كتب جاسم عجاقة في ايكو وطن :شخصية رئيس الجمهورية المقبل وبرنامجه الاقتصادي عوامل جوهرية في المرحلة الجديدة

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : البروفسور جاسم عجاقة
Jul 27 22|05:59AM :نشر بتاريخ

في الأول من أيلول المُقبل، يتحوّل المجلس النيابي إلى هيئة إنتخابية وذلك بهدف إنتخاب رئيسٍ للجمهورية. المُعطيات المتوافرة حاليًا تُشير إلى أن هناك صعوبة في التوصّل إلى إنتخاب رئيس نظرًا إلى عنصر التعطيل الذي مارسته القوى السياسية على مدى السنين الطويلة وأصبحت تُتقن خفاياه. سبب التعطيل نابع بالدرجة الأولى من غياب تطبيق كامل للنظام الديموقراطي وخصوصًا الشق المُتعلّق بمسؤولية الناخب (أي النائب) والذي من المفروض عليه الإنصياع إلى قواعد اللعبة الديموقراطية.

وهنا لا بد لنا من التذكير أنه في الدول الديموقراطية، يتمّ إختيار رئيس الجمهورية بناءً على برنامج إنتخابي عادة ما يكون الشق الإقتصادي والإجتماعي هو العامل الجوهري في عملية الإنتخاب، لما لهذا الشق من تأثير على الحياة اليومية للمواطن. أمّا في لبنان، الذي يتمتّع بنظام ديموقراطي، يبقى الشق الإقتصادي والإجتماعي ثانويا أمام الشق السياسي في بلد تلعب فيه الإنقسامات دورًا جوهريًا في الحياة اليومية سواء على الصعيد الأمني، السياسي، الإقتصادي، الإجتماعي... أو غيرها. الفارق الجوهري بين لبنان وباقي الدول الديموقراطية المتطورة يبقى في أن هذه الأخيرة هي دول ثابتة سياسيًا وأمنيًا وهو ما يجعل الشق الإقتصادي والإجتماعي في هذه الدول يحتل مركز الصدارة في العمليات الإنتخابية سواء رئاسية أو برلمانية أو محلّية. لكن الواقع اللبناني غير الثابت سياسيًا وأمنيًا يجعل لبنان يتخبّط أزماته في ظل إنقسام حاد في النسيج الإجتماعي للبنان وهو ما يجعل المعايير الإنتمائية والسياسية للمرشح الرئاسي العامل الأول في إختيار رئيس الجمهورية. هذا الواقع يجعل الإستحقاق الرئاسي في لبنان عرضة للتدويل خلافًا لما يجب أن يكون عليه الأمر حيث أن رئيس الجمهورية وبحسب الدستور «هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور، والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، وفقاً لأحكام الدستور» (المادة 49).

إذًا، السؤال الجوهري الذي يُطرح : هل من دور لرئيس الجمهورية في تعزيز الإقتصاد ونموه أو بتعبير أخر، ما هي مساهمة رئيس الجمهورية في تعزيز الإقتصاد ونموه خصوصًا أن الطائف أناط بالحكومة اللبنانية مُجتمعة مهمة وضع السياسات الاقتصادية؟

تتربّع هوية المرشّح الرئاسي السياسية على باقي المعايير الأخرى بتجاهل كامل للبرنامج الإقتصادي لهذا المرشح. وقد يقول البعض وهذا حق، أن لا صلاحيات للرئيس في ظل دستور الطائف الذي حرمه من العديد منها تمنع عنه تنفيذ برنامجه بالكامل خصوصًا أن رئيس الجمهورية وبحسب دستور ما قبل الطائف (المادة 18) كان يحق له إقتراح القوانين وهو ما فقده مع دستور الطائف.

أضف إلى ذلك أن رئيس الجمهورية كان يتمتّع بسلطة على السلطة التشريعية نذكر منها حلّ المجلس النيابي، والطابع النافذ للقوانين التي يُقرّها مجلس النواب، ولكن أيضًا على السلطة التنفيذية حيث فقد رئيس الجمهورية العديد من صلاحياته لحساب مجلس الوزراء والذي أصبح المرور به إلزامياً في الإتفاقيات الدولية، ومراسيم مقررات مجلس الوزراء والعلاقة مع مجلس النواب والتعيينات الإدارية وغيرها.

فقدان صلاحيات رئيس الجمهورية تجعل القارئ يظنّ أن رئيس الجمهورية اللبنانية هو لاعب غير أساسي في تنفيذ السياسة الاقتصادية في لبنان. لكن الواقع هو غير ذلك إطلاقًا، فالبعد البنيوي لصلاحيات رئيس الجمهورية تجّعله عنصر جوهري في مؤسسات الدولة ونظامها التشغيلي خصوصًا مع الإنقسامات الحادّة التي تنخر الجسد اللبناني والتي تجعل من الأفرقاء السياسيين أطرافاً في الملفات، كلٌ في جهة. وبالتالي، وفي ظل غياب رئيس للجمهورية، لا يُمكن إيجاد حَكَمْ في هذه العملية، وأكبر شاهد على أهمّية هذا الدور الخلافات التي نشبت بين أعضاء الحكومة (الوزراء – الرؤساء) خلال الفراغ الرئاسي في السنين الماضية.

من وجهة نظر إقتصادية بحتة، الدور الإقتصادي الأول الذي يُمكن لرئيس الجمهورية تأديته في ظل دستور الطائف هو دور المؤثر والمفاوض والمُسهّل للسياسات الإقتصادية. فرئيس الجمهورية صاحب شخصية دبلوماسية وكاريزما، يُمكنه التعاطي مع كل الأفرقاء بغضّ النظر عن الإنقسامات السياسية، ويُمكنه فرض سياسة إقتصادية توافقية على كافة الأطراف، خصوصاً إذا كانت طروحاته مُميزة بالنسبة لِما نشهده حالياً من طروحات تقعّ في خانة "الترقيع" أكثر منها في خانة "البناء الصلب".

أضف إلى ذلك ومع الوضع المذري الذي وصل له الإقتصاد والمالية العامة والنقد ونفاذ كل الحلول الداخلية، تأتي العلاقات الشخصية لرئيس الجمهورية مع الدول الإقليمية والغربية، لتُعطي دفعًا كبيرًا للعلاقات الإقتصادية بين لبنان وهذه الدول، وخصوصاً على صعيد الإستثمارات التي هي أكثر ما يحتاجه لبنان.

لبنان اليوم بحاجة إلى رئيس له علاقات مُميزة مع الولايات المُتحدة الأميركية أكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم، وعلاقات ودية مع أوروبا لِما لها من تأثير إيجابي على التطور الاجتماعي والإقتصادي في لبنان، وعلاقات أخوية مع الدول الخليجية لإعادة استثماراتها إلى لبنان وعودة السيّاح الخليجيين إلى بلدهم الثاني لبنان، وعلاقات حسن جوار مع سوريا وتركيا وإيران وزيادة التعاون التجاري معهم. نعم هذا الدور هو الدور المطلوب اليوم من رئيس الجمهورية اللبنانية، والذي يُمكن اعتباره عاملاً أساسياً في الإختيار بين المرشحين بدلاً من انتظار الأجندات الخارجية وإملاءاتها

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan