الجمهورية: تهويل بالحرب يصطدم بإشارات خارجية تستبعدها... وزحمة موفدين إلى بيروت للدفع بالتسوية جنوباً
الرئيسية صاحبة الجلالة / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
Nov 18 25|09:26AM :نشر بتاريخ
مناخ الحرب ضاغط على الجميع؛ التسخين السياسي والإعلامي والتحريضي والتهويلي يقترب من الغليان، ويُضاف إليه ما استجد في فضيحة «التفسيد» وبخّ السمّ على اللبنانيين، من قِبل مجموعة ساقطة وطنياً، ومتفلتة من الروادع الكابحة لهذه الدناءة. وإسرائيل تضبط الواقع اللبناني برّمته على إيقاع التصعيد، الذي لوحظ أنّ وتيرته ترتفع مع وصول أيّ موفد خارجي إلى بيروت، كما حصل بالأمس مع وصول السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى، باعتداءات مكثفة جنوباً ورفع وتيرة التهديدات، وتحليق للطيران التجسسي في الأجواء، ولاسيما فوق بيروت والضاحية الجنوبية، وقبله مع مورغان اورتاغوس، وتوم برّاك، ووفد الكونغرس ومجلس الشيوخ الأميركي، ورئيس المخابرات المصرية حسن رشاد ووفد الخزانة الأميركية، في محاولة واضحة من قِبل إسرائيل لفرض جدول أعمال ضاغط على لبنان عبر الرسائل الأمنية.
«مش عم نام الليل»
داخلياً، البارز أمران، الأول سلوك مشروع قانون تعديل قانون الانتخابات النيابية إلى مجلس النواب، بعد توقيع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أمس، مرسوم إحالة هذا المشروع إلى المجلس، والأمر الثاني هو بقاء فضيحة «بخّ السمّ» التي كشفها رئيس الجمهورية، بنداً أساسياً في مداولات المجالس والصالونات السياسية، وعلى الرغم من أنّ أسماء مجموعة بخّاخي السمّ وانتماءاتهم السياسية والحزبية و«السيادية» معروفة، تحديداً لدى المستهدفين ببخّ السموم، الّا انّ هذا الأمر كما يقول مسؤول كبير لـ«الجمهورية»، لن يطول الوقت حتى يذوب الثلج ويبان المرج، والأسماء تظهر وحدها إلى العلن، فطابخ السمّ آكله في نهاية المطاف، ولقد بدأوا منذ الآن ببخّ السمّ على بعضهم البعض، ويرسلون إشارات ينفون علاقتهم بهذا البخّ».
وكما هو معلوم، فإنّ رئيس الجمهورية طاله جانب كبير من هذا البخّ، وايضاً الجيش اللبناني وقيادته، وكذلك الرئيس نبيه بري، الذي تؤكّد أجواء عين التينة انّ شخصية لبنانية اسمها ( ج.ج.)، موجودة في الولايات المتحدة الأميركية، مكلّفة منذ مدة من قِبل أحد الأحزاب التي ترفع شعار السيادة والاستقلال، للقيام بعملية تحريض مع الأميركيين لفرض عقوبات على الرئيس بري. وبحسب أجواء نيابية موازية، فإنّ الشركاء في عملية البخّ يتوزعون بين فصائل سيادية وتغييرية، وبين ناشطين موظفين بالأجرة، ومعهم من يسمّون أنفسهم «أصحاب إرادة»، ومعهم ايضاً كل ركاب بوسطة أحد النواب إلى الغداوات والعشاوات في لبنان وأميركا».
وسألت «الجمهورية» الرئيس بري رأيه في استهدافه من قِبل بعض الجهات ببخّ السمّ، والتحريض على فرض عقوبات أميركية عليه، فاكتفى بالقول ساخراً: «مش عام نام الليل»!.
حراكات
في جانب سياسي آخر، فإنّ المشهد اللبناني مفتوح في هذه المرحلة على حراكات خارجية مكثفة، وفق ما اكّدت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية»، لافتة إلى انّ الهدف منها هو الدفع بمسار التسوية والتبريد على جبهة لبنان. وبحسب المصادر، فإنّ غالبية الوفود أوروبية، وقد وصل وفد أوروبي قبل وقت قصير، الّا انّه أخّر حركة لقاءاته، بعدما أصيب اعضاؤه الأساسيّون بالـ»كورونا»، فيما سيصل وفد آخر إلى بيروت خلال الاسبوع الجاري. ويُضاف إلى ذلك، الحضور السعودي الذي يُنتظر أن يشهد زخماً ملحوظاً في المرحلة المقبلة.
حضور أميركي وسعودي
وكان السفير الأميركي ميشال عيسى، قد وصل إلى بيروت في الساعات القليلة الماضية، وقدّم اوراق اعتماده إلى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، حيث نقل السفير إلى رئيس الجمهورية تحيات الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وحرصه على تعزيز العلاقات اللبنانية- الأميركية وتطويرها في المجالات كافة. وقد تمنّى الرئيس عون للسفير عيسى النجاح في مهمّته. وسبقت زيارة السفير الأميركي إلى القصر الجمهوري، زيارة قام بها السفير عيسى إلى وزارة الخارجية حيث قدّم لوزير الخارجية يوسف رجي نسخة عن اوراق اعتماده.
وزار السفير الأميركي ايضاً رئيس مجلس النواب نبيه بري في مقر رئاسة المجلس في عين التينة، وبحسب ما نُقل عن اوساط عين التينة، فإنّ اللقاء بينهما كان جيداً وصريحاً. كذلك زار عيسى رئيس الحكومة نواف سلام، وأكّد حرص بلاده على تعزيز العلاقات مع الجمهورية اللبنانية، وتمنّى سلام التوفيق في مهامه، وأهداه نسخة من كتابه «لبنان بين الأمس والغد».
وفي موازاة وصول السفير الأميركي، كان وصل الموفد السعودي يزيد بن فرحان إلى بيروت على رأس وفد، حيث زار رئيس الحكومة، الذي قال إنّه «استقبل الوفد السعودي الزائر للبنان لمناقشة إجراءات استئناف الصادرات اللبنانية إلى المملكة العربية السعودية، وقد طلب من كل الجهات المعنية العمل السريع لإنهاء اي عوائق لعودة هذا الرافد المهمّ لاقتصاد لبنان».
وأضاف: «انّ هذا التحرّك جاء استجابة لما دار في لقاء فخامة الرئيس جوزاف عون ولقائي مع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية، فمواقف سموه والمملكة في دعم لبنان واستقراره يشهد لها الجميع. فلهم منّا كل التقدير والشكر ودوام المحبة، وبهذه المناسبة جدّدت للوفد الكريم تعهدنا بأن لا يُستخدم لبنان منصّة لزعزعة أمن أشقائه العرب، او أن يكون معبراً لتهريب المخدرات او أية ممنوعات».
تصعيد وإشارات تبريد
منذ صباح أمس، فرضت إسرائيل جواً تصعيدياً عبر استهدافات تركّزت على العديد من القرى والبلدات الجنوبية، وعلى وجه الخصوص بلدة عيترون، حيث أُفيد بأنّ لجنة «الميكانيزم» سبقت هذه الاستهدافات بإبلاغ الجيش بعزم إسرائيل على توجيه ضربة وشيكة إلى البلدة. كما أفيد بأنّ الجيش أبلغ بلدية البلدة بالامر، حيث تمّ إغلاق المدارس وإعادة الطلاب إلى منازلهم، وإخلاء الأماكن العامة احترازياً.
وترافقت هذه الاعتداءات بتحليق مكثف للطيران التجسسي في الأجواء، وتركّز على مدى النهار فوق الضاحية الجنوبية. ويأتي ذلك بالتوازي مع أخبار مكثفة تُطلق عبر الإعلام العبري، وتروّج لتصعيد محتمل.
واللافت في هذا السياق، ما ذكرته صحيفة «معاريف» العبرية، حول انّ الجيش الإسرائيلي «يدرك أنَّ جولة أخرى من القتال مع «حزب الله» هي مُجرّد مسألة وقت»، معتبرة أنّ «حقيقة مواصلة «حزب الله» تسليح نفسه تتطلّب من إسرائيل اتخاذ خطوة ستلزمها بالتحرك بقوة ضدّ التنظيم في المستقبل القريب».
وإذا كانت التهديدات التي تطلقها المستويات السياسية والأمنية والإعلامية في إسرائيل، وما يصاحبها من ضخ متواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي لسيناريوهات تصعيدية ضدّ لبنان، تعزز من هذا المناخ الحربي الضاغط، الاّ انّ القنوات الديبلوماسية طافحة بالإشارات الخارجيّة التي تقلّل من احتمال ارتفاع وتيرة التصعيد.
وبحسب معلومات مصادر موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّه في موازاة الحضور الفرنسي الأخير عبر مستشارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، التي شدّدت على احتمالات التهدئة وحاجة كل الأطراف إلى ترسيخ الأمن والاستقرار على جانبي الحدود بين لبنان وإسرائيل، وأكّدت أنّ جهداً فرنسياً يُبذل على هذا الصعيد مع الشركاء الاوروبيين والأميركيين. وأبرز الإشارات الاميركية تركّز على اولوية خفض التوتر القائم، والدفع نحو تسوية سياسية».
وفي هذا السياق، تلفت المصادر الموثوقة إلى ما سمّتها «إشارات أميركية مشجعة»، أطلقها مسؤولون اميركيون، ونقلها بعض الديبلوماسيين، وتتجاوز حملة «التفسيد» والتحريض، التي تتولاها بعض الجهات اللبنانية. وخلاصة هذه الإشارات:
اولاً، إنّ واشنطن تثق بشكل كبير برئيس الجمهورية جوزاف عون، وبالجيش اللبناني، وتدعم حكومة نواف سلام في الخطوات التي تتخذها، وتشجعها على التعجيل بالإجراءات التنفيذية لقرار سحب سلاح «حزب الله».
ثانياً، لا ضوء أخضر اميركياً لأي عمل عسكري اسرائيلي ضدّ لبنان في المرحلة الراهنة. وربطاً بذلك، فإنّ واشنطن لا تريد للوضع في لبنان أن ينحدر إلى منزلقات دراماتيكية، فاستقرار لبنان والحفاظ على الأمن فيه، ومنع الإخلال به، تشكّل أولوية رئيسية بالنسبة إلى الإدارة الاميركية. وهي ملتزمة، سواء عبر مستوياتها السياسية او من خلال رئاستها للجنة «الميكانيزم»، بالدفع بقوة في مسار حل ينهي الصراع القائم بين لبنان وإسرائيل.
ثالثاً، إنّ الولايات المتحدة مع إجراء الإستحقاقات اللبنانية في مواعيدها، وتؤكّد على إجراء الانتخابات النيابية في ايار المقبل، بالقدر الأعلى من الشفافية والنزاهة، وبالحرّية الكاملة للبنانيين في تحديد خياراتهم.
لا حرب
هذه الأجواء المعاكسة للجو التصعيدي والتهويلي، تتقاطع مع ما نُقل عن مسؤول عربي كبير من معطيات أطلع عليها اكثر من مسؤول لبناني، وتفيد بأنّ كلّ ما يُقال عن تصعيد وحرب إسرائيلية واسعة على لبنان مختلق، وليس صحيحاً على الإطلاق. ويؤكّد المسؤول عينه، على أنّ ما يطلقه المسؤولون الإسرائيليون في العلن تجاه لبنان، من تصعيد سياسي وتهديدات، يُقال عكسه في اللقاءات الداخلية مع الموفدين الذين يلتقونهم، ويؤكّدون انّ لا حرب واسعة على الجبهة الشمالية، وبالتالي فإنّ لبنان ليس هو الهدف لحرب إسرائيلية عليه في الوقت الراهن، بل إنّ الهدف مزدوج هو إيران والخطر الكبير الذي تشكّله على إسرائيل، والحوثيون في اليمن. وهو الأمر الوحيد الذي يؤرق بنيامين نتنياهو وحكومته، والأولوية بالنسبة اليهم هي توفير الظروف والإمكانات وكل العوامل التي يعتقدون انّها ستمكّنهم من ضرب هذا الهدف المزدوج ورفع خطره على إسرائيل».
لا أحد يريد الحرب
ويتلاقى ذلك داخلياً، مع تأكيدات مختلف المستويات الرسمية في لبنان، على انفتاح لبنان على كلّ الحراكات والمبادرات الرامية إلى إنهاء العدوان الإسرائيلي، وإلزام اسرائيل باتفاق وقف الأعمال العدائية وبمندرجات القرار 1701. وكشف مصدر مسؤول لـ«الجمهورية»، انّ لبنان، وكما تعامل بإيجابية مطلقة مع الورقة الأميركية، تعامل بالروحية ذاتها مع المبادرة المصرية التي قادها رئيس المخابرات العامة المصرية، التي تضمنت ما يفيد بإخلاء منطقة جنوب الليطاني بالكامل، من السلاح والمسلحين وكل المظاهر المسلحة، وإخضاع السلاح الموجود شمال الليطاني للتحييد، والتنظيم والضبط، والتعهّد بعدم القيام بأي اعمال عسكرية. الّا انّ هذه المبادرة التي عُوّل عليها، يمكن القول انّها وُضعت على الرفّ حالياً، علماً انّ لبنان الرسمي قدّم رداً ايجابياً على الورقة المصرية، اكّد فيها على مجموعة الثوابت التي يلتزم بها لبنان، ولاسيما اتفاق وقف اطلاق النار، والانسحاب من الأراضي المحتلة خصوصاً من النقاط الخمس او السبع، وتحرير الأسرى اللبنانيين.
وفي هذا الإطار، قال مرجع كبير رداً على سؤال لـ«الجمهورية»: «كل العالم متأكّد أننا ملتزمون باتفاق تشرين الثاني، وسبق لنا ان اكّدنا عشرات المرّات بأنّه لا يوجد اي طرف في لبنان يريد الحرب او استمرار التصعيد. و«حزب الله» بشهادة الجميع في الداخل والخارج لم يُقدم على اي خرق او ردّ، رغم ما يتعرّض له من استهدافات واغتيالات، وبالتأكيد انّه لن يقوم بأي عمل قد يُعتبر متهوّراً».
إلى ذلك، قال الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، في كلمة ألقاها في احتفال اقيم في الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد مسؤول الوحدة الإعلامية في الحزب الحاج محمد عفيف ورفاقه: «انّ الهجوم على الرئيس نبيه بري هو هجوم آثم ولا مبرّر له إلّا تسهيل السيطرة عبر استدعاء الوصاية الأجنبية، فالرئيس بري هو ركيزة استقرار لبنان ومنع الفتنة وبناء الدولة المستقلة والمحررة». وأكّد «أننا لا نقبل أن نصبح عبيدًا لأحد، ونؤمن أنّ هذا الزمن هو زمن الصمود وصناعة المستقبل» وقال: «مستوى قوة أهلنا ومجتمعنا غير مسبوق، والأعداء حائرون بهذه القوة، يريدون تثبيط عزائم الناس، لكن الناس هم الأشد».
واعتبر انّ «جمعية القرض الحسن» مؤسسة اجتماعية، مخصّصة لكل الناس، وهي رئة التنفس الاجتماعي في هذا الوضع الصعب لتيسير حياة عموم الناس والفقراء والمحتاجين. لا يملك أحد سلطة منع الخير والمساعدة والتكافل»، وقال: «أنصح الحكومة وحاكم مصرف لبنان وكل المعنيين بوقف الإجراءات التي تضيق على حزب الله وكل اللبنانيين». ولفت إلى «انّ هناك كلاماً كاذباً ومحاولة لإثارة الفتنة وتحريضاً على إسقاط لبنان تحت إطار الوصاية الأميركية داخليًا وخارجيًا»، وتوجّه إلى من يبخّون السمّ قائلاً: «إذا أردتم مستقبلًا سياسيًا في لبنان، فلن تأخذوه بالعمالة ولا بالتبعية، ولن - لن يفوز طابخو السمّ لأنّهم مكشوفون، ويهلل العدو بأسمائهم وأقوالهم فرحًا باستخدامهم».
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا