مساحة بصرية للذاكرة والهوية...تحكي الحرف والحنين في معرض الكتاب
الرئيسية ثقافة / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
May 23 25|19:51PM :نشر بتاريخ
كتب عبد السلام بوغليوم في ايكو وطن
في مساحة خاصة متسعة من معرض بيروت العربي الدولي للكتاب – في نسخته السادسة والستين – وبين أجنحة الناشرين ورفوف الكتب المكتظة، وُلد فضاء فني جديد.
مساحة بصرية تُعرض فيها صورفنية تتكامل مع أجواء المعرض، تمنح الزائراستراحة من الحروف، وتدعوه إلى تأمل الصورة كلغة أخرى من لغات التعبير الثقافي، لكن، هل تكفي الصورة لتروي ما تعجزعنه الكلمة؟ وهل يمكن للمعارض الفنية أن تتحوّل إلى جزء دائم من مشهدنا الثقافي، لا مجرد إضافة جانبية؟
الخط العربي، الألوان، الوجوه، الملصقات، وصوراتعبر عن القضية الفلسطينية، كلها هنا تتحدث بلغة الذاكرة والهوية، وتفتح بابًا لفن يعيد صياغة القصة… من الحرف إلى الصورة.
رؤساء ومفكرين وأدباء:
زاوية خاصة ضمّت مجموعة صورأرشيفية لرؤساء الحكومات اللبنانية خلال مشاركتهم في افتتاح المعرض عبرالعقود، بدءً من المفكر قسطنطين زريق والأديب ميخائيل نعيمة والرئيس الشهيد رشيد كرامي عام 1965، مرورا بالرئيس الشهيد رفيق الحريري خلال توليه موقع رئاسة الحكومة، وصولا الى الرئيس نجيب ميقاتي عام 2023، في مشاهد وثّقت لحظات رسمية وأخرى شعبية من تاريخ المعرض.
"أتيليه الحرف"
في إحدى الزوايا، تتدلّى لوحات الفنان والرسام كميل حوّا، الذي جمع بين الحرف العربي والرسم التجريدي بأسلوبه الخاص، في هذه الزوايا، لا تُستخدم الحروف كأداة كتابة فحسب، بل تتحوّل إلى مكونات تشكيلية تنبض بالجمال والحركة وتعبّر عن هوية وحس بصري فريد.
في بعض أعماله، تتحوّل الكلمات إلى رسومات مجسّمة، تكسر الشكل التقليدي للكتابة وتدعونا إلى قراءتها بعين جديدة.
وقف أحد الزوار طويلاً أمام لوحة تمثّل وجهًا مرسومًا بخط عربي وقال:"ما بعرف إذا عم بقرأ أو عم بتأمّل… يمكن عم بعمل اتنين سوا".
كما تولّى حوّا تصميم بروشور المعرض بأسلوب إبداعي، حول فيه الحروف إلى مجسمات فنية تختصر الفكرة البصرية للمعرض كله.
أرشيف من ذهب
قدّم الفنان عبودي أبو جودة معرضًا خاصًا بعنوان "مئة سنة من السينما اللبنانية من خلال الملصق"، يضم نحو سبعين ملصقًا نادرًا لأفلام لبنانية تعود إلى الفترة ما بين عام 1929 ويومنا هذا، كأرشيف من ذهب.
قال أبو جودة:"الملصقات مش بس دعاية… هي وثائق فنية بتعكس روح كل مرحلة، الناس عم يتصوروا حدّا، كأنهم عم يرجعوا يلاقوا شي ضايع".
وأضاف:"من سبع سنين بلّشنا كتاب عن السينما اللبنانية، وهالملصقات كانت جزءاً أساسياً منه، واليوم نعرضها للناس ليتعرّفوا على إرث بصري غني يمكن ما كانوا عارفينه".
من الجامعة إلى المعرض
في ركن خاص،عرض طلاب من الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) مجموعة أعمال فنية تتنوع بين التصويرالفوتوغرافي، الرسم، والتصميم الغرافيكي، تعكس قضايا اجتماعية وسياسية من منظورشبابي معاصر.
إحدى اللوحات، مثلًا، عكست مشهد شارع لبناني تقليدي، وتحتها عبارة:
"الليرة بألف خير" – في نقد ساخرومؤثر للواقع الاقتصادي والمعيشي.
فلسطين في قلب المعرض
الفنانون العرب لم يغيبوا عن قضاياهم المركزية ، إذ خُصّص ركن مميز للقضية الفلسطينية من خلال رسم كاريكاتيري و أعمال فنية واقعية ورقمية بأساليب تعبيرية متنوعة.
وجوه أطفال، بيوت مهدّمة، صواريخ، عيون تنظر إلى العدسة بحزن وكرامة، وفي أحد الأعمال كتبت طفلة:"أنا لا أريد خيمةً انا أريد ان أرجع الى بيتي".
هذا القسم بدا وكأنه يهمس للزائر:لا تقرأ فقط، بل تذكّر… ولا تمرّ مرور الكرام.
طرابلس حاضرة
كما خُصّصت مساحة لعرض صورمن مدينة طرابلس التقطها المصوّراللبناني منذر حمزة، سلّطت الضوء على تراث المدينة وثقافتها الشعبية العريقة، محاولةً إبراز أهميتها في المشهد الثقافي اللبناني الحديث.
الصورة ككتاب… والتأمل كقراءة
المعرض الفني في ختام معرض الكتاب لم يكن مجرد زينة بصرية، بل كان استعادة لذاكرة تُنسى، وصياغة لهوية تتشكّل على حدود الجمال والمعاناة.
دمج الصورضمن معرض للكتاب بدا خيارًا غيرمألوف، لكنه في الحقيقة ضرورة، خصوصًا في زمن تتغيّرفيه وسائل التعبيروالتوثيق.
كما قال أحد الزوار:"الكلمة بتقنع، بس الصورة بتحرّك".
ما بعد المعرض: إلى أين؟
معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الذي ينظمه النادي الثقافي العربي، لم يكن هذا العام مجرد سوق كتب، بل مساحة حواروتفاعل مع الفن كوسيلة لتوثيق الذاكرة وطرح الأسئلة الكبرى.
فهل تتحوّل هذه التجربة من زيارة عابرة إلى علاقة دائمة مع الفن البصري؟
وهل نرى في السنوات المقبلة توسّعًا لهذا النوع من العروض ليصبح جزءًا أصيلًا من المشهد الثقافي اللبناني؟
الإجابة قد لا تكون في الكلمات فقط، بل في الصورالتي بقيت في ذاكرة كل من زار هذا الركن، وخرج منه متأملًا.
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا