أهالي المتن الأعلى والجبل يودّعون الرجل المعطاء عصام مكارم

الرئيسية سياسة / Ecco Watan

الكاتب : المحرر السياسي
Jul 20 24|20:55PM :نشر بتاريخ

ايكو وطن - نسيب زين الدين

ودّع أهالي المتن الأعلى وابناء الجبل رجل الخير والمحبة والاحسان عصام فايز مكارم في مأتم مهيب حضره النائب هادي أبو الحسن ممثلا الزعيم الوطني وليد جنبلاط ورئيس كتلة اللقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط، وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي، سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الحالي الدكتور سامي أبي المنى، والسابق نعيم حسن، وأعضاء من المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، الوزير مروان حمادة، أمين عام مؤسسة كمال جنبلاط الاجتماعية النائب السابق ايمن شقير، حشد من المشايخ تقدمهم الشيخ الخليل ابو فايز امين مكارم، والشيخان فندي وسليمان شجاع ووفد من مؤسسة العرفان التوحيدية، رئيس محكمة الاستئناف المذهبية العليا الشيخ فيصل ناصر الدين، القاضي غاندي مكارم، أمين عام المؤسسة الدرزية للرعاية الاجتماعية غازي جنبلاط، رئيس مؤسسة الشيخ ابو حسن عارف حلاوي حسان حلاوي، وكيل داخلية المتن عصام المصري على رأس وفد حزبي كبير، رئيس مجلس ادارة بنك بيروت والبلاد العربية غسان عساف، رئيس مجلس ادارة شركة ببسي كولا وليد عساف، مدير عام مستشفى عين وزين د. زهير العماد على رأس وفد، رئيس مجلس أمناء مستشفى الجبل عدنان الحلبي، رؤساء بلديات ومخاتير، رؤساء وممثلو الروابط والاندية، فعاليات اقثصادية واجتماعية وامنية وعسكرية، حشد من أهالي المتن والشوف وعاليه وقرى وبلدات الجبل وراشيا وحاصبيا وبيروت، وجمع من أصدقاء ومحبي الراحل المعطاء.

 جمال مكارم

وتخلل المأتم الحاشد عدة كلمات بدأت بتعريف مؤثر من المحامي جمال مكارم سطر فيه مآثر الراحل وأعماله الخيرة ونجاحاته المهنية والاجتماعية، قال فيها: "إن الغائب من خيرة وأنقى وأعز الرجال الرجال وصفوة الكبار الكبار، عصام فايز مكارم الغائب قسرا الحاضر دوما، نراك تبني بإزميلك العصامي نهضة المؤسسات وتطورها، ترسم بريشتك الخلاقة ملامح الأمل والطموح على دروب الأجيال الصاعدة، توقد بوهج محبتك وسمو تواضعك ونبل اخلاقك ورجاحة فكرك مشاعل الالفة والمودة والوحدة والوفاق، تزرع سنابل الخير والكرم والعطاء في بيادر زادنا المقبل وارثنا الغني، نراك في حديث الاوفياء رفعة، وفي عيون الأحباء دمعة، وفي خشوع الاتقياء ركعة، وفي صلاة الفقراء شمعة، نراك راسخا في الذاكرة، خالدا في القلوب، باق في الحنين، مقيما في التاريخ، مشرقا في الحاضر، مستمرا مع المسنين، شهما في عزوة الرجال، أيقونة في ضمير الأوفياء، بلسما لجراح عوائل الشهداء، امثولة في نهج الطامحين والعصاميين الناجحين، يتردد اسمك على شفاه كل مريض اسعفته، ترسم ملامحك على درب كل عابر سبيل سهلت امره، تتردد سيرتك في حكاية كل محتاج ساعدته، تتجسد بصمتك في فرج كل منكوب انقذته، تترسخ صورتك عبرة في مسيرة كل طالب علمته، ينبعث طيفك قدوة في كل صرح شيّدته".

 أضاف: "عصام فايز مكارم بحجم الفقد وآلامه وجسارة الخسارة واوجاعها، ستبقى رحلة الشوق تقودنا اليك، وستبقى نسائم الحنين تشدنا نحوك، وسنحفظ على الدوام عظيم فضلك، نطلب من الله تعالى ان يحفظك برحمته واوسع جنانه ويمد عائلتك والمشيعين الكرام الصبر والسلوان".

حسيب مكارم

ثم شكر شقيق الراحل حسيب مكارم المشيعين الذين واسوا العائلة في مصابها الأليم، وألقى كلمة العائلة وجمعية التعاضد المكارمي، وقال: الأخ هو ذاك الجبل الذي عندما تميل بنا الدنيا نسند أنفسنا عليه عند الشدائد، بكت عيوني لآلام الفراق، فرد قلبي الحزين باحتراق، كيف للقلب أن ينساكم يا من في الفؤاد سكناكم؟

وتحدث عن مسيرة الراحل مستعرضا المحطات منذ ولادته في لاغوس نيجيريا عام 1936، مرورا بمرحلة تعليمه في لبنان حتى العام 1951، ثم عودته الى نيجيريا لينضم الى اعمال والده في التجارة.

وأشار لتأسيسه في العام 1959 مصنع مكارم لانتاج المفروشات والانابيب المعدنية مع شقيقه بشير، لتصبح واحدة من اكبر الشركات في نيجيريا.

وذكّر بأن الراحل شغل منصب رئاسة غرفة الصناعة والتجارة في كانو النيجيرية حيث شارك أيضا بتأسيس النادي اللبناني ومدرسة الجالية اللبنانية، ثم تولى رئاسة نادي الروتاري ورئاسة الجامعة الثقافية في العالم. 

وتوقف عند عودته في العام 1982 الى لبنان خلال الحرب الاهلية، حيث أصبح رئيسا لجمعية التعاضد المكارمي، كما اتفق شيخ العقل آنذاك محمد ابو شقرا والأمير مجيد أرسلان والزعيم وليد بك جنبلاط على اختياره أمينا عاما للمؤسسة الدرزية للرعاية الاجتماعية، ثم جال العالم بهذه الصفة لدعم الطائفة الدرزية وجمع الأموال لعوائل الشهداء والمحتاجين، كما انشأ بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت صندوقا ماليا لدفع أقساط الطلاب الدروز، وقدم أيضا المئات من المنح للطلاب في مختلف الجامعات، وتبرّع أيضا لانشاء غرف وقاعات في الجامعات والمستشفيات.

واضاف: شغل فقيدنا منصب رئيس بلدية راس المتن من العام 2010 حتى العام 2016 وقام ببناء ستاديوم رياضي كبير حمل اسمه، واشترى موقع القصر البلدي الحالي.

وكان عصام مكارم أحد المستثمرين الكبار في شركة سوليدير وعضوا في مجلس الامناء التابع لها. فقد كان مؤمنا بقيامة لبنان القوي اقتصاديا وبنيويا، ما دفعه لامتلاك عدة مشاريع عمرانية كبرى. كما تميّز بكونه ناشطا اجتماعيا وعضوا فاعلا في العديد من المنظمات الخيرية والمستشفيات والمؤسسات الإنسانية، فترك من خلال تفانيه في الخدمة العامة وعمل الخير أثرا لا يُمحى، ولا شك ان غيابه سيترك فراغا في قلب عائلته وأصدقائه ومحبيه وكل من عرفه. فقد كان الاب والزوج والاخ الحنون الصالح وصاحب الايادي البيضاء والنفس الكريمة والخصال الحميدة.

وختم: "رحيل الأحباء غصة لا تموت حتى نموت، اللهم اني اشتقت لروح لن تعود، فاجعلها يا رب في جنات النعيم".

رئيس البلدية رجا ابو رسلان

وألقى كلمة البلدية وأهالي رأس المتن رئيس المجلس البلدي رجا ابو رسلان، جاء فيها: "بانتقال الأحبة، يجف الحبر ولا يبقى كلام للرثاء وستبقى اعمالك محفورة بذاكرة الأجيال. 

في يومِك يوم وداعك يا رئيسَنا المعطاء والمحب والمتواضع يا زميلَنا كما كان يحلو لك مناداتنا،  أبا وائل اَقف منحنيا أمام إنجازاتك للوطن والجبل وبلدتك وأهلك ومجتمعك بدءاً من جمعية التعاضد المكارمي الى المؤسسة الدرزية للرعاية الإجتماعية فمؤسسة كمال جنبلاط ومستشفى عين وزين والجبل والوطني والأيمان والسانت جود، وتقديماتِك لبلدتك من ارض السنترال ومركز الحزب التقدمي الإشتراكي، وأرض البلدية الى بناء المجمع الرياضي الذي حمل اسمك ليكون مقرا جامعا للشباب والشابات ومكانا آمنا بعيدا عن الآفات، والانفلات الأخلاقي، ولا ننسى التقديمات على مستوى المنح المدرسية والجامعية وعلى مستوى الوطن".

أضاف: "فيا أيها الغائب الحاضر لقد عرفناك ايماناً تجسد ببركة الأجاويد ومنعقد عزم المناضلين وفي العمل البلدي رمزا ومثلا للأمانة والنزاهة، وقد اتخذناك مثالا مقداما نقدر به قيمة  الآخرين".

وختم: "بفقدان الأخ الحبيب أبو وائل عصام فايز مكارم، نفتقد كيانا قائما بذاته لما كان يتمتع به من صدق ووفاء وتضحية، نفتقده املا ورجاءً  وقريباً ومرشداً، باسمي وباسم المجلس البلدي واهالي رأس المتن أتقدم باحر التعازي من زوجته غاده وأبنائه وبناته وأشقاءه وال الجبل والوطن".

 حسان حلاوي

كلمة مؤسسة الشيخ ابو حسن عارف حلاوي ألقاها حسان حلاوي، مشيرا الى أنه "في الوقت الذي نحتاج فيه لأمثاله من الصادقين الأوفياء، نودع الشخصية المعطاءة التي كانت قدوة في عمل الخير والطيبة والمحبة، الشيخ عصام مكارم المخلص الطيب احد مؤسسي مؤسسة الشيخ ابو حسن عارف حلاوي الخيرية، الذي لن نفيه حقه مهما كتبنا عنه من رثاء لكثرة ما قدمه من جهد وتعب لمساعدة الناس والطلاب. ولقد كان مدرسة في القيم الفاضلة والاخلاق والخصال الحميدة وحسن المعشر وقدوة في التواضع والوداعة والثقة والتسامح."

غازي جنبلاط

وتحدث أمين عام المؤسسة الدرزية للرعاية الاجتماعية غازي جنبلاط قائلا: "يرحل اليوم عنا صديق عزيز ومجاهد انساني تقصد ان يتوّج نجاحه في عالم الأعمال بانصرافه الى عمل الخير من اجل أبناء مجتمعه بشكل خاص والمواطنين بشكل عام، بكل صدق مع نفسه، كما تولى الأمانة العامة للمؤسسة الدرزية للرعاية الاجتماعية التي قامت بأعمال الإغاثة وأمنت لقمة العيش والتعليم للطلاب خلال الأوقات العصيبة حين وقع الجبل في مأساة التهجير القسري وما نتج عنه من تداعيات، ثم بادرت لرفع الأذى عن الجرحى وعوائل الشهداء والأهالي الذين عادوا الى بلداتهم مرفوعي الرأس، فكان مثالا للعمل الجاد وتحمل المسؤوليات ونجح بأداء المهام متجاوزا الصعاب، فساهم في جولات الاغتراب لنجدة أبناء الوطن في الأوضاع الاقتصادية الاليمة، ونجح خلال سعيه للاهداف النبيلة بدعم تأسيس الجمعيات التي نظمت شؤون المعتربين من الوطن، وانتشرت هذه الظاهرة لتعزز روح التضامن والانتماء. ثم توجهت الجمعية لتأمين مستقبل الطلاب بتحصيلهم العلمي والعملي، ونجح الراحل بالحصول على موافقة الجامعة الأميركية ودعم المغتربية لتأسيس صندوق الدعم لتقديم المنح للطلاب."

أضاف: "لقد أعطى الراحل هذه الجمعية من عقله وقلبه وكرس لها وقته، وزرع فيها مبادئ الاخلاق والاستقامة والشفافية كي تمضي قدما لمساعدة أبناء المجتمع في أصعب الظروف. ترجّل عصام مكارم، لكن أعماله وخصاله باقية، وكم نحن بحاجة لأمثاله من الرجال".

الوزير عباس الحلبي

وتحدث الوزير عباس الحلبي باسم الجمعيات والاصدقاء، فقال: "أقف حزنا لرحيل عصام فايز مكارم، ذلك الوجه الطيب الأنيس المعشر المبتسم بعلامات الرضى والحبور. والده المرحوم الشيخ فايز محمود مكارم الذي أورث بنيه طيب الطوية وحميد الأخلاق وكرم العطاء. وهو الشقيق الأكبر الذي جاهد مع والديه في مجاهل أفريقيا يوم كانت القارة السوداء قبلة الأنظار بسخاء طبيعتها وكرم حياتها وشظف عيشها، وفتح أمام أشقائه فرص الحياة للعمل والسعي لتأسيس المصالح وتنوعها وتشعبها حتى بات الأخوة مثالاً في التعاضد والتضامن والعطاء، فسطروا في أعمالهم لمجموعة قصة نجاح في الغربة، لكنهم لم يغادروا وطنهم لا بالفكر ولا بالاهتمام، فأبقوا على قنوات التواصل مفتوحة لمساعدة أهلهم وأبناء عائلتهم وقريتهم، فوهبوا الأرض لبناء جمعية التعاضد المكارمي التي ترأسها الراحل ردحا طويلا من الزمن قبل أن ينشئ الستاديوم الرياضي، وقدم شقيقه المرحوم بشير الأرض لبناء مستشفى الجبل".

تابع: "هو سليل تلك العائلة المكارمية التي أنبتت الرجال أصحاب السيرة العطرة الذين تمسكوا بأهداب الدين الشريف ولبس العمامة البيضاء تاج الموحدين وشيخهم وشيخنا اليوم يعتمر تاج العرب، ومنهم من انصرف للأعمال، ومنهم من حقق بأخلاقه الصلاح والوئام، ومنهم من برز في ميادين العمل والبناء".

أضاف: "أكم يصعب علي ان اودع أبا وائل، فهو في رقاده لا يزال مالئ القلوب حبا وعزة. فسيرة عصام هي سيرة العطاء، إذ كان ركنا في المؤسسة الصحية للطائفة الدرزية، وكان نائبا للرئيس مساهما في تأسيس المؤسسة، وفي بنائها وتجهيزها، وتوسيعها وتطويرها، وكان عاملا دوما لمصلحة المؤسسة، متطلعًا الى استمرارها وازدهارها، يسعى بالكلمة الطيبة الى لجم التباينات، ويعمل دون كلل لدرء الخلافات. وهو في مجلس أمناء مستشفى الجبل كان مخلصًا في سعيه لتأمين الخدمات الطبية والاستشفائية لاهل المنطقة. وهو أحد مؤسسي المؤسسة الدرزية للرعاية الاجتماعية التي أُنشأت في عز المواجهات العسكرية والأحداث الأمنية في الجبل لإغاثة المهجرين قسرًا وسد الفراغ في تحمل نفقات العلاج والاستشفاء أو مساعدة المعوزين، ولاحقا لتعليم الطلاب المحتاجين، والمتفوقين في الجامعات الكبرى. وفي بيروت كان شريكًا في مركز سرطان الأطفال وأحد كبار داعميه وحاضرا في كل ميادين الخير والمساعدة والانماء".

تابع: "هي شهادة شخصية أدلي بها أمام نعشه وقد عرفته عن قرب وقدرت فيه رغبته الدائمة في عمل الخير وأيضا من تعاطي معه في المؤسسات وهو كان محط الاتفاق على تبوء المسؤوليات، لأنه شخص وفاقي يستطيع بما أوتي من بساطة ورهافة تدوير التباينات والخروج بحلول لا تعطل عمل المؤسسات. وفي بلدته رأس المتن التي ترأس مجلس بلديتها، كان همه توفير مساحة للشبان والشابات لممارسة أنواع الرياضة التي تبني الشخصية وتعزز المسار الأخلاقي والابتعاد عن الانحرافات. وهو رب العائلة وبجانبه دوما السيدة الفاضلة غادة ومن حولهما الأبناء والبنات القادرين الذين نشأوا على التربية الطيبة وصلاح التوجهات".

وختم "انني أذرف الدمع على من أقعده المرض سنوات وعز على محبيه تقهقر حالاته الصحية، ولكن بإيمانه العميق لم تفارق محياه علامات الرضى والابتسامة التي اعتاد مشاركتها مع ضيوفه ومحدثيه، رحمه الله ولعائلته الصبر والسلوان".

النائب ابو الحسن

وقدم النائب هادي ابو الحسن أحرّ التعازي "بإسم الزعيم الوطني وليد جنبلاط وبإسم الرئيس تيمور جنبلاط وبإسم الحزب التقدمي الاشتراكي واللقاء الديمقراطي"، وقال: شاء القدر أن نقف اليوم في رأس المتن لنودع رجلاً عزيزاً معطاءً مؤمناً، وصديقاً صدوقاً أميناً مخلصاً. نقف لنلقي نظرة الوداع على من وقف معنا في أصعب الظروف و المراحل، فكان مميزاً بعطائه وإلتزامه، صلباً بمواقفه ثابتاً في خياراته، متمسكاً بقيمه ومبادئه، رائعاً بتفانيه وأخلاقه.

نقف اليوم وقفة وفاءٍ في يوم رجلٍ إستحق التقدير والإحترام والوفاء، نقف في لحظة وداعه نستذكر وجهه الطيب، ونفتقد طلّته البهية وشخصيته الراقية الغنيّة، ونفسيته المتواضعة النقية. نعم لقد كان ابو وائل عصام فايز مكارم صاحب شخصية فريدة غنية، إكتنزت بداخلها الكثير من قيمنا الاجتماعية والمعروفية والوطنية، وجسّد إسمه في شخصه، فكان إسماً على مسمى. كيف لا وهو الذي جهِد وجدّ وكدّ، وبنى نفسه بنفسه، وأضاف رصيداً معنوياً كبيراً إلى سيرته ومسيرته فكان غنياً بأخلاقه، وفياً بإنتمائه، مخلصاً بصداقاته، صادقاً بأقواله، صائباً بأفعاله، عصامياً بسلوكه، متزناً بمواقفه، متزيناً بمكارم الأخلاق وبأدبه. 

تابع: "في يومك يا أبا وائل يترآى امامي شريط الصور والذكريات، وتحضر المواقف والمحطات، وتنساب الكلمات من حناجرنا، علّها تعطيك قسطاً من حقك وتؤدي جزءاً من واجب لمن لم يتأخر يوماً عن القيام بالواجب، من خلال عمله الإجتماعي والتزامه الوطني، حيث كان المبادر والداعم، وكان في المقدمة مع كوكبة من الخيّرين في معركة تحصين مجتمعنا وتعزيز صموده في ايام المحن والصعاب، وفي ايام السلم والرحاب، إلى جانب الزعيم الوطني وليد جنبلاط. فلن ننسى دوره الرائد في المؤسسة الدرزية للرعاية الإجتماعية وفي مؤسسة كمال جنبلاط الاجتماعية، حيث كان احد ابرز مؤسسيها وعضواً مؤسساً في مجلس امناء المؤسسة الصحية في عين وزين، ومجلس أمناء مستشفى الجبل، ومركز سرطان الأطفال "السان جود "، وغيرها وغيرها من المؤسسات الصحية والإجتماعية والخيرية والإنسانية، ورئيساً منتخباً لبلدية رأس المتن، هذه البلدة العزيزة التي أحبها وأحبته والتي أحتضنها واحتضنته والتي اصرّ ان يأتي اليها على كرسيه المتحرك يوم الخامس عشر من ايار من العام 2022 ليؤكد على خياره الديمقراطي وانتمائه الوطني، يا له من موقف ومشهد لن أنساه ابداً ما حييت. نعم هذه هي شيم وشهامة وأصالة ووفاء عصام مكارم ابن بلدة رأس المتن الابية معقل العقال ومقلع الرجال، التي خرج من بيوتها ايضاً خيرة المقاومين والمناضلين من اجل الدفاع عن الارض والعرض والكرامة، ومن اجل الدفاع عن وطننا لبنان، وفلسطين القضية والعنوان". 

وقال: "ترحل عنا يا أبا وائل لكن بصماتك ستبقى محفورة في وجدان وضمير كل من عرفك ورافقك في مسيرتك الجليّة البيضاء النقيّة، تغيب عنا فيما لبنان والمنطقة يمران بأصعب المراحل واخطرها، فها هي غزة الجريحة العصية الصابرة الصامدة تنزف ولا تساوم، وجنوب لبنان عصيٌّ ابيٌّ صامد ٌيقاوم، اما القاسم المشترك بينهما فهو واحدٌ ،  عدوٌ مجرمٌ متغطرسٌ غاشم، فيا لها من مواجهة لا هوادة فيها، يا لها من مواجهة لا حياد فيها بين الجلاد والضحية. نعم انها معركة لا مجال فيها للحياد بين الحق والباطل ونحن قوم ٌينصر الحق ويأبى الباطل. نحن قوم ٌيحفظ العهد والوعد، نحن من يحفظ القضية والهوية، فليكن يومك يا أبا وائل مناسبة للتأكيد على هويتنا العربية وعلى خياراتنا الوطنية وانحيازنا الكامل للقضية الفلسطينية. انها رسالة للقريب والبعيد، انها رسالة نبعثها للتأكيد من جديد بأن لا تناقض بين نصرة القضية الفلسطينية وبين قرارنا الوطني اللبناني ونهجنا الاصلاحي، ويبقى لكل مقام مقال ولكل مرحلة عنوان"، مضيفا " نعم هذا هو نهجنا، هذا هو تاريخنا، هذا هو تراثنا، تراث الأباء والأجداد، تراث المعلم الشهيد كمال جنبلاط وتراث الأمير شكيب أرسلان وسلطان باشا الأطرش". 

وختم قائلا: "ايها الفقيد الغالي إرقد بسلام ونم قرير العين وإطمئن، سنبقى نحفظ الأمانة ونحميها، نصون القضية ونبقيها، نتمسك بالهوية ونعليها، نحمي الارض ونرويها. وداعا يا ابا وائل، وداعا يا رجلاً من اوفى الرجال واصدق الرجال وانبل الرجال سنفتقدك كثيراً، رحمك الله وأسكنك فسيح جناته وطيّب ثراك". 

شيخ العقل

واختتم الكلمات سماحة شيخ العقل سامي ابي المنى، بشهادة مؤثرة قال فيها عن الراحل:

 "بسم الله الرحمن الرحيم

"مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ? فَمِنْهُم مَّن قَضَى? نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ? وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا".

المشايخُ الأجلّاءُ، أبناءَ المتن والجبل والوطن، يا أهلَ راس المتن، ويا أبناء العائلة المكارمية، يا كرام القوم،

معكم ومع صلواتكم ودعائكم نودّع اليوم شيخَ الكرم والمكارم عصام مكارم، القامةَ المتنيّةَ الشامخةَ كما صنوبراتُ راس المتن، والعلمَ المعروفيَّ المرفرف فوق تلال الجبل والوطن… معكم ومعَ شهاداتِكم ومحبّتِكم نودّع الفارسَ العصاميَّ المدرّعَ بالجود والعطاء، 

نعم لقد مات ورحل عصام مكارم، وهذا هو القدرُ وتلك هي إرادة الله "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ? وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ"، رحل عن هذه الدنيا ولكن لم يرحلْ ذكرُه الطيّبُ وصيتُه الحميد... لقد غاب وجهُ البِشر والخير ولكن بقيَ عملُ البرّ والمعروف..

ليس من قبيل الصدفة أو المجاملة أن ينعاه الزعيم الوطني وليد بك جنبلاط إلى جانب عائلته وأهالي بلدته الكرام، وهو القائدُ العارفُ بأسرار الرجال ومواقف الأبطال، وهو مَن رافقه في أيام الضِّيقِ والصعاب فعرف فيه الأريحيّةَ والالتزامَ وروحَ العطاء، وليس من غريب الأمر أن نكتبَ عنه ما كتبنا وأن يجتمع على محبته وتقديره أهلُ الفضل والوفاء، وهو الزارع بينهم وفيهم من جميل سجاياه وكرم أياديه ما يغني عن قصائد المدح وألوان الشهادات...

عصام مكارم حمل ورفاقَه همَّ المؤسسة الدرزية للرعاية الاجتماعية، تأسيساً وإدارةً واحتضاناً لأبناء الطائفة حتى عرفت باسمه؛ مؤسسة عصام مكارم، إذ كان له الفضلُ الأولُ والأكبرُ في ما قدَّمته على مدى عشرات السنين من مكتبِها الكائن آنذاك في دار الطائفة، وما زلنا نذكرُه بالخير ونأمل أن يكونَ رحيلُه اليومَ حافزاً لنا لإعادة تفعيل دورِها وإحياء ذكراه.

نرثيك يا أبا وائل، حيث الكلمات إشاراتُ محبةٍ واعترافٍ وافتقادٍ، وأنت مَن كنت من نخبة المجتمع، أحببت الناس وأحبُّوك، فاعترفوا لك بالفضل وافتقدوك، وها هم اليومَ يودِّعونك بحسرة ورضا وتسليم:     

القلبُ   يشكو     والفؤادُ    سقيمُ        

أمَّا   اليقينُ     فنابضٌ    وسليمُ

غاب العصامُ  عنِ العيونِ،  وإنّما        

ما  غاب   ذِكرٌ   طيِّبٌ   وكريمُ

هذا هي سنّةُ الوجود، وتلك هي طبيعةُ الإنسان، والموحِّدون أَولى بحمل هذه العقيدةِ في قلوبِهم ومواجهة الموت بإرادة الحياة وبالرضا والتسليم والإقرار بقوله تعالى: "وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ? وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"، فالموت حقٌّ والتأثُّرُ واقعٌ، ولكنّ الروحَ خالدةٌ والعملُ محفورٌ في سجلِّ الزمن والمجتمع والذاكرة: "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ". 

الموتُ  لا يُنهي  الحياةَ،  وإنَّما        

تَفنى  به   الأعمارُ   والأعوامُ

إنَّا ?عتنقنا  الحقَّ حقَّاً، لم   يَعُدْ        

يَثني الموحِّدَ  في الحياةِ  حِمامُ

فالروحُ خالدةٌ  بما كسَبَتْ ،  ولا        

يَقوى  عليها  الموتُ  والإعدامُ

في وداعك يا أبا وائل، وأمام هذا الجَمعِ من المودِّعين والمشيِّعين نشهدُ بأنّك، وإنِ اغتربت يوماً عن أرضِك لكنَّك ما اغتربت أبداً عن هويَّتِك وهمومِ قومِك وبلادِك، بل بقيت ملتصقاً بقضايا الناس والوطن، فعرفك المجتمعُ وعرفتك المؤسساتُ الصحيةُ والاجتماعيةُ والتربوية واحداً من أُولئك الرجال المتميِّزين بطِيبِ سجاياهم وكريم أخلاقِهم وسخاء أياديهم. كم نحن بحاجة لأمثالكم، فالمجتمع لا يحيا سليماً بدون مثلِ هذه النخبة من أبنائه الحاضرين أمام مسؤولياتِهم، وبدون روح العطاء المتأصِّلة فيهم، أكان عطاءً بالمال أم بالفكر والقلب ومواقف الرجال. 

لقد كنَّا وإيَّاك مع القيادة الحكيمة الثابتة ومع مشايخنا الأجلَّاء الأطهار ومع أمثالك من الكبار قلباً واحداً ويداً واحدة في معركة البقاء والوجود، في زمن الدفاع والثبات، كما في زمن المصالحة وبلسمة الجراح وترسيخ قواعد العيش الواحد في جبل الشموخ والعنفوان... ومعك ومِن بعدك، وكلٌّ من موقعِه، ولكننا جميعاً من الموقعِ التوحيدي والوطني الواحد، كنَّا وسنستمرُّ في دورِنا التاريخيّ الجامع، وفي حمل الهوية الوطنية العربية الأصيلة، متمسكين بإرثِنا الإسلاميِّ التوحيديِّ الثمين، ومدافعين عن الكرامة والوجود وقضايا الأمّة ولن نبدِّلَ تبديلا، لائذين بحِمى الوطن والدولة والعيش الواحد والشراكة الوطنية، ساعين إلى نهضة المؤسسات في مواجهة التحديات والمخاطر، بالثقافة التوحيدية والرعاية الأسرية والمشاريع الاستثمارية، وهذا لَعمري ما كان الشيخ عصام مكارم يحلُمُ به ويسعى إليه، وإننا في مشيخة العقل وفي المجلس المذهبي ماضون بالعمل لصون الأمانة وتعزيز ثقة الناس بمؤسساتهم، بالرغم من محاولات التشكيك والإحباط، وسنحقّق معاً حلُمَ أبي وائل وأمثالِه بعون الله تعالى وبتعاون الخيِّرين وتضافرِ جهودِ المخلصين من أهلِنا".

وختم: "لروحك نسأل الرحمة والغفران وجزيل الثواب، ولعائلتك السلامةَ وطيبَ البقاء. عظّم الله أجوركم وحفِظكم سالمين، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون".  

وبعد الشهادة امّ سماحة الشيخ ابي المنى الصلاة والى جانبه المصلي الشيخ سليم الاحمدية، ليوارى بعد ذلك الثرى في مدافن العائلة في البلدة حيث أحاطت ضريحه أكاليل الوفاء.

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan