كتب البروفسور جاسم عجاقة في ايكو وطن :ازمة الاجور في القطاع العام ... هل يتم صرف موظفين ؟

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : البروفسور جاسم عجاقة
Jul 17 22|17:47PM :نشر بتاريخ

وجود الديموقراطية يعني أن الشعب ينتخب مجموعة صغيرة من الأفراد بهدف أن يحكموا لصالح الأغلبية، وبالتالي منحهم سلطة إدارة شؤونهم، هذا أقلّه ما تنصّ عليه المراجع الأكاديمية التي تتحدّث عن الديموقراطية. في السابق، كان الحكام يمارسون سلطة غير مقيدة "حياة أو موت" وكان هناك خضوع للمحارب الأقوى، لكن على مرّ السنين ومع إنتقال الصفات القيادية من القوّة الجسدية في ساحة المعركة إلى الكفاءة الإدارية والإقتصادية والسياسية والقضائية، تم استبدال الإكراه الذي كان السبب الأصلي للولاء بالإجماع. 
الخضوع لإرادة "القادة" المنتخبين، يفترض حكمًا الإنصاف والرحمة والقرارات المتخذة للصالح العام والمساواة في العدالة. هذا الأمر بالطبع لا نراه اليوم في حياتنا الديموقراطية في لبنان حيث تتعرض هذه الديمقراطية لتهديد وجودي فشلت معها الحكومات المُتعاقبة بشكل منتظم في العمل من أجل المصلحة العامة وعدّلت هدفها من الخدمة العامة إلى خدمة مصالح تطال أفراد أو مجموعات.
قولنا هذا نابع من مبدأ أن كل ما يحصل في لبنان على الصعيد الإقتصادي، ما كان ليحصل لو أن الحكومة أخذت عددًا مُعينًا من القرارات التي تُفضّل فيها المصلحة العامة على المصالح الخاصة. على مثال أزمة الخبز الحالية التي وبعلم الجميع، يتمّ تهريب الطحين وإحتكاره من أجل تحقيق أرباح على حساب المصلحة العامة. أيضًا سعر الدولار في السوق السوداء والذي يفوق سعر منصة صيرفة بعدة ألاف من الليرات، هو دليل أخر على تقاعس السلطة عن القيام بواجباتها تجاه المصلحة العامة. فإذا كانت منصة صيرفة تُعطي السوق أكثر من حاجته الإستيرادية، لماذا إذًا هناك فارق؟ وماذا نقول عن أموال المودعين حيث تنصّ الخطّة الحكومية على إقتطاع جزء منها عبر تحميلها ما أنفقته الحكومات المتعاقبة من مصاريف تراكمت على شكل ديون للقطاع المصرفي والتي ستنسحب حكمًا على الودائع؟ ألا تنص المصلحة العامة على المحافظة على كل قرش من هذه الأموال؟
كيف يُمكن للموظف في القطاع العام الذهاب إلى مكان عمله وهو لا يستطيع دفع أجر التنقل بين منزله ومكان عمله؟ وفي حال تأمن هذا النقل، كيف له أن يعمل في ظل عجز حكومي كامل عن تأمين المصارف التشغيلية في مرافقها العامة (الكهرباء والماء وكل الأمور التشغيلية الأخرى)؟ في الواقع الأزمة أصعب من إعادة الموظفين إلى مكان عملهم، الأزمة تتعلّق بقدرة الدولة على تأمين إطار تشغيلي للموظف لا يُمكن تأمينه إلا من خلال حلّ عام يطال الإطار الإقتصادي العام.
الواقع المعيشي للموظف في القطاع العام هو واقع أليم فرض تحرّك من قبل السلطة خصوصًا بعد الإضراب المفتوح لموظفي القطاع العام. بالطبع أي حلّ حكومي سيكون حل مؤقت ومحدود نظرًا لإنعدام القدرات المالية للدولة اللبنانية، وهو ما يعني التوجه إلى مصرف لبنان لدعم أي حلّ وبالتالي أي حلّ نقدي سيُترجم بتراجع قيمة الليرة مقابل الدولار الأميركي. والأصعب في القضية هو المُشكلة التي ستواجهها الحكومة اللبنانية والتي تتمثّل بعدد الموظفين في القطاع العام (ما بين 300 إلى 350 ألف موظف) والذي سيؤدّي حكمًا الى مواجهة مع صندوق النقد الدولي. فهذا الأخير يُطالب الدولة اللبنانية بتقليص حجم القطاع العام وهو ما يعني التخلّص من الكثير من الموظفين في هذا القطاع بإعتبار أن قسم كبير من هؤلاء – أي الموظفين – مُتعاقدون مع الدولة بشكلٍ مؤقّت على شكل مياومين أو متعاقدين بالساعة أو أشغال بالأمانة... وغيرها من العقود التي إستحضرتها القوى السياسة للتوظيف في القطاع العام. وبالتحديد هذه هي النقطة التي يعتمد عليها صندوق النقد في مفاوضاته مع الدولة اللبنانية، إذ كيف للدولة أن تزيد من أجور قطاع عام بهذا الحجم مع العلم أن قسم كبير منهم متعاقد بشكل مؤقت مع الدولة؟
بالطبع موقف السلطة السياسية هو موقف رافض في النظرة الأولى. فصرف الموظفين في القطاع العام (خصوصًا المؤقتين منهم) له تداعيات على القواعد الشعبية للقوى السياسية وبالتالي أي إجراء في هذا الإتجاه سيكون له ثمن سياسي كبير. من هذا المُنطلق نتوقّع أن يكون هناك مواجهة قوية بين الوفد المفاوض للحكومة اللبنانية والفريق المفاوض لصندوق النقد الدولي بخصوص هذه النقطة. في الواقع، قد يكون هناك سيناريو سريالي يتمّ العمل عليه وينص على إضعاف القدرة الشرائية للموظف في القطاع العام بهدف دفع العديد من الموظفين إلى ترك وظائفهم وهو ما يُشكّل عملية تصحيحية تلقائية تُشكّل مخرج للقوى السياسية في حال حصل هذا السيناريو.
على كل الأحوال، الأيام والأسابيع القادمة كفيلة بالرد على كل التساؤلات المطروحة وخصوصًا من ناحية مصدر تمويل الزيادة في الأجور والتي من الظاهر أن قرار زيادتها تمّ إتخاذه والبحث جارٍ فقط عن كيفية التمويل.

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan