كتب الخبير في المخاطر المصرفية د.محمد فحيلي في ايكو وطن :إذا توفرت الإرادة، نعم الودائع والليرة بخير . . .

الرئيسية اقتصاد / Ecco Watan

الكاتب : الدكتور محمد فحيلي
Oct 20 22|08:22AM :نشر بتاريخ


الودائع والليرة بخير! قالها  حاكم مصرف لبنان ولكنه سقط سهوا عطف هذه البشارة على توفر الإرادة عند المصرفي.
 
ان  جميع مكونات السلطة السياسية الحاكمة تُظهر الحرص على أموال المودعين اليوم، ولكن لا أحد يُظهر درجة الحرص هذه على الإقتصاد في لبنان. وإذا تَمَعنت بالأمر ترى بأنه مازال وضع ومصير أموال المودعين على ما كان عليه في بداية الأزمة ويتجه فقط نحو المزيد من التدهور، والإقتصاد اللبناني في حالة إختناق مستمر! وهذا أمر طبيعي لأن مصير الودائع في المصارف التجارية في لبنان مرتبط بمصير الإقتصاد اللبناني وأي محاولة للفصل بينهما لايخدم إلا المزيد من الإختناق في القطاع المالي.
 ولكن ما هي الودائع؟  هي أصول للمواطنين اللبنانيين وفَقَدت الكثير من قيمتها بسبب الأزمة الإقتصادية المتعددة الأوجه: 
· الإفراط المتعمد في الإستدانة من قبل الحكومات المتعاقبة وعلى مدى سنوات عديدة 
· الإفراط في تمويل العجز في الموازنة العامة والدين العام من المصارف (أي أموال المودعين) من دون تقييم موضوعي لمخاطر هذه التوظيفات. هذه أخطاء إرتكتبتها المصارف التجارية ومصرف لبنان. 
· التعثر غير المنظم في آذار من سنة 2020  والتعثر في خدمة الدين العام كان ضمن توقعات كل المراقبين وبشر بحتمية حصوله الوزير علي حسن خليل في سنة ال 2019 ولكن لا أحد توقع أن يكون التعثر غير منظم - أي توقف مفاجىء عن خدمة الدين من دون أي خطة لإعادة جدولته وهيكلته بما يتناغم مع إمكانيات الدولة على سداد إلتزاماتها مع المحافظة على تمويل الإستمرار بتقديم الخدمات الأساسية للمواطن اللبناني.  
· تفاقم الأمور بسبب سوء إدارة الأزمة الذي أنتج فائضا من الضبابية في الإقتصاد ومساحة واسعة للمضاربين والمحتكرين وكان لذلك تداعيات على سعر الصرف.
· حلول  جائحة كورونا ضيفا غير مرحب به على الكيان اللبناني وليس بسبب تداعياتها على الصحة بل بسبب تداعياتها على الإقتصاد. 
· الدعم العشوائي للإستيراد عوضا عن تقديم الدعم للصناعة الوطنية وتعزيز الإعتماد على المنتجات المحلية للإستهلاك، ودعم الصادرات  
. اللجوء إلى تعاميم إجرائية ولإدارة ظروف إستثنائية من قبل مصرف لبنان لإدارة أزمة إقتصادية على حجم الوطن. ولن تكن سياسة الترقيع هذه إلا للإبتعاد عن القرارت التصحيحية التي توصل الوطن والمواطن إلى بر الأمان. 
· وأخيرا، حل هجوم روسيا على أوكرانيا وتداعياته الإقتصادية زائرا شيطانا.
 رغم كل هذا هناك حلول تساعد في إستعادة الكثير من قيمة هذه الأصول (ودائع الناس). ويجب الإشارة هنا إلى أن لا صلة ولا ترابط بين:
أ‌- إستعادة قيمة الودائع (الكلام الموضوعي في الإقتصاد). كل واحد منا يريد أن يفعل ما يشاء (أو ما يحتاج إليه) بوديعته، ولا يريد وديعته بأوراق نقدية في منزله؛ ولذلك يجب إيجاد طرق لتسهيل وصول المودع إلى هذا الجزء من وديعته الذي يساعده ويكون كافياً لتسديد فاتورة الإستهلاك بكل تشعباتها. قد يكون من الصعب اليوم تأمين "ما يشاء" المودع، ولكن ليس بالمستحيل تأمين "ما يحتاجه" المودع. تأمين السيولة بالحسابات المصرفية (عبر بطاقات الدفع أو بطاقات الإئتمان) بالليرة اللبنانية، وبالعملة الأجنبية عند الحاجة فقط. هذا الإجراء ليس بالحل الكامل، ولكنه ممكن وضروري لمنع الإختناق الإقتصادي. وإذا حصل ذلك، سوف نلاحظ إرتفاعا تدريجيا بالقيمة الإقتصادية لهذه الأصول (أي الودائع) لأن قدرتك على الوصول إليها تحسنت. وإعادة النظر في هيكلة تعاميم مصرف لبنان كافية للوصول إلى هذه الغاية ولسنا بحاجة إلى قوانين تصدر عن السلطة التشريعية.
ب‌- استعادة الودائع (الكلام الشعبوي الفارغ، وهو في السياسة فقط). المودع هو ناخب، الإقتصاد ليس بناخب وهذا هو السبب وراء إهتمام رجال السياسة المزيف والفاقدين للحس الإقتصادي ومصلحة الوطن بالمودع. الودائع في الخزائن الحديدية في المنازل تؤذي صاحبها والإقتصاد لأنها وجدت - الودائع - للإستثمار في الإقتصاد المحلي ...فلماذا وجدت ؟
-  وجدت لتأمين فرص عمل للمواطن اللبناني (الودائع تؤمن السيولة الضرورية للإنفاق الإستثماري).
-  وجدت لتأمين السيولة لتسديد فاتورة إستهلاك ضرورية لمن يعاني من العجز (تمويل شراء سيارة، منزل، دفع أقساط جامعية، ...) 
- وجدت لتفتح فرص لصاحبها للإستفاده من العديد من الخدمات المصرفية التي تُحَسن من مستوى معيشته. وهناك الكثير من الخدمات المصرفية التي سهلت حياتنا، أفراد ومؤسسات، عبر السنوات الماضية. 


 لا تدع سنوات الأزمة وحدتها وفساد السياسين وأخطاء المصرفين تُفسد نظرتك للدولة والمصارف والإقتصاد والوطن. ان إصلاح الأمور يتطلب جهداً كبيراً من كل واحد منا، ويجب التوقف عن التفكير بالمشاكل والشروع إلى إنتاج ما إستطعنا من حلول - حول همومك إلى إهتماماتك! 
 مسيرة ترميم الثقة يبدأ بالمصارحة والصراحة . . . 
فالجزء الأساسي من مسيرة الإصلاح في القطاع المصرفي اللبناني هو إطلاقها بذهنية تصحيحية إصلاحية والإعتراف بالذنب وتحديد نوع الأخطاء وطبيعتها ومن أخطأ:
·  هناك من أخطأ بعدم دراسة ملف التسليفات بالجدية والشفافية والموضوعية المطلوبة
·  هناك من أخطأ بتوظيف أموال المودعين
·  هناك من أخطأ بتقييم المخاطر وإكتفى بما طُلِب منه من قِبَل مصرف لبنان
·  هناك من أخطأ بتقييم السيولة ومخاطرها وخصوصاً لتسهيل الإفراط بالتوظيفات
·  هناك من فشل بممارسة دوره الرقابي بمهنية كشركات التدقيق المحاسبي (External Audit Firms)
 . هناك ... من علم بالمخاطر وغض النظر عنها، إلخ!
 
وقد تتفاجأ إذ أقول لك بأن بعض رؤساء مجالس إدارة وبعض المدراء العاميين  إعتمدوا وإتكلوا على مهنية ومناقبية مدرائهم  ووافقوا على إقتراحاتهم من دون الخوض بالتفاصيل والأسباب الموجبة والجدوى الإقتصادية منها والأسباب قد تكون:
-   مملة لهم 
-   أو تظهر بعض الثغرات في معرفتهم لبعض التقنيات في العمل المصرفي 
-   أو فقط التقدم في العمر (وهذه حال معظم رؤساء مجالس الإدارة خلال سنوات الرخاء)  مما دفعهم إلى خيار عدم الخوض بالتفاصيل.
اليوم الكل واع  لنوع  وحجم المشكلة والخطأ. وفي النقاشات الجدية والداخلية، الكل يعلم ما هو الخطأ ومن أخطأ ومن ساعد على إرتكاب الأخطاء. ما أدعو إليه هو المباشرة بالمحاسبة، والوقت ليس لصالح "المصرف"! وهنا يجب تحديد وبموضوعية وشفافية إذا كانت الأخطاء هي آتية من رحم فشل و/أو ضعف في الأداء؛ أو الدافع كان الإختلاس والسرقة. وكل مصرف عنده ما يكفي من المعطيات لإتمام هذه المهمة (تقييم الذات) بمهنية وعدالة. وأنتم أمام خيارين: أن يفرض عليكم الحل تحت عنوان الإصلاح، أو أن تبادر وتباشر وتستبشر بالخير!

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan