النهار: زيارة مفصلية لوزير الخارجية السوري… ترسم الإطار العملي للعلاقات الجديدة
الرئيسية صاحبة الجلالة / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
Oct 11 25|08:34AM :نشر بتاريخ
مع ان زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لبيروت شكلت حدثاً مفصلياً في مسار الصفحة الجديدة الناشئة من العلاقات اللبنانية السورية، فإنها لم تحجب الاستغراب الشديد الذي ساد معظم الأوساط السياسية حيال انضمام رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى “حزب الله” في حملاته المفتعلة المتعمدة على رئيس الحكومة نواف سلام. إذ إنّ انتقادات برّي للحكومة واتهامها بالتقصير في موضوع الاهتمام بالجنوب بدت أقرب إلى افتعال أزمة لشد العصب الشعبوي عند مشارف افتتاح مواسم الانتخابات في وقت يتخلف بري عن أداء واجبه في عقد جلسة لمجلس النواب لبت الخلاف حول قانون الانتخاب ويصادر إرادة الأكثرية النيابية. لذا بات متوقعاً أن يتسبّب بري بتفاقم الأزمة الانتخابية ولن يكون مجدياً فتح أبواب مشكلة جانبية مع رئيس الحكومة لكي يؤخر مساءلته سياسياً ونيابياً عن تأخير حسم مسار قانون الانتخاب، كما أوحت المعطيات التي تجمعت في الساعات الأخيرة.
أمّا في ما يتصل بزيارة وزير خارجية سوريا أسعد الشيباني إلى بيروت فبدت معالمها الانفتاحية قبل وصوله بوقت قصير حين استبق وصوله بإبلاغ وزارة الخارجيّة اللبنانيّة عبر السفارة السوريّة في لبنان، قرار تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني السوري وحصر كل أنواع المراسلات بين البلدين بالطرق الرسميّة الدبلوماسيّة ما شكّل أوّل غيث الزيارة السورية التي رسم لها مسار أحداث اختراقات وتفاهمات ترغب فيها “سوريا الجديدة”.
وتقدّمت محادثاته في بيروت ملفات السجناء والموقوفين، وترسيم وضبط الحدود البرّيّة، وتفعيل القنوات الدبلوماسيّة بين البلدين كما كان لافتاً تركيز الوزير السوري على الجانب المتصل بالتعاون الاقتصادي بين البلدين
وقد جال شيباني يرافقه وزير العدل السوري مظهر الويس ووفد أمني وإداري وديبلوماسي على كبار المسؤولين، باستثناء رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي علم أنّ الوفد السوري لم يطلب موعداً للقائه باعتبار أنّ الزيارة تقنية وتنفيذية ولا تستدعي لقاء رئيس مجلس النواب، فيما نقل الوزير دعوة إلى رئيس الجمهورية جوزف عون لزيارة دمشق.
وأبلغ رئيس الجمهورية وزير الخارجية السورية خلال استقباله مع وزير العدل والوفد المرافق، أنّ لبنان يتطلع إلى تعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتفعيل التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية بما يحقق الاستقرار في كل من لبنان وسوريا.
واعتبر أنّ تعميق العلاقات الثنائية وتطويرها يتم من خلال تأليف لجان مشتركة تبحث في كل الملفات العالقة، وأهمّها الاتفاقيات المعقودة بين البلدين والتي تحتاج حتماً إلى إعادة ودرس وتقييم. وأشار إلى أنّ القرار السوري بتعليق العمل في المجلس الأعلى اللبناني-السوري يستوجب تفعيل العلاقات الديبلوماسية وننتظر في هذا الإطار تعيين سفير سوري جديد في لبنان لمتابعة كل المسائل من خلال السفارتين اللبنانية والسورية في كل من دمشق وبيروت.” وقال الرئيس عون للوزير الشيباني: “امامنا طريق طويل، ومتى صفت النوايا فان مصلحة بلدينا الشقيقين تسمو على كل الاعتبارات، وليس لدينا خيار سوى الاتفاق على ما يضمن هذه المصلحة”.
ونقل الوزير الشيباني إلى الرئيس عون تحيات الرئيس الشرع، شاكراً الحفاوة التي لقيها خلال الزيارة، مؤكداً على أهمية العلاقات التاريخية التي تجمع بين لبنان وسوريا والتي يفترض تعميقها وتصحيح ما حصل في السابق والذي أساء إلى صورة سوريا. ودعا الوزير السوري إلى تعميق التعاون في كل المجالات لاسيما المجالين الاقتصادي والتجاري مع وجود هذا الانفتاح على سوريا وبعد رفع العقوبات عنها، لأن لبنان يمكن أن يستفيد من هذه التطورات الإيجابية.
وجدّد التأكيد على سيادة لبنان والحرص على إقامة علاقات متينة قائمة على الاحترام والتعاون. “ونتطلع الى ان نطوي صفحة الماضي لأننا نريد ان نصنع المستقبل.” وقال ان بلاده جاهزة لمناقشة أي ملف عالق سواء كان ملفا اقتصاديا أو امنياً.
أضاف: “لقد عانت شعوبنا من الحروب والمآسي، فلنجرب السلام.” وعن موضوع النازحين السوريين قال: نحن نشكرلبنان وشعبه على هذا الكرم وهذه الإستضافة. ونتوقع بعد زوال السبب الذي كان دفع الناس الى الهجرة والنزوح ان يتم حل هذا الموضوع تدريجا. هناك خطط نناقشها اليوم بدعم دولي لكي تكون هناك عودة كريمة ومستدامة.
ثم انتقل الشيباني والوفد المرافق إلى السراي الحكومي يرافقه الوزير يوسف رجي للقاء الرئيس نواف سلام وعُقد اجتماعٌ بين سلام، ونائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري، ورجي، ووزير العدل عادل نصّار، مع الشيباني، ووزير العدل مظهر الويس، والوفد المرافق. وأكّد الرئيس سلام خلال اللقاء أنّ لبنان حريص على بناء علاقات سليمة ومتوازنة مع سوريا، على قاعدة التعاون بين دولتين مستقلتين تربطهما الجغرافيا والتاريخ، مشدّداً على أن الانفتاح والحوار الصادق هما الطريق الوحيد لترسيخ الاستقرار في البلدين والمنطقة.
وعقد أيضاً في السراي اجتماع بين المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير ومساعد وزير الداخلية السوري للشؤون الأمنية اللواء عبد القادر طحان.كما عقد اجتماع بين مدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد الركن طوني قهوجي ورئيس جهاز الاستخبارات السوري حسين السلامة.
وفي الخارجية حيث استهل لقاءاته، استقبل الوزير يوسف رجي، الشيباني، وعقدا لقاء ثنائيا تبعه جلسة محادثات موسّعة بين الجانب اللبناني والوفد السوري.
في المشهد السياسي، وغداة السجال بين بري وسلام انتقدت القوات اللبنانية “تباكي البعض في الوقت الحاضر على قرى الجنوب وأهله، وعلى الجنوب عمومًا، ويوجّه أصابع الاتهام إلى الحكومة الحالية، وكأنها هي المسؤولة عن عدم إعادة الإعمار.
ونحن نسأل هذا البعض: من اتخذ قرار الدخول في حرب “الإسناد” التي انطلقت في 8 تشرين الأول 2023، وأدت إلى تدمير الجنوب؟هل كانت الحكومة هي من اتخذ هذا القرار؟ وهل كانت موافقة عليه؟وأين كان هذا البعض الذي يتباكى اليوم على الأطلال عندما اتُّخذ القرار؟ نقول لهذا البعض، ليس من منطلق السعي إلى مماحكات إعلامية، بل من باب وضع الأمور في نصابها الحقيقي.
أما النقطة الثانية، والأهم، فهي أن إعادة الإعمار تتطلّب أموالًا طائلة، في وقتٍ لم تتمكن فيه الدولة حتى الآن من التقدُّم قيد أنملة على طريق الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت لبنان منذ العام 2019. فمن أين ستأتي الدولة بالأموال لإعادة الإعمار؟وسؤال استطرادي: حتى لو توفرت هذه الأموال من جيوب اللبنانيين – وهو أمر مستحيل – فبأي حق تُصرف من جيوب الأكثرية الساحقة من اللبنانيين الذين كانوا ضد حرب الإسناد وما نتج عنها؟ إن إعادة الإعمار تتطلّب مليارات الدولارات، ولا يمكن تأمينها إلا من خلال أصدقاء لبنان شرقًا وغربًا.
ويعرف القاصي والداني أن إحجام أصدقاء لبنان عن مساعدته سببه عدم قيام دولة فعلية تحتكر وحدها قرار الحرب والسلاح. وبالتالي، فإن الطريق إلى إعادة الإعمار معروف، وكل الطرق الأخرى لن تؤدي إلى أي نتيجة.
نتوقف أخيرًا أمام تصريح للرئيس نبيه بري، حين سُئل عن موازنة عام 2026، فأجاب بأن “الموازنة لن تمر إذا لم تتضمّن بندًا واضحًا متعلقًا بإعادة الإعمار ونستغرب أن يصدر مثل هذا الكلام عن شخص بعمر الرئيس بري وخبرته، لأن المجلس النيابي مؤسسة دستورية قائمة بذاتها، ولا يمكن لأحد احتكارها أو التحكُّم بها.
أما مسألة تمرير الموازنة أو عدم تمريرها، فهي من شأن الأكثرية النيابية، لا أي جهة أخرى”.
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا