خاص إيكو وطن: المسرح اللبناني يصعد الى الاحترافيّة  مع مسرحية "قندلفت يصعد الى السماء"

الرئيسية مقالات / Ecco Watan

الكاتب : طوني طراد
Apr 11 24|11:02AM :نشر بتاريخ

بعد 45 سنة على تمثيلها في مسرح SIT - IN طبرجا - كسروان، عاد مسرح مونو ليعرض مسرحية "قندلفت يصعد الى السماء" للكاتب والمخرج والممثل ريمون جبارة، بحُلّة إخراجية جديدة ابتدَعها المخرج والممثل الأستاذ رفعت طربيه مع باقة من الممثلين المحترفين، هم: يارا زخّور (لوسيّا)، طوني فرح (فانسان)، وسام بتدّيني (منصور)، محمد حْجيج (القندلفت). وكانت الأستاذة أنطوانيت الحلو مُخرجاً مساعداً له، كما وَصفها طربيه في نهاية المسرحية.  
وبما أنّ نصّ هذه المسرحية "من أصعَب نصوص ريمون جبارة وألَذّها"، كما قال الممثّل طوني فرح، كان لا بدّ من قراءته بتمَعّن لفَهم ماورائيّاته، والقيام  بالتمارين المطلوبة بُغية أداء مشاهده بطريقة تُشَرّف كاتبه و"تُعطيه حَقّه" في الريادة  والتَمَيّز... 
منذ ثلاثة أشهر بدأت التمارين في معهد الفنون الجميلة - بدارو، وكان الممثلون يتمرّنون أحياناً في منزل المخرج رفعت طربيه، و"في آخر أسبوعَين قبل عَرض المسرحية كنّا نتمرّن 5 ساعات يومياً على مسرح مونو الكبير"، كما صَرّح الممثل وسام بتدّيني. ما أثمَرَ عملاً ناجحاً بمختلف المقاييس، فالممثلون كانوا محترفين لأنهم تَناغَموا مع نصائح المخرج التي كان يُبديها على كل مشهد أو حركة أو التفاتة... 
وحيث أنّ "أداء المسرحية صعب جداً"، كما صرّح الأستاذ رفعت طربيه، "فقد كان هَمّي، كمُخرج، أن أبرز كل الأدوار بحقيقتها، بعد أن عرفتُ قُدرات الممثلين". 
وبما انّ "المسرح هو فَنّ الممثل، وإذا كان لديك ممثّل جيّد فهذا يعني أنّ لديك مسرحاً جيداً"، كما قال الأستاذ طربيه، فلقد نجح المخرج في رهانه على هذه النخبة من الممثلين، فكان محمّد حجيج - القندلفت يَتنقل على خشبة المسرح بحريّة، ويَتلوّى جسده بطواعيّة حينما يرقص على أنغام الموسيقى ويَتطاير شَعره عن كتفيه، يَخفت صوته ثم يرتفع بطريقة تتناسَب مع جُمَلِه التي يؤدّيها من دون أن يتلعثَم، مثلما فعلَ عندما أدّى جُملة: آه دَيدَمونا... يا قاسية كرمال الصحراء... وقال إنه أدّى هذه الشخصيّة بطريقة "عَصرية" تتآلفُ مع شَبابه، ولم "يُقلّد رفعت طربيه كما مَثّلها منذ 45 سنة".      
أمّا طوني فرح - فانسان فساعَدته خبرته كممثّل مسرحي منذ 10 سنوات على أن يَنتقِل بسرعة لافتة من حالة الغضَب (عندما يضرب منصور) الى حالة الغِبطة... ويُقلّد مُختلف الشخصيّات: دون جوان لكي تَنغَرِم به الصبايا، أرستقراطي بمِنخارٍ طويل، "سعدان" يُدخل البَهجة الى قلب لوسيّا بقَفزاته وهَمهَماته على خشبة المسرح...  
وبَرعَت يارا زخّور - لوسيّا في مَزجها عدّة شخصيات ضمن المشهد الواحد، كحوارها مع القندلفت والتطرّق الى قصّة والدها، والبكاء وراء نعش أبيها والرّقص على موسيقى "يا طَير الطّاير قِلّو"، والرومنسيّة الحالمة بعدما قبّلها فانسان ومنصور لتسقط على الأرض بعد أن "تَرتَخي"...  
أمّا وسام بتدّيني - منصور فكان مُنسجماً مع أوامر فانسان الى درجة الانسِحاق أمامه، وتمَيّز بأداء عدة لَمحات ضمن المشهد الواحد، منها: روميو، "المَحشور" الذي يريد أن يدخل الحمّام كي يفعل "حِزِّك مِزِّك"، المُكرسَح بعد أن قتلَ القندلفت... وإنّ تمَيّزه في لمَحاتِه الفنيّة هذه دَفعَه الى القول: "لم أسأل كيف أدّى الممثل منير معاصري دور منصور منذ 45 سنة، وجَرّبتُ أن أخلقَه مثلما تَصَوّرته، بعد ان "اشتغلتُ" كثيراً على النص مع المخرج ومع زملائي الممثلين، وخصوصاً طوني فرح".  
وإذا كانت فكرة الذِلّ على رأس الهَرَم في معظم مسرحيّات ريمون جبارة، فإنّه كَثّفها ككاتِب في الدَور الذي يؤدّيه منصور، الذي لا يعرف أحداً في حياته سوى فنسان... ولقد تبيّن من خلال مَشاهِد هذه المسرحية أنّ فانسان لا يتحَكّم فقط بقرارات منصور، بل يتحكّم أيضاً بأحلامه... وتبيّن أيضاً انّ كل شخصيّة لم تستطِع أن تَتخَطّى ماضيها أو تَنسَلخ عنه، فهي ما زالت تَهجس به وتُخبر رفاقها عنه... 
إنّ العروضات اليومية لهذه المسرحية منذ 30 آذار وحتى 7 نيسان الساعة 8,30 مساء في مسرح مونو، عَرّفت الجيل الجديد كما القديم الى ريمون جبارة الكاتب العَبثِي الذي لا يتوَرّع عن انتقاد السلطات السياسية والدينيّة والاجتماعية. وبما انه كان يقول لرفعت طربيه انّ "الجِنّاز الماروني هُو قِرّادي"، ما يعني أنّ كلماته زَجَل مَوزون لكنها لا تحتوي على الشِّعرية... وكان ريمون "مْقَبّعَه مَعو" من هذا الجنّاز الذي يُدرِك أنهم سوف "يـِلزْقُوه يَاه" بعد أن يموت، وانه لا مَهرَب له منه... أضاف المخرج "زيّاح الموتى" على الطقس الماروني الى هذه المسرحية، وأهداه الى ريمون تحيّة لتهَكّمه الدائم عليه. فمشى القندلفت أمام النعش الذي حَمله فانسان ومنصور، ومَشت لوسيّا وراءهم وهي تبكي، وأخذوا يُردّدون:  
نَفحات العِطر العَذبِ / عَن أرواح مَوتانا 
تَرجو مِنكَ يا رَبّي / عَنهم رُضْوانا 
لم يُغَيّر المخرج شيئاً في هذين البيتين، لكنّه أضاف إليهما كلمات سُخرية على والد لوسيّا المَيت، هي:  
لوسِيّا فَطَس بَيّا 
فطَس بَيّا لـ لوسيّا 
لوسيّا فَطَس بَيّا
مات وشِبِع مَوت 
صَرخِت لوسيّا بَيّي مات 
رَدّو عليها بالحارَه 
خِلصو الزّيتات 
دَخَل عَتمه 
يا حَسرَه عليه مَلّا خْسارَه 
وإذا كانت شهرة ريمون جبارة قد جَعلته يقتبس نَصّ هذه المسرحية عن نَص الكاتب العالمي أرابال، إلّا أنه يختلف عنه كثيراً لأنه سياسيّ بامتياز، وأفكاره ليست واضحة بل يجب التعمّق في معانيها، و"العَبثيّة في هذا النص"، كما يقول المخرج رفعت طربيه، "جَعلت ريمون جبارة كاتباً عالمياً لا يقلّ احترافاً عن أرابال، لأنّه في هذا الاقتباس وَضعَ "وِزكَاً" لـ أرابال الأساسي"...  
فحبّذا لو تُعرض مسرحيات هذا الكاتب جميعها (13 مسرحية) على خشبات المَسارح في لبنان والخارج، ولا يكتفي القيّمون على هذا المشروع بعرض 4 مسرحيات له فقط، لأنّ الجيل الجديد مُتشَوّق للتعرّف الى نِتاج هذا الفنّان اللبناني الذي لا يقلّ روعة عن نتاجات فنّاني العرب والغرب، إن لم يَكن قد تخطّاها...

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan