العلامة الخطيب: السيادة والكرامة والحرية لا توهَب بل تُنتزع

الرئيسية سياسة / Ecco Watan

الكاتب : المحرر السياسي
Jun 27 25|15:23PM :نشر بتاريخ

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس في طريق المطار، وألقى خطبة الجمعة ، قال فيها: 
"نحن في اليوم الاول من محرم ،ذكرى ثورة الحسين .ان توظيف عاشوراء للدفاع عن الامة ومصالحها كما ارادها سيد الشهداء في خطاب اعلان الثورة ضد السلطة الاموية الجاهلية الظالمة تمثل في :
* احباط هدف السلطة لتثبيت شرعية سلطة القبيلة على حساب الرسالة ومبادئها 

*الحفاظ على جوهر الرسالة في الابقاء على جذوتها مشتعلة في نفوس ابناء الأمة حفاظا على اهدافها وعلى رأسها الحفاظ على وحدتها ودورها في مواجهة قوى الطغيان  والبغي الداخلي والخارجي".
أضاف :" لقد اريد للأمة ان تتحول الى خادمة للسلطة التي انقلبت على اهداف الرسالة وتحويل الانجازات التي تحققت الى قوة بيد السلطة لتحقيق اهدافها الخاصة، فكانت ثورة الامام الحسين التي أفشلت هذا الانقلاب وما زالت، ولم تزل هذه المعركة مستمرة وقائمة على وعي الامة في مواجهة محاولات السلطة في العمل على اثبات شرعيتها، اولا عبر تشويه اهداف الثورة ومحاولة التركيز على تصوير الحدث على انه مجرد صراع عائلي تاريخي على السلطة، فيما هي تجهد في اثبات  الشرعية لنفسها  التي ارادت ان تختصر الامة بها والغاء دورها ومصادرة قرارها. 


اذاً فالمواجهة مع السلطة كانت على وعي الامة بهدف استعادتها لدورها وقرارها وفضح اهدافها وسلخ الشرعية عنها. فالمعركة نشأت اساسا دفاعا عن المشروع الاسلامي واهدافه  في وجه حركة ارتدادية واجهت الاسلام في بدايته، فلما هزمت تحولت الى حركة منافقة لتنقلب عليه من الداخل، مستخدمة التضليل وتصوير الامر على ان المشكلة مشكلة صراع سلطوي لا علاقة له بالرسالة وانه شأن زمني من شؤون الامة ترك لها حرية ادارته باختيار من تشاء على قاعدة الشورى التي لم تحصل على الاطلاق ولم تمارسها الامة ابدا في اي وقت من الأوقات، حتى قال علي ع في شقشقيته في تعجب منه واضح واعتراض فاضح على الشورى ( فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فيَّ حتى صرت اقرن الى هذه النظائر لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ وَمَالَ الْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَهَنٍ ) .
 

وكان عرض البيعة منهم لعلي  اولا اعترافا واقرارا  باحقيته بها، وكان التخلص منه ان شرطوا عقدها له بان يلتزم فيهم سيرة الشيخين وعدم الاكتفاء بكتاب الله وسنة نبيه، فشرطوا له ما يضمنون به اخراجه لعلمهم برفضه القبول بهذا الالتزام. فالمشكلة هنا مع علي لم تكن  مشكلة الصراع القبلي المزعوم بين هاشم وامية، وانما مع نهج علي وتنمره في ذات الله، كما اشار الخليفة الثاني لذلك بشكل غير مباشر حين قال:  "أما والله لو أعطيتموها علياً لحملكم على المحجة البيضاء" .
وهو ما فعله س حين ولي الخلافة حيث قال في شأن المال العام : (والله لو وجدت المال قد تزوجت به النساء وملكت به الاماء وبنيت به الدور لرددته الى بيت المال ) وقال ايضا : ( والله لو كان المال ملكا لي لساويت بينهم فكيف والمال مال الله).


اما المسألة مع بني امية فلم تكن مشكلة النهج والتشدد في تطبيق العدالة فقط، وانما كانت من جانبهم تسيد بني هاشم وهو السبب اساسا في عداوتهم للاسلام ومواجهتهم له ومحاربتهم لاتباعه وخسارتهم الحرب معه وتحملهم خسارة ابطالهم الذين قتلوا في هذه المواجهات ،ما زاد في اشعال نار الحقد في قلوبهم فتحينوا فرصة الانتقام واضطروا للدخول في الاسلام نفاقا  وعرفوا بالطلقاء. وقد صرح علي ع لابي سفيان عما يعتمل في صدره من الكيد للاسلام واهله حينما جاءه عارضا عليه بعد البيعة لابي بكر التحالف في مواجهة السلطة الجديدة قائلا له:
( والله ـ ما أردت بهذا إلا الفتنة، وإنك ـ والله ـ طالما بغيت للإسلام شراً، لا حاجة لنا في نصيحتك )".
 

وتابع  :"لقد شكلت واقعة الطف خطا فاصلا من فصول المواجهة بين هذين النهجين: بين نهج الاسلام المحمدي الاصيل وبين النهج الانقلابي الذي اراد استخدام الامة ومقدراتها  لصالح سلطته فكان الامام الحسين لهذا النهج بالمرصاد. وقد عبّر س عن هذا الواقع الانقلابي الذي كاد يصفو لبني امية حين رأوا ان الفرصة سانحة ليأخذ هذا الانقلاب الشرعية، حيث استطاعوا ان يسكتوا الاصوات المعارضة اما بالقتل او السجن او بشراء الضمائر، ولم يبق من يتخوف منه الا البعض القليل، واخطر هؤلاء الامام الحسين، فكان لا بد لهم من تخييره بين البيعة ليزيد الفاسق وبين القتل لما يمثل من اهمية كونه ابن بنت رسول الله. وهذا ما حصل حين استدعاه والي المدينة بحضور مروان ابن الحكم الذي حرضه على قتل الامام ان لم يبايع، ولكن الامام  كان قد استعد لهذه اللحظة واحضر معه من رجاله ما يمتنع بهم، وهكذا فوت سلام الله عليه فرصة الغدر هذه، ولكنه علم ان هؤلاء لن يتوقفوا عن الغدر به، ولذلك عزم على الوقوف بوجههم  وان يجعل من استشهاده قضية مواجهة الانقلاب على نحو واضح تفوت عليهم فرصة قتله غيلة بلا قضية، كما تفوت عليهم تحقيق الهدف في اضفاء الشرعية على ملكهم وتحول استشهاده الى قضية  بحد ذاتها ، ومدرسة مستمرة في مواجهة الانحراف والدفاع عن حق الامة ودورها في مواجهة من يبغي مصادرتها واستغلال مقدراتها لمصلحة السلطة وازلامها.
 يقول الامام الحسين ع واصفا الحال الذي غدت عليه الامة في ظل الحكم الاموي : الا ترون الى الحق لا يعمل به والى المنكر لا يتناهى عنه )، وهو ما وصف الامام امير المؤمنين علي ع بني امية في عهد عثمان في بيان فسادهم قائلا :
( إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه، بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع )
لقد كانت ثورة ابي عبد الله الامام الحسين ع أن تعي الامة دورها التاريخي والحضاري الإلهي، وهو الحفاظ على القيم واشاعة العدل والمعرفة الربانية التي تعني استخدامها في خير الانسانية وتقدمها، والا تكون اداة بيد السلطة لتقوية وتوسعة نفوذها على الامم  الاخرى بديلا عن الامة، تستخدمها لترسيخ دعائم العدل والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. فليس للسلطة في الاسلام اي ذكر وانما للامة ( كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن النكر  ). فهي وجدت لتكون في خدمة الانسان ومن واجبها الدفاع عنه والارتقاء به في كل الصعد ايا كان، والى اي جنس انتمى، وليس لها فضل عنده على الامم الاخرى الا بمقدار ما تقوم به من خدمة لها دون  اي مكاسب دنيوية على حسابها. فهي ليست قوة استعمارية توسعية تبتغي النفوذ ونهب الثروات والخيرات والاستعباد". 
 

وأردف العلامة الخطيب :"لقد أراد الامام الحسين ان يعيد للامة هذا الدور الذي صادرته السلطة الاموية التي تحولت الى سلطة غاشمة باسم الإسلام، مشوهة صورة الدين، واساءت الى الامة والغت دورها الرسالي الحضاري واصبح الاسلام مجرد طقوس وعادات، وتحولت امة بلا رسالة وبلا دور، وأمة تابعة تتناتشها الامم ، ومن أمة اريد لها ان تخرج الناس من الظلمات الى النور الى امة غارقة في الظلام والجهل، ومن امة حرة كريمة الى امة مستعبدة  لنظم لم تصنعها، وانما صنعتها ايدي القوى الدولية  الظالمة والغاشمة التي حولت العالم الى ساحة صراع على النفوذ والطغيان والبطش والابادة. 
لقد بقيت ثورة الامام الحسين ع  علامة الضوء والامل الوحيدة التي تدفع بحاملي قيمها ورسالتها الى مواجهة هذا الواقع المخيف والخروج من هذا النفق المظلم" .

وقال :"لقد شكلت القضية الفلسطينية هذا التحدي للامة بين هذا الانحدار الى حد الانسحاق، وبين حالة الوعي لهذا الواقع الذي يبعث على التمرد والمواجهة والانبعاث من جديد، فكانت الثورة الحسينية هي المنبع الذي يمدها بالقوة لتلمس الحياة من جديد.

لقد استلهمت الامة من هذه الثورة اليوم المدد الذي استطاعت به ان تنهض وبسرعة، فتسجل في جنوب لبنان اول مواجهة جدية نابعة من الاسلام المحمدي الاصيل الذي انبعث من فكر الامام السيد محمد باقر الصدر المتوقد والنافذ ، والامام السيد الخميني وثورته العظيمة والمباركة، والامام السيد موسى الصدر ونهضته المباركة، والائمة الاعلام ورثة أئمة اهل البيت ومدرسة عاشوراء لتمتد الى فلسطين، ولتشكل مع لبنان والجمهورية الاسلامية الايرانية واليمن العزيز ساحة المنازلة والجهاد مع قوى الطغيان العالمي وصنيعته الصهيونية في فلسطين، وتحقق واقعا جديدا في حياة الامة من التضامن والتأييد بين دولها وابنائها، وفاضحة لكل الاشاعات والفبركات التي سعت الى زرع الشقاق بين مكوناتها الطائفية والمذهبية، ليكون سدا مانعا من التفاعل بينها ولتتضح الصورة الحقيقية لابناء علي والحسين الذين لا يبغون سوى القيام بواجبهم الديني والاخلاقي في نصرة ابناء امتهم، وان اختلفت مذاهبهم وطوائفهم، فهم لم يعتبروا انفسهم الا نفسا واحدة واخوانا لمن هم من ابناء السنة والجماعة،والطوائف الاخرى، فانفسهم انفسنا وأعراضهم اعراضنا ودماؤهم دماؤنا،  ولا نبتغي من وراء نصرة اخواننا في غزة الا القيام بالواجب الديني والاخلاقي والإنساني".

لقد رأيتم بأم اعينكم كيف بهت الله المثبطين عن نصرة فلسطين، لما اثبتت ايران ان عداوتها للصهاينة حقيقية، وان قتالها لهم لم يكن ادعاء كما كان يصوره الأعداء، وان المقاومة في لبنان كانت النصير الوحيد مع الجمهورية الاسلامية لغزة والشعب الفلسطيني العزيز".

أضاف :"لقد كان انتصار الجمهوية الاسلامية الايرانية على الغرب متمثلا بالولايات المتحدة الامريكية واداتها العدو الصهيوني، انتصارا لنا جميعا وللامتين العربية والاسلامية ولجميع المستضعفين والمظلومين في العالم. وكان من نتائجها هذا التقارب الاسلامي والعربي الذي سيتعمق اكثر فأكثر باذن الله، وعسى ان يكون ذلك قريبا وان يقف الجميع صفا واحدا في مواجهة العدو وسيكون ذلك اهم عوامل القوة في مواجهة العدوان والصلف الغربي الذي يبتز دولنا وشعوبنا وينهب خيراتنا.

وتابع :"وعسى ان يكون في ما جرى من ثبات للجمهورية الاسلامية الايرانية  نتائج إيجابية على الساحة اللبنانية بسقوط المراهنات على العدو الإسرائيلي، وان يعلم الخائفون واصحاب الحسابات المادية الخائبة ان القوة لله جميعا، وان النصر بيد الله، وان الاستسلام للوهم والجبن لن تكون نتائجه الا الخزي والعار في الدنيا والاخرة، وانه لا كرامة ولا استقلال، ولا حفظ سيادة الاوطان الإ بالتضحيات، وان الآخرين لن يهبوك سلامة الا ان ياخذوا منك الكرامة والحرية".

وأكد العلامة الخطيب  ان السيادة  والكرامة والحرية لا توهب وانما تنتزع، وسيفكر العدو بعد فشله المدوي في عدوانه على الجمهورية الاسلامية الايرانية الف مرة، في بقائه محتلا لجزء عزيز من وطننا ، بل لن يزيده هذا الفشل الا خوفا على المستقبل، فلم يعد يشكل القوة الحاسمة في المنطقة، وقد كشفت هذه الحرب هشاشته وحاجته الى من يدافع عنه، وانه غير قادر على الدفاع عن نفسه. وهذا ما  يسلبه الشعور بالأمان، وهذا ما يستدعي الجهوزية من المسؤولين والمقاومة، وان يحذروا من تحركاته وتحركات واقوال داعميه ووسوستهم وضغوطهم وتخويفهم ومن شياطينهم، شياطين الانس والجن الذين ينفخون في ابواق الفتنة والتضليل في حروبهم النفسية التي يجيدونها".

وختاما، لفت العلامة الخطيب الى "ان العدو اليوم يسجل مزيدا  من الاعتداءات في جنوب لبنان ،ولا نرى موقفا عمليا في مواجهة هذا العدوان والخروقات. على الجميع الوقوف صفا واحدا في مواجهة العدو ،لا ان يقف بعضنا ضد البعض وان يواجه المسؤولون ويرفعوا صوتهم لتحرير الارض التي يحتلها العدو. 
 قل اعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد اذا حسد (سورة الناس)
تحية الى صانعي مجدنا واستقلالنا وسيادتنا الاحرار الابرار من الشهداء الابرار والمجاهدين الاخيار".

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan