شاعرُ المنبرين يغادر… الزجلُ اللبنانيّ يودّعُ طليعَ حمدان

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : د. فاروق غانم خداج
Oct 25 25|22:42PM :نشر بتاريخ

في يومٍ حزينٍ غيّم على الساحةِ الثقافيةِ اللبنانية، غيّب الموتُ الشاعرَ الزجليَّ الكبير طليعَ نجيب حمدان عن عمرٍ ناهزَ الحاديةَ والثمانين، قضاهُ حاملاً رايةَ الكلمةِ الشعبيةِ الأصيلة، ومدافعًا عن التراثِ اللبنانيّ العريق. رحلَ الجسدُ، لكن إرثَهُ الشعريَّ ظلَّ شامخًا كأرزِ لبنان.

 

من عينِ عنوب… انطلقتِ القصيدة

 

وُلد طليع حمدان في التاسعِ عشرَ من كانون الثاني عام 1944 في قريةِ عين عنوب التابعةِ لقضاءِ عاليه في جبلِ لبنان. ووفقَ سجلاتِ النادي الثقافي في عين عنوب، نشأ في عائلةٍ محبّةٍ للأدبِ والشعر، وتلقّى تعليمَهُ في مدرسةِ القرية قبل التحاقه بالمراحل التعليمية الرسمية.

 

تأثّر حمدان بالبيئةِ الجبليةِ والتراثِ الشعبيِّ الغنيّ، فتشكّلت شخصيّتُهُ الفنيةُ في أحضانِ الطبيعةِ اللبنانيةِ وامتزجت كلماتُهُ بعبقِ الأرضِ والأصالة.

 

شاعرُ المنبرين… سيّدُ الساحةِ الشعبية

 

تميّز طليع حمدان بأسلوبٍ أدائيٍّ فريدٍ جمعَ بين الصوتِ الجبليّ المرهف والقدرةِ الفائقةِ على الارتجال، ممّا أكسبَهُ لقبَ شاعرِ المنبرين الذي لازمهُ طوالَ مسيرتهِ الفنية.

 

قال الشاعر زين شعيب في تصريحٍ للإذاعةِ اللبنانية عام 2015: "كان سيّدَ المنبرِ بلا منازع، يتمتّع بقدرةٍ فائقةٍ على التفاعلِ مع الجمهورِ وتحويلِ أيّ مناسبةٍ إلى مهرجانٍ شعريٍّ نابضٍ بالحياة".

 

معاركُ القوافي… وفرسانُ الكلمة

 

خاضَ طليع حمدان خلالَ مسيرتِه الطويلةِ عشراتِ المبارياتِ الزجليّةِ مع كبارِ شعراءِ لبنان، أبرزُهم زين شعيب، وزغلول الدامور، ومحمد المصطفى، وأسعد سعيد.

 

ووفقَ أرشيفِ مهرجان بيت الدين لعام 2003، قال حمدان في إحدى أمسياته: "نحنُ فرسانُ الكلمة، نتبارى بالشعرِ والأدب، وهدفُنا رفعةُ الثقافةِ اللبنانية".

 

وقد وثّقت الإذاعةُ اللبنانية العديدَ من تلكَ المطارحاتِ التي أصبحت جزءًا من الذاكرةِ الفنيةِ الوطنية.

 

جوقةُ الربيع… صونُ التراث

 

أسّس طليع حمدان جوقةَ الربيع في السبعينيات بعد توقف جوقات الزجل بسبب الحرب اللبنانية عام 1975. وضمّت الجوقة عددًا من شعراءِ الزجل المرموقين مثل خليل شحرور، أنطوان سعادة، نزيه صعب، وعادل خداج.

 

وقالت تقارير اتحاد الكتّاب اللبنانيين إنّ الجوقة كانت مشروعًا للحفاظِ على الزجلِ وتوريثِه للأجيالِ الشابة. وأكد الشاعر أنطوان سعادة في حديثٍ لتلفزيونِ لبنان عام 2018 أن طليع حمدان كان يؤمن بأنّ الزجلَ رسالةٌ وطنيةٌ وثقافيةٌ، وكرّس وقتَه لتعليمِ الشبابِ أصولَ هذا الفنّ الأصيل.

 

إرثٌ مكتوب… دواوينُ خالدة

 

أثرى طليع حمدان المكتبةَ اللبنانيةَ بعدّة دواوينَ أصبحت مراجعَ في الشعرِ الشعبيّ اللبناني، أبرزها:

 

"براعم ورد" (1990) – دار نوبيس

 

"جداول عطر" (1995) – المؤسسة العربية للدراسات

 

"ليل وقمر" (1999) – دار الفكر اللبناني

 

"انطريني أنا جايي" (2011) – اتحاد الكتّاب اللبنانيين

 

رسالةٌ وطنيةٌ جامعة

 

تميّز شعرُ طليع حمدان برسالةِ وحدةٍ وطنيةٍ عابرةٍ للطوائفِ والمناطق. وقال في حديثٍ لجريدةِ النهار عام 2006: "شعري للبنان كلّه، وأرفض تقسيم الثقافةِ على أساسٍ طائفيّ".

 

وقد جسّدَ هذا المبدأَ في قصائدِه الوطنيةِ التي تغنّت بلبنانَ الواحدِ المتنوّع، وعكست ضميرَ الناسِ فوقَ الانقسام.

 

تكريمٌ مستحق

 

نال طليع حمدان خلالَ مسيرتهِ عدّة تكريماتٍ رسميةٍ وثقافيةٍ موثّقة، منها:

 

وسام الأرز الوطني من رتبةِ فارس (2001) – بحسب سجلات رئاسة الجمهورية اللبنانية

 

درع تقديريّ من رئاسة مجلس الوزراء  (2002)

 

تكريم اتحاد الكتّاب اللبنانيين (2010)

 

درع مهرجان بعلبك الدولي (2015)

 

من منبرِ الصوت… إلى منبرِ الخلود

 

رحلَ طليع حمدان جسدًا، لكنَّ إرثَهُ الشعريَّ باقٍ في ذاكرةِ الناس. وجاء في بيانِ اتحاد الكتّاب اللبنانيين بعد وفاتِه أنّ: "الرحيلَ يطوي جسدًا، لكنّه يخلّدُ إرثًا أدبيًّا سيبقى ينبضُ في وجدانِ الأمة".

 

غادرَ شاعرُ المنبرين، وبقي صوتُهُ يتردّدُ في الساحاتِ والمهرجاناتِ، وفي الذاكرةِ الشعبيةِ التي تحفظُ للكلمةِ مجدَها.

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan