مِنْ مَاذَا عَلَى لُبْنَانَ أَنْ يَفْعَلَ إِلَى كَيْفَ سَتَرُدُّ إِسْرَائِيلُ: تَغَيُّرُ قَوَاعِدِ اللُّعْبَةِ
الرئيسية مقالات / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
Aug 19 25|14:37PM :نشر بتاريخ
كتب انطوان العويط في ايكو وطن:
لم تَكُنِ الزّيارةُ الرّابعةُ لِلموفَدِ الأَميركيّ طوم بَارّاك إلى بَيْرُوتَ شَبِيهَةً بِأَيٍّ مِنْ زياراتِهِ السّابِقَةِ. فَمُنْذُ اللَّحْظَةِ الأُولَى، بَدَا الرّجُلُ أَكْثَرَ ارْتِيَاحًا وَطُمَأْنِينَةً، كَأَنَّهُ يَزُورُ بَلَدًا دَخَلَ فِي طَوْرٍ جَدِيدٍ مِنَ التَّعَاطِي مَعَ المُبَادَرَةِ الأَميركيَّةِ، لِنَقُلْ، أَنَّ الأُمُورَ الَّتِي سَبَقَ وَحَمَلَهَا فِي جَعْبَتِهِ ظَهَرَتْ كَأَنَّهَا قَدْ بَدَأَتْ تَتَرَسَّخُ فِي الوَاقِعِ اللُّبْنَانِيِّ، وَهذَا مَا انْعَكَسَ بِوُضُوحٍ فِي لِقَائَاتِهِ الرّسْمِيَّةِ، كَمَا فِي تَعَابِيرِهِ الجَسَدِيَّةِ وَإِيقَاعِ كَلِمَاتِهِ.
فَالِاجْتِمَاعُ الَّذِي جَمَعَهُ بِالرَّئِيسِ جُوزَافْ عُونٍ فِي قَصْرِ بَعْبَدَا كَانَ مِيسَرًا إِلَى حَدٍّ لَافِتٍ.
هُنَاكَ، أَثْنَى الْمُوفَدُ الأَمْرِيكِيُّ عَلَى "شَجَاعَةِ" الْحُكُومَةِ فِي اتِّخَاذِ قَرَارِ حَصْرِ السِّلَاحِ، وَهَنَّأَ الْمَسْؤُولِينَ عَلَى مَا اعْتَبَرَهُ إِنْجَازَ رِجَالِ دَوْلَةٍ.
هَذَا الإِطْرَاءُ لَمْ يَكُنْ مَحْصُورًا بِالإِطَارِ اللُّبْنَانِيِّ الدَّاخِلِيِّ، بَلْ تَجَلَّى أَيْضًا كَرِسَالَةٍ مُوَجَّهَةٍ إِلَى الْخَارِجِ. فَمِنْ جِهَةٍ، أَرَادَتْ وَاشِنْطُنُ أَنْ تَقُولَ إِنَّهَا تَقِفُ بِقُوَّةٍ خَلْفَ الدَّوْلَةِ اللُّبْنَانِيَّةِ وَخِيَارَاتِهَا، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، أَرَادَتْ أَنْ تُؤَكِّدَ لِإِيرَانَ وَلِـ "حِزْبِ اللهِ" أَنَّ مُحَاوَلَاتِ ضَرْبِ هَذَا القَرَارِ أَوْ إِسْقَاطِهِ، لَنْ تَجِدَ صَدًى فِي لُبْنَانَ وَأَيْضًا لَدَى الْمُجْتَمَعِ الدَّوْلِيِّ.
بذَلِكَ، رَسَمَ بَارَاكْ خَطًّا سِيَاسِيًّا وَاضِحًا. لُبْنَانُ قَامَ بِمَا عَلَيْهِ، وَأَثْبَتَ أَنَّهُ شَرِيكٌ مُوْثُوقٌ فِي تَطْبِيقِ الْوَرَقَةِ الَّتِي كَانَتْ أَصْلًا أَمْرِيكِيَّةً، فَتَحَوَّلَتْ إِلَى أَمْرِيكِيَّةٍ - لُبْنَانِيَّةٍ بَعْدَ الْأَخْذِ بِالْمُلَاحَظَاتِ وَالإِضَافَاتِ الَّتِي وَضَعَتْهَا بَيْرُوتُ وَالرُّؤَسَاءُ الثَّلَاثَةُ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ أَيَّ تَشْكِيكٍ أَوْ اعْتِرَاضٍ دَاخِلِيٍّ أَوْ خَارِجِيٍّ سَيُوَاجَهُ بِدَعْمٍ صَرِيحٍ مِنْ تَشْكِيلٍ وَاسِعٍ وَعَرِيضٍ مِنَ الْمُكَوِّنَاتِ السِّيَاسِيَّةِ اللُّبْنَانِيَّةِ، وَكَذَلِكَ مِنْ وَاشِنْطُنَ وَحُلَفَائِهَا.
في النِّقَاشَاتِ التَّفْصِيلِيَّةِ مَعَ رَئِيسِ الْجُمْهُورِيَّةِ وَرَئِيسِ الْحُكُومَةِ، أَبْدَى بَارَاكْ مُوَافَقَتَهُ عَلَى مَا طَرَحَهُ الْجَانِبُ اللُّبْنَانِيُّ. فَلُبْنَانُ، بِحَسَبِ قَوْلِهِ، قَامَ بِمَا عَلَيْهِ، وَوَضَعَ أَوْرَاقَهُ عَلَى الطَّاوِلَةِ، وَلَيْسَ مَطْرُوحًا أَيُّ اتِّفَاقٍ جَدِيدٍ أَوْ مُفَاوَضَاتٍ إِضَافِيَّةٍ خَارِجَ إِطَارِ تَثْبِيتِ وَقْفِ النَّارِ، بَلِ الِالْتِزَامُ بِوَقْفِ النَّارِ، وَاعْتِمَادُ مَبْدَأِ "خُطْوَةٍ مُقَابِلَ خُطْوَةٍ".
أَيُّ أَنَّ لُبْنَانَ قَدَّمَ خُطْوَتَهُ الْكُبْرَى بِقَرَارِ حَصْرِ السِّلَاحِ بِيَدِ الدَّوْلَةِ، وَحَانَ الْوَقْتُ الآنَ لِإِسْرَائِيلَ أَنْ تُظْهِرَ تَجَاوُبًا مُشَابِهًا، سَوَاءً بِالِانْسِحَابِ مِنْ بَعْضِ النِّقَاطِ الْمُتَنَازَعِ عَلَيْهَا وأَوْ بِالِالْتِزَامِ بِوَقْفِ الْغَارَاتِ وَالاعْتِدَاءِ...
بِهَذَا الْمَعْنَى، نَقَلَ بَارَاكْ النِّقَاشَ مِنْ دَائِرَةِ "مَاذَا عَلَى لُبْنَانَ أَنْ يَفْعَلَ؟" إِلَى دَائِرَةِ "كَيْفَ سَتَرُدُّ إِسْرَائِيلُ؟".
هَذَا تَحَوُّلٌ بَالِغُ الْأَهَمِّيَّةِ، لِأَنَّهُ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى مُنْذُ سَنَوَاتٍ، لا يَبْدُو لُبْنَانُ هُوَ الطَّرَفُ الْمُتَّهَمُ بِالتَّقْصِيرِ أَوِ الْمُمَاطَلَةِ، بَلِ الطَّرَفُ الَّذِي أَنْجَزَ وَاجِبَهُ وَيَنْتَظِرُ الْآخَرِينَ.
وَلَعَلَّ مَا مَيَّزَ هَذِهِ الْزِيَارَةَ، لا بَلْ إِحْدَى أَبْرَزِ مَحَطَّاتِهَا، كَانَتِ الرِّسَالَةُ الْعَلَنِيَّةُ وَالْمُتَبَيِّنَةُ جَلِيًّا، الَّتِي أَرَادَ بَارَاكْ إِيصَالَهَا إِلَى الْمُكَوِّنِ الشِّيعِيِّ فِي لُبْنَانَ.
فَمِنْ عَلَى مَنْبَرِ بَعْبَدَا تَحْدِيدًا، حَرَصَ عَلَى القَوْلِ إِنَّ الْقَرَارَاتِ الْأَخِيرَةَ لَيْسَتْ عَلَى حِسَابِ الشِّيعَةِ، بَلْ لِمَصْلَحَتِهِمْ. فَالتَّسْلِيمُ بِالسِّلَاحِ، وَفْقَ مَنْطِقِهِ، يَعْنِي انْسِحَابًا إِسْرَائِيلِيًّا، وَوَقْفًا لِلْغَارَاتِ، وَفَتْحَ الْبَابِ أَمَامَ الاسْتِثْمَارَاتِ وَالْمُسَاعَدَاتِ وَمَسَارِ إِعَادَةِ الإِعْمَارِ.
وَالْلاَفِتُ أَنَّ هَذِهِ الْمُقَارَبَةَ لا تَسْعَى إِلَى كَسْبِ الْقِيَادَةِ السِّيَاسِيَّةِ الشِّيعِيَّةِ فَحَسْبُ، بَلْ إِلَى مُخَاطَبَةِ الْقَاعِدَةِ الشَّعْبِيَّةِ، وَرَبْطِ مُسْتَقْبَلِهَا بِالْمَكَاسِبِ الاقْتِصَادِيَّةِ وَالتَّنْمَوِيَّةِ بَدَلًا مِنْ شَبْكِهَا بِمَنْطِقِ السِّلَاحِ.
فِي الْعُمقِ، إِنَّهَا مُحَاوَلَةٌ لِفَكِّ الاشْتِبَاكِ بَيْنَ الطَّائِفَةِ وَالْأَدَوَاتِ الْقِتَالِيَّةِ، وَمَسْعًى لِبِنَاءِ جِسْرِ ثِقَةٍ مَعَ شَرِيحَةٍ طَالَما وُصِمَتْ بِأَنَّهَا رَهِينَةُ السِّلَاحِ، وَلِإِقْنَاعِهَا بِأَنَّ مَكَاسِبَهَا الْحَقِيقِيَّةَ لَنْ تَأْتِيَ مِنَ الْبَقَاءِ فِي مَوْقِعِ الْمُوَاجَهَةِ الدَّائِمَةِ، بَلْ مِنْ خِلَالِ رَبْطِ مُسْتَقْبَلِهَا بِفُرَصٍ مُتَعَدِّدَةٍ سَيُتِيحُهَا الانْخِرَاطُ فِي مَشْرُوعِ الدَّوْلَةِ، وَتَحْوِيلُ الدَّوْلَةِ إِلَى مَصْدَرِ الْأَمَانِ وَالْمَصْلَحَةِ.
لَمْ يَفُتْ بَارَاكْ أَنْ يُخَصَّ الرَّئِيسَ نَبِيَهْ بْرِيٍّ بِإِشَادَةٍ عَلَنِيَّةٍ. تَحَدَّثَ عَنْ ذَكَائِهِ السِّيَاسِيِّ وَخِبْرَتِهِ الْغَنِيَّةِ، وَخَرَجَ مِنْ عَيْنِ التِّينَةِ لِيُعْلِنَ أَنَّ "الْجَمِيعَ يَسِيرُ فِي الْاتِّجَاهِ الصَّحِيحِ". هَذِهِ الْعِبَارَاتُ لَيْسَتْ بِرُوتُوكُولِيَّةٍ، بَلْ يُمْكِنُ قِرَاءَتُهَا كَأَنَّ فِي الْأَمْرِ إِشَارَةً إِلَى تَوَافُقٍ غَيْرِ مُعْلَنٍ عَلَى خُطُوطِ التَّسْوِيَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَبِمَا يَعْنِي أَنَّ وَاشِنْطُنَ تَرَى فِيهِ ضَابِطَ إِيقَاعٍ أَسَاسِيًّا، قَادِرًا عَلَى مُوَازَنَةِ الْمَوَاقِفِ، وَرُبَّمَا عَلَى فَتْحِ ثُغَرٍ فِي جِدَارِ "حِزْبِ اللَّهِ" نَفْسِهِ.
الْحَدَثُ الْأَبْرَزُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ إِغْفَالُهُ هُوَ انْتِقَالُ بَارَاكْ مُبَاشَرَةً مِنْ بَيْرُوتَ إِلَى تَلَّ أَبِيبَ فِي خُطْوَةٍ غَيْرِ مَسْبُوقَةٍ. هَذِهِ لَعَلَّ أَللَّحْظَةُ الرَّمْزِيَّةُ الأَهَمُّ، وَإِنْ بَدَتْ بَسِيطَةً فِي الشَّكْلِ، إِلَّا أَنَّهَا تَحْمِلُ رَسَائِلَ عَمِيقَةً وَفِي طَيَّاتِهَا دَلَالَاتٍ تَتَجَاوَزُ مُجْمَلَ السِّتَاتِيكُو الَّذِي كَانَ قَائِمًا.
بَيْرُوتُ لَمْ تَعُدْ مَحَطَّةَ اسْتِمَاعٍ فَقَطْ، بَلْ أَصْبَحَتْ مَرْكَزًا لِاتِّخَاذِ الْقَرَارِ وَرَسْمِ التَّوَجُّهَاتِ. وَمَا تَمَّ تَثْبِيتُهُ فِي الْقُصُورِ الرَّسْمِيَّةِ اللُّبْنَانِيَّةِ هُوَ الآنَ جُزْءٌ مِنَ النِّقَاشِ الْمُبَاشِرِ مَعَ الإِسْرَائِيلِيِّينَ.
بِذَلِكَ، ارْتَقَى لُبْنَانُ وَمُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ لِيَكُونَ عَلَى الطَّاوِلَةِ لَاعِبًا أَسَاسِيًّا مُعْنِيًا بِمِلَفِّهِ وَفَاعِلًا فِيهِ وَفِي صِيَاغَةِ الْمُعَادِلَةِ الْمُقْبِلَةِ، لا مُجَرَّدَ مُتَلَقٍّ أَوْ تَابِعٍ.
وبِهَذَا الْمَعْنَى، لَمْ تَكُنْ زِيَارَةُ بَارَاكْ الرَّابِعَةُ مُجَرَّدَ مَحَطَّةٍ فِي رُوزْنَامَةِ الْمُوفَدِينَ الدُّوَلِيِّينَ إِلَى لُبْنَانَ، بَلْ بَدَايَةُ مَرْحَلَةٍ جَدِيدَةٍ يُعَادُ فِيهَا تَعْرِيفُ الْأَدْوَارِ وَالْخِيَارَاتِ.
مَرْحَلَةٌ تَنْتَقِلُ فِيهَا بَيْرُوتُ مِنْ مَوْقِعِ الدِّفَاعِ وَالتَّبْرِيرِ إِلَى مَوْقِعِ الْمُبَادَرَةِ وَالْفِعْلِ.
وَفِي هَذَا الْاِنْتِقَالِ، تُكْتَبُ صَفْحَةٌ جَدِيدَةٌ مِنْ تَارِيخِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ لُبْنَانَ وَالدَّوْلَةِ الْعُظْمَى، وَبَيْنَ لُبْنَانَ وَالْعَالَمِ الْعَرَبِيِّ، فِي انْتِظَارِ مَا لَا مَفَرَّ مِنْهُ، مِنْ ضَرُورَةِ اخْتِبَارِ إِسْرَائِيلَ فِي سَاحَةِ الْخُطُوَاتِ الْمُقْبِلَةِ.
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا