كتب حبيب شلوق في ايكو وطن: حَرِد الرئيس فتركني في مطار عسكري ... ورحل

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : حبيب شلوق
Mar 28 24|21:27PM :نشر بتاريخ

تردّدت كثيراً في كتابة هذا المقال، نزولاً عند تمني بعض الأصدقاء، ولكن لئلا "تزعل" الحقيقة ويفرح الباطل ، قرّرت الكتابة.
فكــاتب هذه السطور رافق البطريرك مار نصرالله صفير في زيارته للبرازيل أوائل عام 1997 ، وكنا مجموعة صغيرة جداً من الصحافيين والإعلاميين، وكان بيننا إعلامي معروف توجّه إلى بكركي وقال للبطريرك "أن الزيارة مهمة وتتوجب علينا مواكبتها"، فبادره البطريرك بضحكة صفراوية بعدما لاحظ أنه يعلق يده المكسورة برقبته:" شو كاسرا ورايح؟!".
لم يكن شيء ينطلي على البطريرك التاريخي، وهو كان يدرك أن "صاحبنا"  ليس مضطرا" لكي يروح الى البرازيل (اربع عشرة ساعة طيران ) ويده معلّقة برقبته. وتوقعه حصل.  وقطف هذا الإعلامي في السفرة  كل ما يريد وحمل معه حقائب كبيرة من عناقيد العنب والأشجار المصنوعة بأحجار كريمة، وعرضها للبيع في محل له.
كذلك "لم تقصّر" شقيقة أحد الأساقفة.  
والصديق جبران تويني زار البرازيل مع ابن عمه بسام تويني بعد زيارة البطريرك وتمنى عليه مَن التقاهم أن يكون حبيب شلوق مواكباً لرئيس الجمهورية الياس الهراوي في زيارته المرتقبة للبرازيل، وأجرى اتصالات مع القصر الجمهوري وتقرّر منعاً للإحراج أن أسافر إلى البرازيل منفرداً والتقيهم في برازيليا المحطة الأولى للزيارة، ومن هناك أتابع الرحلة معهم. 
وقبل يومين من موعد الزيارة (الثاني أيلول 1997) كنت في البرازيل عند أصدقائي . وقد حمّلني جبران  مجموعات  صور له مع عدد منهم ووعدهم أن يرسل الصور معي، وهكذا كان. واستقبلني الأصدقاء  في المطار، لدى وصولي إلى سان باولو يوم السبت قبل يومين من وصول الهراوي.

ويوم الأحد، كتبت الرسالة الأولى ــ من منطلق صحافي بحت ــ  وتضمّنت برنامج الزيارة  وفيه رحلتان  سياحيتان، ونشرت الرسالة في "النهار" صباح الإثنين، وقرأها الرئيس الهراوي على الطائرة، وبعدها بدقائق  أدلى الوزير وليد جنبلاط  بتصريح قال فيه: " الهراوي رايح يرقص سامبا بالبرازيل!"
وطار عقل الهراوي !
وما زاد الطين بلة صدور "النهار" يوم الأربعاء وفي مقالي أن سوء تفاهم بروتوكولياً جعل الرئيس الياس الهراوي يتأخر عن موعده مع الرئيس البرازيلي هنريكي كاردوسو مما اضطر الأخير إلى صف نحو أحد عشر وزيراً معه نحو ساعة في باحة القصر الجمهوري منتظرين الرئيس اللبناني ، واستغلّيت المناسبة للحديث مع كاردوسو الذي زرته مع البطريرك صفير وتذكّرني. علماً أن وفد الهراوي ضم ما لا يقل عن خمسة وستين شخصاً بينهم نحو أحد وزيراً ، ونواباً والعيلة من بكرة أبيها والأصدقاء والحاشية.
ولم أتوقّع حتى اللحظة الأخيرة أن يحصل ما حصل، إذ عشية مغادرة برازيليا، طلب مني مرافقو الهراوي أبن زحلة، بقيادة قائد الحرس الجمهوري إبن زحلة، أن تكون حقائبي صباحاً عند "الكونسييرج"، وهذا ما فعلته، وتوجهت إلى المطار يرافقني أصدقائي ومنهم إبن وادي شحرور كمال الغزال وشربل حداد وساسين شحود وكثر غيرهم، وهم الذين رأوني انزل من الطائرة الرئاسية، ووافوني إلى الصالون.
أحد الضباط "المأمورين" ، أبلغني وأنا في الطائرة، أن حقائبي لا تزال في الفندق ( "نعوم بلازا") وصاحبه من طرابلس، إلا أن "القيادة العليا" حذفت إسمي، فكانت ردة فعل أصدقائي أن تكفـّـلوا كل شيء من الإقامة في  "نعوم بلازا " إلى بطاقة السفر إلى سان باولو واستقبالي في المطار وحجز غرفة لي وغرفتين لعدد من الأصدقاء ليكونوا على مقربة مني . 
ومنذ وصولي إلى "فندق المقصود" وصاحبه لبناني الأصل أيضاً، فاجأني أحد الضباط بالقول"القصة كبيرة وما بيحلّها إلاّ غِسـّان يحكي مع فخامتو" ويقصد الإستاذ والمفكر والفيلسوف غسان تويني،  و"فخامته"  يعني شارل ديغول لبنان. المهم إنه أهم من غِســّان"!
في تلك الرحلة قـُتلت مرتين، الأولى عندما أنزلني الرئيس من الطائرة ــ ولم يصفعني كما صفع صحافياً كبيراً، علماً أنني لا أعرف ما ستكون ردة فعلي وطبعاً  لن تكون كما ردة ذلك الزميل ــ والثانية لما وصف ذلك الضابط معلمنا كلنا الصحافي والمفكر والفيلسوف غسان تويني بأنه "غِسـّان" . 
في كل الأحوال تمت تسوية القضية (إنما ليس من "غِسـّان") ورافقت الوفد الرئاسي في كل الجولة مروراً بمكتب الزحلاوي الآخر باولو معلوف الذي زاره وحده مع زوجته منى لنحو ربع ساعة وانتظرنا في الخارج، وتحدثوا خلالها عن "أزمة الشرق الأوسط".
في "فوز دي إيغواسو"  وشلالاتها الشهيرة المحطة قبل الأخيرة من الزيارة، قبعت في غرفتي ولم أرد على كل الإتصالات ،  وبعد قطع الأمل غادر الرئيس ووفده إلى فورتاليزا التي يتولى حاكميتها  الزحلاوي طاسو جريصاتي، وأنا توجهت مع الشباب إلى الباراغواي حيث تغدينا إلى مائدة  الشقيقين اللبنانيين عاطف ومحمد مناع ثم  عدنا إلى  سان باولو ومنها بعد أيام إلى لبنان. 
يبقى أن أذكر مَن  تعاطف معي خلال "المحنة" من الوفد الرئاسي: السيدة الراقية جداً منى الهراوي ، الوزيران فارس بويز ومحسن دلول ، الزميلان الصديقان مي كحالة ورفيق شلالا،  عديل  الهراوي خطار حدثي، العقيد جان أوغاسابيان والملازمان أولان  أندريه حروق وقصب. 
أما شاهيه برصوميان فربما لم يعرف ما حصل بسبب صعوبة اللغة العربية عليه، والأمير طلال أرسلان الذي كان صغيراً .
المهم تركتني "الميدل إيست" التي يُفترض أن أكون كلبناني أحد مالكيها، في مطار عسكري يملأه الطيران الحربي ورحلت.
لكنني لحقت بهم بعد ساعة وربع الساعة.
جميلة المغامرات الصحافية، وذكرياتها مؤلمة لكن النجاح فيها أجمل بكثير.
أنا لم أحقد وأجريت لاحقاً حديثاً طويلاً مع الرئيس الهراوي بطلب من الأستاذ غسان تويني وكان لقائي به ممتعاً... انما لا أنسى الحادث، كذلك لن أنسى المتعاطفين معي.

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan