تموّجات التنبّؤات المسيحانيّة والوقائع القاسية للنزاعات، يجد لبنان نفسه هذه الأيّام أمام منعطف اتّخاذ قرارات مصيرية وخطوات عملية في شأن حصريّة السلاح بيد الدولة وعدم تضييع فرصة الإنقاذ. يتوقّف الأمر في المقام الأوّل على تجاوب “الحزب” وبيئته، وعلى عدم بقاء بلاد الأرز رهينة الصراعات والمصالح الخارجية، ويتوقّف أيضاً على ديناميكيّة بلورة وتنفيذ القرارات السيادية بعيداً عن المساومات والمماطلة، واحترام الشرعيّتين العربية والدولية اللتين تمثّلان الغطاء الداعم للشرعيّة اللبنانية.

ثلاثة مبعوثين لمهمّة واحدة

استهلك الأمر منذ اتّفاق 27 تشرين الثاني الماضي ثلاثة مبعوثين أميركيّين من آموس هوكستين إلى مورغان أورتاغوس وأخيراً توماس بارّاك، ووصل الأمر الآن إلى لحظة الحسم والحقيقة والقول بانتهاء المهل وتلويح واشنطن بسحب وساطتها.

يبرز في الأفق أيضاً ضياع فرصة إنقاذ لبنان وإنهاء زمن اللادولة بعد سبعة أشهر على انتخاب الرئيس جوزف عون ثمّ تشكيل حكومة الرئيس نوّاف سلام، لأنّ التردّد كان سيّد الموقف لدى قوى سياسية لم تستوعب أهمّية السير بخطّ موازٍ في موضوعَي استرداد السيادة الداخلية والخارجية من جهة وإنجاز الإصلاح من جهة أخرى.

مع خطر الوصول إلى المحظور، انتهز رئيس الجمهورية فرصة عيد الجيش اللبناني في الأوّل من آب ليلقي خطاباً جرى وصفه بخطاب قسم جديد، دعا فيه “الحزب” وبيئته الوطنية إلى الرهان على الدولة اللبنانية وحدها، معتبراً أنّ الجيش اللبناني هو الأكثر ضمانة لوقف العدوان على لبنان، وسعى رئيس الجمهورية اللبنانية إلى طمأنة جمهور “الحزب” مناشداً إيّاه التنبّه لعدم إسقاط مشروع بناء الدولة.

مع خطر الوصول إلى المحظور، انتهز رئيس الجمهورية فرصة عيد الجيش اللبناني في الأوّل من آب ليلقي خطاباً جرى وصفه بخطاب قسم جديد

من الواضح أنّ نداء الرئيس عون كان موجّهاً أيضاً إلى كلّ الأطراف السياسية الفاعلة، وأراد أن يسمعه أيضاً الخارج، أي الولايات المتّحدة الأميركية، ومعها اللجنة الخماسية المؤلّفة منها ومن فرنسا ومصر والمملكة العربية السعودية وقطر بما تمثّله من تأثير.

إزاء عدم استبعاد احتمال توسّع العمليّات العسكرية الإسرائيلية، والضغوط الأميركية والتوجّهات العربية والدولية، وهاجس الانقسام اللبناني، تزداد الخشية من الانزلاق إلى الأسوأ إذا لم يتمّ الاستدراك.

نهج أميركيّ لا يتغيّر

يتّضح أنّ إيران التي خسرت نظام دمشق جوهرة مشروعها الإمبراطوري وجسره الحيوي، لم تسلّم بنهاية أدوار أذرع محورها، وخاصّة “الحزب” الذي لا يزال يحتفظ بترسانة من الصواريخ الدقيقة يمكن أن تشكّل سلاحاً دفاعيّاً عن مشروع إيران النووي وعن نظامها في حال الضرورة. تبعاً لاستمرار هذا الربط تلحّ واشنطن على الحكومة اللبنانية وتدعوها إلى سرعة معالجة ملفّ سلاح “الحزب” وتفادي عواقب التأخير.

كانت لافتةً في الأسبوع الماضي تسريبات من واشنطن عن إنهاء مهمّة “المندوب السامي” توماس بارّاك في لبنان واحتمال عودة مورغان أورتاغوس. لكنّ مصادر أخرى تتكلّم عن متابعة هذا الملفّ من قبل ميشال عيسى السفير الأميركي المعيّن لدى بيروت. في مطلق الأحوال، ستؤدّي مباشرة جويل ريبورن رسميّاً مهمّة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، إلى إزالة الالتباسات وتوزيع المهامّ وبلورة الأولويّات لتنفيذ سياسة إدارة ترامب. وريبورن الذي عمل مبعوثاً خاصّاً إلى سوريا في ولاية ترامب الأولى، متمرّس جدّاً في ملفّه.

يجد لبنان نفسه هذه الأيّام أمام منعطف اتّخاذ قرارات مصيرية وخطوات عملية في شأن حصريّة السلاح بيد الدولة وعدم تضييع فرصة الإنقاذ

من أورتاغوس وبارّاك إلى عيسى وريبورن، تتغيّر الأسماء لكنّ نهج إدارة ترامب واضح من دون مواربة، ويدعو لبنان إلى حزم أمره إذا شاء تجنّب مخاطر التخلّي عنه وانعكاسات ذلك على كيانه ودولته. لم تكن اللهجة الحادّة للسيّدة أورتاغوس كافية لحثّ المنظومة السياسية اللبنانية على تحمّل مسؤوليّاتها، ولم تلقَ تحذيرات اللبناني الأصل توماس بارّاك التجاوب المطلوب. لم يتردّد بارّاك المنحدر من أسرة كاثوليكية عريقة من مدينة زحلة، في تحذير لبنان من مواجهة “تهديد وجوديّ”، وأنّه يمكن أن يعود إلى “بلاد الشام” مجدّداً، مع عودة حضور سوريا إلى الساحة الدولية.

لا تعني عودة مصطلح “بلاد الشام” على لسان دبلوماسي أميركي إمكان إيكال الملفّ اللبناني إلى دمشق في ظلّ إدارة أحمد الشرع لأنّ ظروف “تلزيم” لبنان مرّتين إلى الرئيس السابق حافظ الأسد في 1975 و1990 كانت مختلفة تماماً وجرت بموافقة إسرائيل. وربّما تناسى أو نسي أو تجاهل رجل الأعمال اللبناني الأصل توماس بارّاك أنّ إمارة لبنان كانت الكيان الأقدم في بلاد الشام، وأنّ الفرادة اللبنانية وقوّة العيش المشترك تمنحان لبنان حصانة البقاء.

اللافت أيضاً في متابعة تصريحات بارّاك خلال الشهرين اللاحقين على تعيينه في منصبه الجديد تطرّقه إلى ملفّات تتّصل بخرائط سوريا ولبنان ومستقبل شعبيهما. في 27 أيّار الماضي في منشور على صفحته على منصّة إكس تطرّق إلى اتّفاق سايكس بيكو الشهير قائلاً إنّ “الخطأ الذي ارتُكب قبل قرن، حين فرض الغرب خرائط وانتدابات وحدوداً بالقلم، وأخضع الشرق الأوسط لحكم أجنبي، لن يتكرّر”. وقال أيضاً إنّ “عصر التدخّل الغربي قد انتهى”، وإنّ المستقبل في سوريا سيكون “للحلول الإقليمية، والشراكات، ولدبلوماسية تقوم على الاحترام”. لكن من الناحية العملية لا يبدو أنّ واشنطن قادرة على منع الاندفاع الإسرائيلي في تغيير وجه الشرق الأوسط، ولا تبدو الدبلوماسية الأميركية في موقع يحدّ من الطموحات التركيّة، ويبدو دورها أقرب إلى إدارة الأزمات.

حتّى لا يصبح لبنان ضحيّة بامتياز لمحيطه الجيوسياسي، لا بدّ من استكمال فكّ الربط مع المحور الإيراني

سايكس – بيكو ولجنة كينغ

في البعد التاريخي للمعالجة لا بدّ من التذكير بأنّه في زمن ولادة اتّفاق سايكس – بيكو، أرسلت واشنطن لجنة كينغ – كراين (رجل الأعمال تشارلز ر. كرين وأستاذ التاريخ والقسّ المُرشّم هنريتشرشل كينغ) إلى منطقة الشرق الأوسط من أجل معرفة مطالب السكّان في شأن أسلوب الحكم والحدود، وهي مهمّة أتت في إطار سياسات ويلسون الرئيس الأميركي آنذاك وإيمانه بحقّ الشعوب في تقرير مصيرها.

يتّضح من قراءة خلاصات اللجنة التنبّه إلى الإشكاليّات التي تواجه الشرق الملتهب اليوم، لا سيما لجهة صعوبات بناء الدولة القومية وفقاً للمعايير الغربية. ورد في الخلاصات حرفيّاً أنّ “مسلمي ومسيحيّي الشام سيتعوّدون على العيش بتناغم لأنّ الوعي الاجتماعي الحديث يحثّ على ضرورة فهم “النصف الآخر” وإقامة علاقات وطيدة”. لكنّ هذا الطرح “المتفائل” لم يمنع اللجنة نفسها من التحذير من أنّ “وضع مجموعات إثنية ودينية متنوّعة في دول كبيرة قد يؤدّي إلى نتائج دموية. ويومها جرؤت اللجنة واقترحت قدراً كبيراً من الحكم الذاتي للبنان في إطار سوريا، وقدراً محدوداً من الحكم الذاتي للأكراد. ولامست خلاصتها ما يشبه “النبوءة” بمعطيات المرحلة الراهنة، وقد ورد: “لا شكّ أنّ الحلّ الآليّ للعلاقات المتشابكة والصعبة هو تقسيم المنطقة إلى قطع مستقلّة صغيرة، لكنّ التقسيم والفصل الشامل في الحقيقة يعزّزان الفروق ويزيدان من “الخصومة”. أي أنّ مسار التفكّك الذي يقود إلى الطلاق والتقسيم يمكن أن يؤدّي إلى حروب طويلة مع نتائج غير مضمونة في ضوء الصعود المدوّي للإرهاب والتطرّف.

حتّى لا يصبح لبنان ضحيّة بامتياز لمحيطه الجيوسياسي، لا بدّ من استكمال فكّ الربط مع المحور الإيراني وعدم الوقوع في حبائل المصالح والدول الخارجية. يتّضح من خلال المقاربة الواردة أعلاه أنّ تضييع لبنان الفرصة الذهبية للإنقاذ سيقوده تلقائيّاً إلى أن يتحوّل “دولة فاشلة” و”كيان قيد الدرس” في إقليم مضطرب.

 

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : اساس ميديا