كوشنير يزور الخيام ويأمل التوصل إلى استقرار دائم بعد الحرب الأخيرة على لبنان

الرئيسية سياسة / Ecco Watan

الكاتب : المحرر السياسي
Sep 18 25|14:27PM :نشر بتاريخ

ايكو وطن- الجنوب- ادوار العشي

أعرب مؤسس منظمة "أطباء بلا حدود"، و"أطباء العالم"، وزير الخارجية الفرنسي الأسبق برنار كوشنير، عن أمله في التوصل الى استقرارٍ دائم بعد الحرب الاخيرة على لبنان وجنوبه، خلال زيارته لمدينة الخيام الحدودية التي استهدفها العدوان الإسرائيلي، كغيرها من قرى وبلدات الجنوب اللبناني، مشدّداً على أهمية الإستمرار في دعم المناطق المتضررة، وتعزيز العمل الإنساني كوسيلة لمواجهة تداعيات العدوان.

فعلى الرغْم التحديات المتواصلة، صمد الجنوبيون، أولئك الذين لا تزال قراهم وبيوتهم تحت أنقاض العدوان، ولا يزالون يواجهون الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة بثبات وإصرار، في انتظار خِطَّة وطنية فعالة، لإعادة الإعمار، ومساندة الأهالي في صمودهم على أرضهم.

جال مؤسس منظمة "أطباء بلا حدود"، و"أطباء العالم"، وزير الخارجية الفرنسي الأسبق برنار كوشنير، يرافقه رئيس "أطباء العالم" السابق باتريك إبراه على رأس وفد، على مراكز مؤسسة "عامل" في بلدتي الخيام وكفرحمام في منطقة العرقوب، وكان في استقبالهم، رئيس مؤسسة "عامل" الدولية، المنسق العام لـ"تجمع الهيئات الأهلية التطوعية في لبنان" الدكتور كامل مهنا، وفريق من مؤسسة "عامل"، وعاين الوزير كوشنير وصحبه، الخراب والدمار الذي حلّ ببلدة الخيام، واطلع على الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمرافق العامة، والبنى التحتية والمنازل، جراء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان وجنوبه. 

بداية الجولة، في النهار الجنوبي الطويل، إستهلها الوزير الفرنسي من مكان المنزل العائلي لرئيس "عامل" د. مهنا في وسط الخيام، الذي كان مؤلفاً من خمس طبقات، وقد سوته آلة الدمار الإسرائيلية بالأرض؛ الوزير كوشنير الذي هاله الدمار الحاصل، أبدى تأثره البالغ بما رأت عيناه، وصرح قائلاً: "لقد أتيت إلى الخيام برفقة البروفسور باتريك إيبرا، للوقوف إلى جانب صديقي الدكتور مهنا، وقد راعني ما شاهدت، بخاصة هذا المنزل الذي حللت فيه دائماً في كل زياراتي، لم يبقَ منه أثر، وكان يخفق بالحركة والنشاط، وأبوابه مفتوحة للجميع". 

أضاف: "بعد الحرب الأخيرة على الخيام، هالني منظر الخراب والركام فيها، وأناس كثر، رجال ونساء وأطفال، فقدوا حياتهم، ولكن إنها الحرب، التي أتمنى في يومٍ من الأيام أن تتوقف، وأن تعود الحياة إلى طبيعتها، فنبلسم الجراح للناس التي عانت وتأذت من هذه الحروب، مع صديقي الدكتور مهنا الشخص الإستثنائي، الذي يكافح منذ عشرات وعشرات السنين، وقد حمل همّ أبناء بلده، وأنشأ مؤسسة "عامل" الإنسانية، التي أوصلها بفضل جهوده المستمرة إلى العالمية؛ هذا الرجل الملهم أدرك باكراً هموم الناس وعذاباتهم، وحاجاتهم إلى خدمات هذه المؤسسة العريقة، الإنسانية والطبية، فقد كان بمثابة الرئة التي يتنفس من خلالها المتألمون، واصفًا مؤسسة "عامل"، بأنها "نموذج إنساني متقدّم، يجمع بين الفعل الإنساني والرؤية التحرّرية"، مضيفًا أن الدكتور مهنا، "لطالما كان قائدًا عمل على تحرير الإنسان من الداخل، ومنح الفعل الإجتماعي بعدًا تحويليًا، بعيدًا عن الاستعراض الإعلامي، أو الولاء السياسي".
وختم كوشنير كلامه مرددا مرتين لتحيا عامل.. Vive Amel.

كما تناول كوشنير، فكرة أن "عامل"، التي انطلقت في خضم الإجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1978، لم تكن يوماً جمعية تقليدية تكتفي بتقديم الخِدْمَات، إنما تمثل إنموذجاً حيّاً لنظرية تفاعلية، تؤمن بأن الإنسان يجب أن يكون شريكًا فاعلًاً في بناء مصيره ومجتمعه، من خلال ممارسات يومية تؤسس لمجتمع ديموقراطي، حر، ومتضامن.

من جهته، صرّح رئيس منظمة "أطباء العالم" البروفسور باتريك إبراه  Patrick Aeberhard، فقال: "هذه "عامل"، أنا أعرف حق المعرفة هذه المؤسسة وكيف تعمل، وأعرف العاملين فيها كيف يتفانون في عملهم بمستوى حرفي ومهني، لكن نرى كيف يكافأون، قصفاً وتدميراً شاملاً  بشكلٍ همجي، على ما يقومون به من خدمات، مؤكداً أن ما تقوم به مؤسسة "عامل"، هو رسالة صمود لبنانية، تعكس إرادة الحياة رغم الدمار، وأنها تجسّد المعنى الحقيقي للتضامن الإنساني".
من ثمّ، كانت جولة سيراً على الأقدام، تحت شمسٍ لاذعة، في شوارع البلدة وساحتها الرئيسة، وسوقها التجاري، الذي بدأ يعج بالحركة، وصولاً إلى مركز "عامل" الصحي - التنموي - الإجتماعي في الخيام، المؤلف من ثلاث طبقات، الذي نال نصيبه الوافر من الإعتداءات، وقد استطاعت المؤسسة بعد عناء، من إعادة ترميم الطبقة الأولى، ليعاود نشاطه ضمن الإمكانات المتاحة، في استقبال المرضى.  

الكثير من الخياميين ،الذين عادوا إلى بلدتهم بعد وقف إطلاق النار، إلتقوا بالوزير برنار كوشنير وحوله آثار الدمار، في الطريق، وفي الساحة العامة، وفي مركز "عامل"، ألقوا التحية عليه وقد ألفوه، بابتسامة عريضة، وهم يلهجون بالدعاء والثناء والشكر له ولنجله الكسندر، لمواقفه الشجاعة، فهو كان دائماً في الملمات في بلدة الخيام بعد كل عدوان، منذ التسعينيات، وعقب وقف الأعمال العدائية في آب من عام 2006، وفي الأعوام 2011، و2014، و2017، و2022، واليوم في 2025، يتفقد البلدة التي نكبتها الحرب الأخيرة، ليقف إلى جانب أهلها في الشدائد، برفقة ربيبه ورفيق دربه في النضال والعمل الإنساني الدكتور كامل مهنا، في علاقة صداقة وألفة مستمرة منذ 50 عاماً، من فرنسا، إلى مدغشقر، والجزائر، واليمن، إلى مخيم تل الزعتر والنبعة إبان الحرب الأهلية اللبنانية، حيث حوصر هو والدكتور مهنا في تل الزعتر، ولم يزل يحافظ على علاقاته بلبنان، فيزوره دوماً لاستطلاع اوضاعه وحال شعبه، في تعاطفٍ فريد من نوعه.

أمام تلك الحقائق، يجب تثمين الدعم والوقفة الشجاعة لبرنار كوشنير، هذا الناشط الفرنسي الإستثنائي الفذ، الذي شغل مناصب رفيعة في بلاده، وعلى مستوى الأمم المتحدة والقارة الأوروبية والعالم، وزيراً للصحة والعمل الإنساني في ثلاث حكومات فرنسية متعاقبة في عهد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، فوزيراً للشؤون الإجتماعية، ووزيراً للخارجية والشؤون الأوروبية في حكومة فيون اليمينية الوسطية، في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، ومفوضاً سامياً وممثلاً شخصياً للأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في البوسنة وكوسوفو.. هذا الرجل الكبير بإنسانيته، عبّر عن تضامنه مع الشعب اللبناني، ضد آلة الحرب الإسرائيلية المدمرة، فقام بعد وقف إطلاق النار عام 2006، بزيارة المناطق والقرى المنكوبة، بالأخص التي تركز عليها القصف المدمّر، كبلدة الخيام، التي بقي فيها على مدى ثلاثة أسابيع،إلى جانب أهلها الصامدين في ظروف قاسية، حيث لا ماء ولا كهرباء، وسط انتشار الغبار والإشعاعات، وانبعاث الروائح؛ لقد كان أول أجنبي ينزل إلى حفرة "اليورانيوم" المشعّ في الجلاحية، برفقة نجله الكسي، الشاب العشريني حينها، رغم ما يحمله ذلك من مخاطر على الصحة.

من جانبه، شرح كامل مهنا للوفد، عن حقيقة الوضع في جنوب لبنان وبلدة الخيام وما عانته، مشدداً على ضرورة دعم لبنان، مجدداً التأكيد على حرص المؤسسة، رغم ما أصابها، على تقديم المساعدات للمواطنين، عبر 40 مركزاً في عدد من المناطق اللبنانية، وست عيادات نقالة موزعة في كافة الأراضي اللبنانية، عبر برامج في الصحة والتعليم، وتمكين المرأة، وحماية الأطفال".

وأوضح مهنا: "خلال الحرب، إضطر أكثر من 60% من فريق عملنا إلى النزوح، وتضرّر 14 مركزاً من مراكزنا، من بينها مركز الخيام الذي تضرر للمرة الثالثة بشكلٍ كبير؛ مع ذلك، لم نتوقف.. أدّينا واجبنا الإنساني، ونهضنا مجددًا. وها هو مركز الخيام يُعاد ترميمه اليوم ليستقبل الناس من جديد.. ونسعى في المستقبل إلى بناء مركز كبير متطور ومجهز بأحدث المعدات، ليفي بالحاجة المطلوبة لأهلنا في الجنوب، بعدما حصلنا على الأرض التي قُدمت لنا بمثابة هبة من قبل أحد المواطنين الخيرين من أبناء الخيام، وسنقوم بزيارة الموقع لاحقاً، لإطلاع الوفد على ما ننوي القيام به".
ولفت مهنا إلى أن المؤسسة التي قدمت حتى الآن خدمات جمّة للمواطنين في مختلف المناطق اللبنانية، تشكل ضمانة لمواجهة الصعاب بمختلف الوسائل، لتستمر كمؤسسة مدنية غير طائفية ملتزمة بالمواطن ـ الإنسان، بمعزل عن الخيارات السياسية والثقافية. ولقد أشاد الوفد الزائر بدور عامل، كأنموذج للتغيير في لبنان والوطن العربي والعالم، حيث الإنسان هو المحرك والهدف.

وبعد جولة في مركز عامل في الخيام، وقياس ضغط الوزير كوشنير، الذي كان بهمة الشباب، 8/14، توجه رئيس عامل والوزير كوشنير والوفد المرافق إلى موقع الأرض التي ستبنى عليه المقر الجديد للمؤسسة، ومن هناك إنطلق الموكب إلى المركز الصحي الإجتماعي لـ"عامل في كفرحمام بمنطقة العرقوب، حيث اطلع كوشنير على الإنجازات التي تحققها المؤسسة، في إطار العمل مع الفئات الشعبية والنازحين السوريين على حد سواء، كما  في مختلف المناطق اللبنانية. 

وشرح مهنا للوفد عن اعمال المؤسسة بشكل عام، واشار الى وجود خمسة مراكز لعامل في منطقتي مرجعيون حاصبيا التي تمثل حالة لبنان العيش المشترك.
واطلع الوفد على سير العمل في مركز كفرحمام، مبديا الإعجاب بالتقنيات المتطورة والآلات الموجودة في المركز، التي تغطي اختصاصات عدة، كالعلاج الفيزيائي، وطب العيون، وطب الأطفال، والطب النسائي وأمراض القلب وغيرها، إلى جانب الأدوية والخدمات المتوفرة للناس والمنطقة، وتوزيع مساعدات غذائية وعينية، بالتوازي مع محاضرات التوعية والتثقيف.

وفي ختام الجولة الطويلة لكوشنير جنوباً، كانت إستراحة على ضفاف الحاصباني، وقد أفرحه منظر البط والأوز والسمك الحاصباني في النهر، واختتمت بصور تذكارية، وعقد حلقات الدبكة اللبنانية، التي شارك فيها كوشنير بكل غبطة وسرور.

 

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan