افتتاحيات الصحف الصادرة في بيروت صباح اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025
الرئيسية افتتاحيات الصحف / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
Dec 02 25|08:50AM :نشر بتاريخ
النهار:
لم تقل عظة البابا لاوون الرابع عشر أمام رؤساء وممثلي الطوائف في اللقاء المسكوني أهمية في دلالاتها ومعانيها وإضاءتها على جوهر تطلعات البابا إلى لبنان التعددي الحضاري والسلام المرجو له
مع أن لقاء الحبر الأعظم البابا لاوون الرابع عشر مع شبيبة لبنان مساء أمس، في مشهدية حاشدة فاقت كل الاستعدادات، في بكركي، شكل بعد اليومين الأول والثاني من الزيارة البابوية ذروة دلالاتها الروحية والشعبية، فإن ذلك لم يحجب الرمزية الكبيرة التي اكتسبتها محطات اليوم الثاني، قبل الذروة الكبرى الختامية اليوم في القداس الكبير عند واجهة بيروت البحرية.
ذلك إنه بين حضوره كأول بابا أمام ضريح القديس شربل ومن ثم محطاته في بازيليك حريصا والسفارة البابوية في حريصا، ومن ثم محطته المميزة في اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء بوسط بيروت، وانتقالاً إلى باحة بكركي المحتشدة بألوف الشبيبة، بدا البابا كأنه عاين بدقة الراعي الاستثنائي، العينات الجوهرية من لبنان المحتاج بإلحاح غير مسبوق إلى رعاية ضيف استثنائي لا أحد سواه يملك التجرد واللهفة حيال النموذج الفذ الذي يجسده لبنان.
جال البابا بين “الأعماق المسيحية” الثقيلة ولقاء رؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية جامعاً رؤيته إلى لبنان السلام والعيش المشترك، من دون إغفال خطورة وأهمية التركيز على الواقع المسيحي في لبنان وعبره في المنطقة. وإذ تشكل العظة المنتظرة اليوم في القداس الكبير الذي سيرأسه البابا أمام الحشد الأكبر المنتظر في الواجهة البحرية لبيروت خلاصة زيارته ورؤيته ومواقف الفاتيكان من الواقع اللبناني بما يؤدي إلى “نداء الخلاص” بمفهومه الروحي والوطني، لم تقل عظته أمام رؤساء وممثلي الطوائف في اللقاء المسكوني أهمية في دلالاتها ومعانيها وإضاءتها على جوهر تطلعات البابا إلى لبنان التعددي الحضاري والسلام المرجو له.
في مشهد التمازج الديني خاطب البابا المشتركين في اللقاء، لافتاً إلى “أنَّ حضوركم هنا اليوم، في هذا المكان الفريد، حيث تَقِفُ المآذنُ وأجراس الكنائس جنبًا إلى جنب، مرتفعةً نحو السّماء، يَشْهَدُ على إيمانِ هذه الأرضِ الرّاسخ وعلى إخلاص شعبها المتين للإله الواحد”. وفي نداء مؤثر، أضاف: “هنا، في هذه الأرض الحبيبة، لِيَتَّحدُ كلُّ جَرَسٍ يُقرَع، وكلُّ آذان، وكلُّ دعوة إلى الصّلاةِ في نشيدٍ واحدٍ وسام، ليس فقط لتمجيد الخالقِ الرّحيم، خالِقِ السّماءِ، والأرض، بل أيضًا لِرَفع ابتهال حارّ من أجل عطيّة السّلام الإلهيّة”. وشدّد على أن “شعبُ لبنان، يبقى بدياناته المُختَلِفَة، مذكّراً بقوة بأنّ الخوف، وانعدام الثقة والأحكام المُسبَقَةِ ليست لها الكلمةُ الأخيرة، وأنّ الوحدة والشركة والمصالحة والسّلامَ أمرٌ مُمكن. إنّها رسالة لم تتغيَّر عبر تاريخ هذه الأرض الحبيبة وإن الشهادة للحقيقة الدائمة بأنّ المسيحيين والمسلمين والدّروز وغيرهم كثيرون، يُمكنهم أن يَعِيشُوا معاً ويَبنُوا معًا وطنًا يَتَّحدُ بالاحترام والحوار”.
استمع البابا إلى كلمات مرحبة بحرارة بزيارته ومفعمة بالاستجابة لأهدافها من رؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية، واختتم اللقاء المسكوني بقيام البابا، يحيط به البطريرك اليازجي والشيخ أبي المنى، بغرس غرسة زيتون قدمها له طفلان، على وقع ترانيم ثم صورة تذكارية بالمناسبة.
أما الجولة على الأعماق المسيحية، فبرزت في استقبال الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، ومعها حشود من المؤمنين، البابا في زيارة تاريخيّة هي الأولى لحبر أعظم إلى دير مار مارون – عنّايا حيث شاء البابا أن يخصّ الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة بلفتة تسلّط الضوء على تعاظم شهرة القدّيس شربل في قلب الكنيسة الجامعة وتؤكّد اهتمام رأس الكنيسة بالمسيحيّين اللبنانيّين خصوصًا، وبلبنان بكل طوائفه عمومًا. وقد آثر البابا أن يشدّد على مكانة لبنان وأبنائه في قلب البابوات والكنيسة، وأن تكون له وقفة صلاة صامتة عند ضريح القدّيس شربل ليسأله نعمة الاقتداء به لعيش “الإيمان كجهاد حسن في صحراء العالم والسير بفرح على خطى يسوع المسيح”.
وكان موكب البابا قد وصل إلى عنّايا، وسط احتشاد المواطنين رغم الأمطار الكثيفة وانتظرته على طول الطريق المؤدّي إلى دير مار مارون حشود من المؤمنين تجمّعوا منذ ساعات الصباح الأولى.
وكان في استقباله رئيس الجمهورية جوزف عون وجمهور من أبناء الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، تقدّمهم الأب العام هادي محفوظ، ورئيس دير مار مارون – عنّايا، الأب ميلاد طربيه، فيما انتظره عند الضريح، إلى جانب رئيس الجمهوريّة وعقيلته، البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
وفور الوصول أمام الضريح على وقع الألحان الروحيّة السريانيّة المارونيّة التقليديّة، جثا قداسة البابا لاوون مصلّيًا بصمت خاشع أمام الضريح، قبل أن يضيء شمعة مباركة قدّمها للدير. توقّف البابا لاوون الرابع عشر في كلمته في عنايا على “ما يمكن أن يعلّمنا إيّاه هذا الإنسان الذي لم يكتب شيئًا، وعاش مختفيًا عن الأنظار وصامتًا، لكنّ سرعته انتشرت في كلّ العالم”. وفي نداء قويّ من أجل السلام، قال: “نريد اليوم أن نوكل إلى شفاعة القدّيس شربل كلّ ما تحتاج إليه الكنيسة ولبنان والعالم. من أجل الكنيسة نطلب الشركة والوحدة: بدءًا بالعائلات، الكنائس البيتيّة الصغيرة، ثمّ الجماعات المؤمنة في الرعايا والأبرشيّات، وصولًا إلى الكنيسة الجامعة. شَرِكة ووحدة. أمّا من أجل العالم فلنطلب السلام. نطلب السلام، بصورة خاصّة، من أجل لبنان وكلّ المشرق”.
بعد ذلك انتقل البابا الى بازيليك سيدة لبنان – حريصا للقاء الأساقفة والكهنة والراهبات والمكرّسين والعلمانيين العاملين في الحقل الراعوي، وشق البابا طريقه بصعوبة إلى المذبح بعد أن امتلأت البازيليك بحوالى 2700 شخص جاؤوا من لبنان ودول الجوار وأوروبا وأميركا وأستراليا.
ولفت في كلمته إلى أنه “بالرغم من الحاجَةِ القصوى وتحت تهديد القصف، يعيش المسيحيون والمسلمون اللبنانيون واللاجئون القادمون من وراء الحدود، بسلام، ويساعدُ بعضُهم بعضا. لنتوقَّف عند الأمثولة التي أشار إليها هو نفسه العِملةُ السّوريّة التي وُجدت في كيس التبرّعاتِ إلى جانب العملة اللبنانية. إنّها تفصيل مهم: يذَكَّرُنا بأنَّ لكلّ واحدٍ منًا، في عيش المحبة، شيء يُعطيه وشيء يأخذه، وأنَّ عطاءنا المتبادل يُغنينا جميعًا ويقربنا من الله”.
أما ختام اليوم الثاني، فكان في لقاء البابا مع الشبيبة في بكركي الذي شهد حشداً ضخماً قدر بعشرات الآلاف. ووصل البابا إلى ساحة بكركي ملقياً التحية على الحشود الكثيفة التي ملأت الساحة، وقد فاجأ الجميع، بتجوله بينهم على متن آلية من دون زجاج عازل.
وامتلأت ساحات الصرح البطريركي الخارجية في بكركي بالذين أتوا من لبنان وعدد من دول العالم ومن فئات عمرية مختلفة طغت عليها الفئة الشبابية. وألقى البطريرك الراعي كلمة قال فيها: “يستقبلُكم لبنانُ، لا ببهرجة القصور، بل برهافةِ جراحه. يُقدِّمُ لكم أثمنَ ما يملِكُ: دموعَه وقد صارت لآلئَ رجاءٍ، وجبالَه وقد غدت مذابحَ تضرّعٍ وصلاة. شبابَنا يتطلّعون إلى بناء لبنانَ جديدٍ، لبنانَ يحتضنُ تعدّدَ انتماءاتِه الدينيّةِ والثقافيّة، ويُثمِّرُها في روح الأخوّةِ والوئام. يريدون وطنًا يكونُ فيه الإيمانُ قوّةً فاعلةً لا انطواءً، ويكونُ فيه التنوّعُ غِنىً لا انقسامًا، والسلامُ فيه غلبةً على البَغضاء وإخاءً مستدامًا”.
ووسط فعاليات اللقاء ألقى البابا كلمته التي الهبت التصفيق عشرات المرات، وتوجّه في بداية كلمته إلى الحشد قائلاً بالعربية: “السلام لكم”. وقال: “الشهادات التي سمعتها تحكي عن الأمل والحب رغم الصعاب التي يواجهها الشباب اللبناني”. واعتبر أن “تاريخ لبنان كان مليئاً بالإنجازات والتميّز لكن فيه أيضاً جروحاً عميقة يصعب معالجتها”. وشدد على أن: “المستقبل بين أيديكم ولديكم فرصة تاريخيّة لتغيير المستقبل والحبّ قادر على معالجة جروح الجميع”. وأكد أن “وطنكم سيستعيد شبابه علامة الوحدة والخصوبة عند الشعب”. ورأى أن “السلام ليس كاملاً إنّ كان ثمرة مصالح لبعض الشخصيات، وليس هناك من سلام من دون عدالة ولا عدالة من دون غفران”. وحضّ الشبيبة على “أن يكونوا مصدر الأمل الذي تنتظره هذه البلاد ويسوع مات وقام من أجل خلاصنا جميعاً وهو دليل الصفح الذي ينجينا من كل شرير ومنه نتعلم السلام”.
الأخبار:
تتسارع أحداث الساحة الداخلية الإسرائيلية على وقع طلب عفو غير مسبوق تقدّم به رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إلى الرئيس إسحاق هرتسوغ، من التهم الموجّهة إليه، لم يُرفق بأي إقرار بالذنب. ولا يُعدّ هذا الطلب مجرّد إجراء قانوني، خصوصاً أنه لا يستند إلى اعتراف بالتهم أو حتى إلى حكم قضائي، بل هو رسالة سياسية واضحة، مفادها بأن نتنياهو في ضائقة، ويريد مخرجاً من المحاكمة، وذلك بدعوى أنه «ضروري ولا غنى عنه للدولة». أمّا المبرّر الرسمي للعفو، بحسب مذكرة محاميه، فهو أن رئيس الحكومة «لا يستطيع أن يكرّس الوقت اللازم للمحاكمة بسبب التزاماته الوطنية»، وأن بقاءه في السلطة شرطٌ لضمان الأمن القومي، ولاستمرار المفاوضات الديبلوماسية، بل وحتى لـ«إنقاذ إسرائيل من الفوضى». وهنا تحديداً، تكمن المفارقة الكبرى: الشخص الذي يُحاكَم بتهم فساد ورشى، بما فيها استغلال منصبه لتبادل المنافع مع رجال أعمال، يدّعي الآن أن غيابه عن الحكم، قد يُفقد إسرائيل بوصلتها.
ورغم أن طلب نتنياهو العفو، يشير إلى ضائقة في مساره القضائي، وخشيةٍ من أن تنتهي محاكمته إلى إدانةٍ تنهي حياته السياسية، وربّما أيضاً تُدخله السجن، إلّا أن هذه الجزئية لا تشغل بال الإسرائيليين حالياً. فالجدال الرئيسي يتمحور حول كوْن الطلب سابقة خطيرة تقوّض مبدأً أساسياً - وإنْ كان نسبياً - في «دولة» تدّعي سيادة القانون: وهو العفو، وفقاً للعرف والقانون، الذي يُمنح فقط بعد إدانة نهائية، أي حين تأخذ المحاكمة مجراها ويكتمل مسارها. والجدير ذكره هنا أن الاستثناء الوحيد من ذلك كان في قضيّة «خط 300» عام 1986، حين مَنح الرئيس حاييم هرتسوغ، والد الرئيس الحالي، عفواً مبكراً لكبار مسؤولي «الشاباك» إثر اعترافهم بقتل محتجزين فلسطينيين بدم بارد بعد استسلامهم؛ وهو ما تمّ يومها ضمن صفقة سياسية هدفها تجنيب الدولة فضيحة تهدّد «صورتها الديموقراطية»، وفي ظلّ وجود اعتراف صريح بالذنب وتخلّي المعفوّ عنهم عن مناصبهم. أمّا اليوم، فلا شيء مما تقدّم، بل تبريرات ترفع المصلحة الشخصية إلى مرتبة مصلحة الدولة؛ علماً أن حادثة «الخط 300»، التي كانت تُعدّ يوماً استثناءً مدمّراً لصورة تل أبيب، باتت تُمارَس يوميّاً في إسرائيل الحالية من دون اكتراث، لا من جانب المؤسسات، ولا الرأي العام.
وانطلاقاً من هذا التناقض الصارخ، فإن خبراء قانونيين يصفون طلب نتنياهو بأنه «ابتزاز مغلّف بخطاب عفو»؛ إذ إن الرسالة الضمنية فيه واضحة: «إذا لم تنقذوني، فستدفع الدولة ثمناً باهظاً»، وذلك في صورة اضطراب أمني، وفراغ سياسي، وشرخ اجتماعي أوسع. ويزداد المشهد تعقيداً هنا مع دخول عامل خارجي حاسم، متمثل بالرئيس الأميركي دونالد ترامب. فما يتسرّب من محيط نتنياهو، وما كتبه محلّلون إسرائيليون، يشي بأن طلب العفو لم ينبع فقط من حسابات داخلية، بل جاء مدفوعاً برسالة مباشرة من ترامب إلى هرتسوغ، يدعوه فيها صراحةً إلى منح نتنياهو العفو. ويُفهم ما تقدّم، في سياق الرؤية الجيوسياسية لترامب، الذي يرى في نتنياهو شريكاً استراتيجيّاً لا بديل منه في منطقة يعتقد بأنها تشهد تحوّلاً جوهريّاً، خاصة في ملفّات إيران، والتطبيع مع السعودية، ومستقبل القضية الفلسطينية، والمصلحة الأميركية بشكل عام، ومصلحة ترامب بشكل خاص.
لكن حتى في حال وافق هرتسوغ على النظر في الطلب - وهو أمر غير مؤكد -، فإن السيناريو المتوقّع لا يخلو من مقايضات سياسية صارمة. فالمقرّبون من الرئيس يشيرون إلى أن أيّ عفو محتمل سيكون مشروطاً: إمّا بإقرار جزئي بالذنب في إحدى القضايا (مثل قضية تلقي الرشى في «الملف 1000»)، أو بتخلّي نتنياهو عن جزء من سياساته التشريعية المناهضة للقضاء، أو حتى بالموافقة على خريطة طريق سياسية تؤدّي إلى عزل اليمين المتطرّف. لكن رئيس الحكومة، الذي يعتاش على خطاب «الاضطهاد السياسي»، وعلى حاجة «إسرائيل الدولة» إلى بقائه في الحكم، لن يَسهل عليه أن يدفع أيّ ثمن من هذا النوع، من دون أن يتلقّى تداعيات سيئة سياسيّاً ووجوديّاً.
هكذا، يزداد الواقع الإسرائيلي تعقيداً، ليس بسبب الحروب التي يخوضها هذا الكيان في الخارج والداخل على السواء - حيث لم يُحسم أيّ منها -، بل على خلفية العجز المتزايد عن إدارة الخلافات الداخلية. فالانقسام لم يَعُد مجرّد خلاف سياسي عابر، بل أضحى شرخاً وجوديّاً يهدّد القدرة على التوافق حتى على القواعد الأساسية لمنظومة الحكم والقضاء. ومن هنا، فإن طلب نتنياهو العفو ليس حدثاً عابراً يناقَش في أروقة المحاكم أو يعلّق عليه إعلاميّاً، بل هو محطة فارقة، سيتحدّد مِن بَعدها ليس مصير نتنياهو وحده، بل ملامح النظام السياسي الإسرائيلي برمّته، لسنوات مقبلة.
أما خارجياً، وعلى نقيض الانطباع الأول، فإن أزمة كهذه لا تضعف نتنياهو وائتلافه أو تدفعهما إلى التريّث في ساحات المواجهة العسكرية والأمنية، سواء داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو خارجها، بل قد تكون سبباً للتوثّب الدائم نحو مزيد من التصعيد الخارجي، الذي يُراد منه إثبات «ضرورة» البقاء في السلطة. وهنا تكمن الخطورة الحقيقية، خصوصاً أن تجربة العامين الماضيين أثبتت أن التصعيد يدار ليس من منطلق الأمن القومي فقط، بل أيضاً استناداً إلى حسابات البقاء السياسي لـ«الزعيم الضروري» الذي لا غنى عنه.
الجمهورية:
في اليوم الثاني من زيارته إلى لبنان، استهلّ البابا لاوون الرابع عشر برنامجه الروحي بجولة في دير عنايا وسط الترانيم المقدسة. وهناك، دخل ضريح القديس شربل، فركع وصلّى وأضاء شمعة حملها من روما هدية لدير مار مارون. وألقى قداسة البابا كلمة قال فيها: "نطلب السلام للعالم، ونتضرّع إليه بشكل خاص من أجل لبنان وكل المشرق. نذكّر بأن لا سلام من دون محادثات وحوار". أضاف: "يا رب، يا من منحت القديس شربل أن يحافظ على الصمت في الحياة الخفية ويستنير بنور الحق، امنحنا نحن الذين نقتدي بمثاله أن نخوض في صحراء العالم جهاد الإيمان الحسن".
من عنايا إلى حريصا، حيث انتقل البابا لاوون الرابع عشر الى بازيليك سيدة لبنان للقاء الأساقفة والكهنة والراهبات والمكرّسين والعلمانيين العاملين في الحقل الراعوي، في محطته الثانية في برنامج زيارته لبنان، وسط تصفيق حار من الحضور شق البابا طريقه بصعوبة الى المذبح بعد أن امتلأت البازيليك بحوالى 2700 شخص جاؤوا من لبنان ودول الجوار وأوروبا وأميركا وأستراليا.
ثم ألقى البابا كلمة قال فيها: "بفرح كبيرٍ ألتقي بكم في هذه الزّيارة التي شعارها : "طوبى لفاعلي السلام راجع) متّى (5 (9) الكنيسة في لبنان، الموحَّدَة في وجوهها المتعدّدة، الله أيقونة لهذه الكلمات، كما قال القديس البابا يوحنا بولس الثاني، الذي أحَبَّ شعبَكُم محبَّةً كبيرة: في لبنان اليوم، أنتم مسؤولونَ عَن الرَّجاء" (رسالة إلى مواطني لبنان، 1 أيار / مايو (1984)".
وقال: "لِتَذكَّر أن مدرستنا الأولى هي الصليب، وأنّ معلمنا الوحيد هو المسيح راجع متى (23 .10 في هذا السياق، كلمنا الأب شريل على خبرته في الرّسالة داخل السجون، وقال إنّه هناك بالتحديد، حيث لا يرى العالم سوى الجدران والجرائم، نحن نرى في عيون السجناء، التائهة تارةَ ، والمتألقة برجاء جديد تارةً أخرى، وداعة الله الآب الذي لا يتعب أبدًا من أن يغفر . وهذا صحيح: نحن نرى وجة يسوع منعكسًا في وجه المتألم وفي وجهِ من يعتَنِي بالجراح التي سببتها الحياة. بعد قليل سنقوم بعمل رمزي وهو تسليمُ الوردة الذهبية لهذا المزار. إنّه عمل قديم، يحمل بين معانيه الدعوة إلى أن تنشر بحياتنا، رائحة المسيح الطيّبة راجع 2 قورنتس ،2 (14 أمام هذه الصورة، أفكَرُ في الرائحةِ التي تتصاعد من الموائد اللبنانية، المميزة بتنوع الأطباق التي تقدمها وبالبعد الجماعي القوي في مشاركتها. إنَّها رائحةً مكونةً من ألف رائحة توثز بتنوعها وأحيانًا بمجموعها معًا".
وختم: "هكذا هي رائحة المسيح الطيبة. ليست منتجا باهظ الثَّمَنِ ومحصورًا في قلةٍ قليلةٍ قادرة على أن تقتنيه، بل هو النكهة التي تنبعث من مائدة سخية تتسع لأطباق كثيرة مختلفة، ويستطيعُ الجميع أن يشارك فيها معا. ليكن هذا روحُ الرتبة التي نريد أن نقوم بها، وقبل كلّ شيءٍ الروحُ التي نجتهدُ أن نعيشها كل يوم متَّحدين في المحبة".
وقدم البابا وردة ذهبية للعذراء مريم، بحسب التقليد المتبع. كما قدمت له هديتان تذكاريتان.
هذا واحتصنت ساحة الشهداء في وسط بيروت اللقاء المسكوني والحواري بين الأديان الذي جمع البابا برؤساء الطوائف في لبنان ونحو 300 مدعو والذي وتضمن تسع كلمات للرؤساء الروحيين المسيحيين والمسلمين، اضافة الى حضور منشدين من جوقات: سيستاما بيروت ترنم، ودار الأيتام الاسلامية ومؤسسة الإمام الصدر.
ولدى وصول البابا الى ساحة الشهداء تم استقباله من قبل البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، وبطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ونائب رئيس المجلس التسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب.
وتوجه البابا على وقع الهتافات والتصفيق الى المنصة التي صممت على شكل دائري رمزا للوحدة وفي خلفيتها اشجار الزيتون .
وقال البابا: " يرتكز الحوار في الشرق الاوسط على الراوبط الروحية التي تجمع المسيحيين مع المسلمين واليهود". أضاف: " في هذه الأرض لم ينطفئ صدى الكلمة وتنظر الانسانية الى الشرق الاوسط بقلق وإحباط أمام صراعات مؤلمة عبر الزمن ومع ذلك رغم التحديات نجد معنى للرجاء والعزاء".
وتابع: "يبقى شعب لبنان بدياناته المختلفة يذكّر بقوة بأن الأحكام المسبقة ليست لها الكلمة الأخيرة انما المصالحة والسلام أمر ممكن وهذه الارض شاهدة للحقيقة الدائمة بأن المسيحيين والاسلام والدروز وسواهم قادرون على العيش معاً في بلد يتحلى بالحوار".
كما غرس البابا لاوون شجرة زيتون مباركة خلال اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء، وقد رواها إلى جانب كل من شيح عقل طائفة الموحدين الدروز سامي أبي المنى وبطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأورثوذكس يوحنا العاشر يازجي.
وفي مواقف لافتة من الجانب الإسلامي، اكد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عيد اللطيف دريان ان "ثوابِتَنَا الوطنيةَ، في قِمَمِنا الرُّوحية ، ونَحتَرِمُ الحُرِّيَّاتِ الدِّينيَّةَ وحقوقَ الإنسان ، كأساسٍ للعيشِ المُشتركِ في مُجتمعِاتِنا المتنوِّعَةِ والمُتَعَدِّدة ، ولا نِتدِخَّلُ في الخصوصِيَّات ، فبلدُنا لبنان يَحمي دُستورُه حقَّ الطَّوائفِ في مُمارسةِ شرائعِها".
أضاف: " أُرَحِّبُ بِضَيفِ لبنانَ الكبير، البابا لاوَون الرابعَ عَشَر، مُتمنِّياً له التَّوفِيقَ في قِيَادَةِ السَّفِينَةِ المَسِيحِيَّة، لِمَا فيه خَيرُ الإِنسانِيَّة ، على النَّحوِ الذي تُجَسِّدُهُ وَثِيقَةُ الأُخُوَّةِ الإِنسانِيَّةِ ، بَينَ إِمَامِ الأَزهَرِ الشَّرِيف ، الشيخ أحمد الطيّب ، والبابا الراحل فرنسيس".
وختم دريان: "إنَّ لبنانَ هو أَرضُ هذِه الرِّسَالة ، وهو رَافِعُ رَايَتِها، وَالعَامِلُ عليها ولها . ولذلك فإنَّنا ، نَعُدُّ أَنْفُسَنا مُؤتَمَنِينَ ، دِينِيّاً وأخلاقِيّاً ووطنِيّاً ، على حَملِ مَشعَلِ هذِه الرِّسَالَة ، حتَّى يَعُمَّ الأمنُ والسَّلامُ في العالَم ، وحتَّى تَسُودَ المَحبَّةُ بينَ جَميعِ الأُمَمِ والشُّعُوب".
كما رحّب نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب، في كلمة خلال اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء بالبابا لاوون الرابع عشر، وقال: "يسعدنا في هذا اللقاء أن نرحّب بكم في لبنان باسم المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والطائفة الشيعية مقدّرين الزيارة لبلدنا ومثمنين مواقفكم في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها بلدنا".
أضاف: "نقدّر زيارتكم في هذه الظروف ولطالما اعتبر الكرسي الرسولي لبنان رسالة وكلنا أمل بأن تثمر زيارتكم في تعزيز الوحدة الوطنية المهتزة في هذا الوطن المثقل بالجراح بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر". تابع: "لسنا هواة حمل سلاح ونضع قضية لبنان بين ايديكم لعل العالم يساعد بلدنا على الخلاص".
ثم انتقل البابا لاوون الرابع عشر الى ساحة بكركي ملقيا التحية على الحشود الكثيفة التي ملأت الساحة، وقد فاجأ الجميع، بتجوله بينهم على متن آلية من دون زجاج عازل.
وبعد مباركة الحشد الكبير في باحة الصرح البطريركي في بكركي تسلم قداسة البابا لاون من على المنصة المخصصة لكرسيه والى يمينه البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عددا من الهدايا الرمزية التي تجسد لبنان واهله على تنوعهم واعدين قداسته بان يكون لبنان داعي سلام. بعدها منح قداسته البركة الرسولية للبنان واهله.
والقى البطريرك الراعي كلمة قال فيها: أهلاً بكم في لبنانَ، هذا البلدِ الصغيرِ بمساحته، الكبيرِ برسالته".
أضاف: " اليومَ يستقبلُكم لبنانُ، لا ببهرجة القصور، بل برهافةِ جراحه. يُقدِّمُ لكم أثمنَ ما يملِكُ: دموعَه وقد صارت لآلئَ رجاءٍ، وجبالَه وقد غدت مذابحَ تضرّعٍ وصلاة".
تابع: "شبابَنا يتطلّعون إلى بناء لبنانَ جديدٍ، لبنانَ يحتضنُ تعدّدَ انتماءاتِه الدينيّةِ والثقافيّة، ويُثمِّرُها في روح الأخوّةِ والوئام. يريدون وطنًا يكونُ فيه الإيمانُ قوّةً فاعلةً لا انطواءً، ويكونُ فيه التنوّعُ غِنىً لا انقسامًا، والسلامُ فيه غلبةً على البَغضاء وإخاءً مستدامًا".
بدوره، توجه البابا لاوون الرابع عشر في بداية كلمته إلى الشبيبة بالعربية: "السلام لكم".
وقال: "أشكركم جميعا على هذا الاستقبال وأشكر البطريرك الراعي على كلماته المعبّرة وأحيي الشباب القادمين من لبنان وسوريا والعراق".
واعتبر أن "تاريخ لبنان كان مليئاً بالإنجازات والتميّز لكن فيه أيضاً جروحاً عميقة يصعب معالجتها".
تابع: "المستقبل بين أيديكم ولديكم فرصة تاريخيّة لتغيير المستقبل والحبّ قادر على معالجة جروح الجميع". وأكد أن "وطنكم سيستعيد شبابه علامة الوحدة والخصوبة عند الشعب".
ورأى ان "السلام ليس كاملاً إنّ كان ثمرة مصالح لبعض الشخصيات، وليس هناك من سلام من دون عدالة ولا عدالة من دون غفران".
إقليمياً، زار قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، رافي ميلو، مواقع عسكرية على امتداد الحدود مع سوريا ولبنان، للاطلاع على تدريبات القوات وإجراء تقييمات ميدانية للجهوزية.
وبحسب ما نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست"، أجرى ميلو سلسلة اجتماعات ميدانية خلص فيها إلى أنّ القوات المنتشرة “في مستوى عالٍ من التأهب دفاعيًا وميدانيًا، ومستعدة لأي تطورات محتملة في منطقتي سوريا ولبنان”. وقال ميلو إن الجيش “لن يسمح بترسّخ الإرهاب على الحدود”، مؤكدًا أن وحدات الجيش ستواصل العمل “بحزم وبمبادرة لإزالة التهديدات قبل تطورها”.
هذا وكشفت مصادر "الحدث" أن المبعوث الاميركي توم برّاك حمل رسالة للعراق تحذّر من عملية إسرائيلية قريبة ضد حزب الله بلبنان، وقال إنها ستستمر حتى نزع سلاح حزب الله.
كما حذر براك العراق من ضربة إسرائيلية قاسية له إذا تدخلت الفصائل إلى جانب حزب الله.
أما دولياً، فأعلن الكرملين، أن مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، سيزور موسكو الثلاثاء للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في إطار الجهود الأميركية المتواصلة لدفع خطة لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
الديار:
وفي اليوم الثاني لزيارة البابا لاون الرابع عشر، بدأ «الحج» صباحا الى مار شربل بزهرة مريمية برائحة المسيح، وانتهى شعبيا بلقاء الشبيبة في حريصا، حارسة الرجاء، وعشاء في السفارة البابوية، وبينهما تم غرس الزيتونة المباركة على هامش لقاء العائلات الروحية اللبنانية في «البيت اللبناني» في وسط بيروت.
كانت الدعوة الى حماية الوحدة والسلام والعيش المشترك، في صلب كلمات الحبر الاعظم، وهو سمع كلمات وردية من المجتمعين حوله، لكن الكلام الاكثر وضوحا ومباشرة كان من نائب رئيس المجلس الشيعي الاعلى الشيخ علي الخطيب، حين اكد ان الشيعة يؤمنون بضرورة قيام الدولة، لكن بغيابها «اضطررنا الى حمل السلاح لمقاومة الاحتلال، لسنا هواة حمل سلاح، ولا نريد التضحية باولادنا، ونطلب منكم مساعدتنا في الخارج»…
وفيما كان العدو يمارس حقده جنوبا موزعا قنابله على شبعا وكفرشوبا، وكفركلا، وميس الجبل، كان الحضور رمزيا ومعبرا بحضور سيدة من جنوب لبنان واخرى من عائلات جبل لبنان، في حضرة البابا، وكانت الرواية بالغة الدلالة عن استضافة العائلات النازحة جراء العدوان الإسرائيلي الاخير، وكانت الهدية حجر سقط من كنيسة يارون.
اليوم تنتهي الزيارة بدءا من دير الصليب والوداع بالصلاة في مرفأ بيروت، لتبدأ اسئلة اليوم التالي لانتهاء الزيارة، وان كان البابا قد توجه إلى الشباب بالقول «السلام لكم»، فهل سيتحول هذا الأمل الى حقيقة، في ظل استمرار حملة التهويل الاسرائيلية-الاميركية المتوعدة لبنان بجحيم حتمي، يلي «جنة» الايام الثلاثة التي عمت بحضور البابا؟
الفاتيكان على خط الاتصالات
وفي هذا السياق علمت «الديار» ان البابا كان متأثرا جدا لتلمسه في كل محطاته اللبنانية، الشعور بالقلق السائد لدى كل من قابله، طالبا المساعدة لايصال رسالة دعم للاستقرار وعدم العودة الى الحرب، بعدما صمت الآذان في دول القرار عن دعوات المسؤولين المنفتحة على الحوار والتلاقي لايجاد تسويات وابرام اتفاقات.
ووفق مصادر سياسية بارزة، ابلغت دوائر الفاتيكان الرئاسة الاولى ان رحلة البابا الى لبنان لن تكون مجرد زيارة رعوية، وان كانت مواقفه لم تتجاوز العناوين العامة حول السلام والوحدة، الا ان الفعل السياسي سيكون بعد مغادرته الاراضي اللبنانية، حيث ستعمل الدوائر الفاتيكانية، باشراف مباشر منه على التواصل مع عواصم القرار في العالم، لتجنيب لبنان مجددا «كأس الحروب» المر، حيث سيكون هناك رجاء بان تتحول الدعوات الكلامية الى افعال، على ان يكون التواصل متعدد الاتجاهات الدولية، لايجاد الحلول المنطقية والواقعية للقضايا العالقة، والتي قد تكون «شرارة» لمواجهة جديدة سيدفع ثمنها اللبنانيون جميعا.
ماذا بعد «الحج» الديبلوماسي؟
ومع مغادرة البابا اليوم، تشهد الساحة اللبنانية «حج ديبلوماسي»، قد تفك بعده «طلاسم» المرحلة المقبلة. ففيما اعلن عن زيارة مرتقبة لرئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو الى واشنطن نهاية الجاري، يسبقه اليها وزير اركان حربه ايال زامير، للبحث مع رئيس هيئة الاركان المشتركة الاميركية دان كين، في كيفية التعامل مع الجبهات المفتوحة في المنطقة، ينتظر وصول المبعوثة الاميركية مورغان اورتاغوس من «اسرائيل» الى بيروت، للمشاركة في اجتماع «الميكانيزم» خلال الساعات المقبلة، بعد ان سبقها زميلها توم براك الى سوريا والعراق، على وقع تسريبات بانفجار قريب على الجبهة اللبنانية، ووسط حديث عن نهاية هذا الشهر كمهلة نهاية لتحديد مسار الاحداث.
اما سفراء دول مجلس الامن ال15 فيحضرون في جولة ميدانية لتسطير «محضر»، حول التزام الاطراف كافة بمضامين اتفاق وقف الاعمال العدائية، حيث سيقومون بجولة في ال6 من الشهر الجاري جنوبا، للاستماع الى تقارير ميدانية حول « الهدوء الهش»، وسوف يدعون الاطراف المعنية الى تنفيذ التزاماتها، كما تقول مصادر ديبلوماسية «للديار»، اكدت ان الثقة بمؤسسة الجيش لا تزال مرتفعة، باعتباره المعني بحماية الاستقرار.
ولفتت المصادر الى ان الايجابية التي تركتها الجولة الميدانية على منطقة جنوب الليطاني، تركت اثارا ايجابية لدى واشنطن، لكن «للاسف» لم تبدل وجهة النظر القائلة، انه لا يزال هناك بطء في تنفيذ خطة نزع السلاح.
التهويل بحرب على ايران
وعشية الزيارات الاميركية الى واشنطن، سربت وسائل اعلام «اسرائيلية» كلاما منسوبا الى مسؤولين «اسرائيليين»، يرجحون ان جولة قتالية مع ايران على «الطريق»، وهي ستكون مواجهة أكبر من الحرب التي استمرت 12 يوما.
وذكر موقع»جي فيد» الإسرائيلي، أن مسؤولاً إسرائيليا كبيرا توعد بأن بلاده تعتزم إسقاط النظام الإيراني، قبل نهاية ولاية دونالد ترامب الرئاسية. من جهتها نقلت قناة «كان» عن مسؤول كبير آخر قوله، إن «الحكومة الإسرائيلية» حدّدت هدفا- أو تعتزم تحديده- لإجبار النظام الإيراني على الرد أو السقوط خلال فترة رئاسة ترامب. وأشار إلى أن «إسرائيل» تراقب عن كثب الإنتاج الصاروخي الإيراني، وهو إنتاج قد يتيح لطهران إطلاق أكثر من ألفي صاروخ بشكل متزامن، بما يهدف إلى إنهاك منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية.
حزب الله السوري؟
وفي سياق متصل، لا تزال المواجهات في بلدة بيت جن السوريّة تُلقي بظلالها على صُنّاع القرار بالمستويين الأمنيّ والسياسيّ في «اسرائيل»، والجديد ما كشف عنه موقع «واللا الاسرائيلي» بأنّ جيش الاحتلال يفحص احتمال تسرب معلومات حساسة قبيل العملية العسكرية، وذلك بعد وقوع القوة المتوغلة في كمينٍ خلال العملية الليلية.
ونقل الاعلام الإسرائيلي عن مصادر أمنيّة قولها، إنّ الكمين في بيت جن يظهر بوضوحٍ ضرورة منع تمركز جهات أسمتها معادية قرب الحدود مع سوريّة، وشددت المصادر على أنّ الوضع الحالي في دمشق، لا يسمح بالتوصل إلى أيّ اتفاقٍ معها، واصفةً إيّاها بدولة غير مستقرة.
وزعم ضابطٍ كبيرٍ في جيش الاحتلال ان «الجماعة الإسلامية» التي تأسست في لبنان، بدأت في بناء بنيةٍ تحتيّة في القرية، وتتعاون مع حزب الله منذ عدة سنوات، ويشتبه في أنّ مسلحي الجماعة يعملون تحت «مظلة نظام «أبو محمد الجولاني ضدّ «إسرائيل»، وهذه هي خلفية النشاط المكثف للجيش في المنطقة خلال الأشهر الأخيرة، لان «اسرائيل» تخشى ولادة حزب الله السوري على حدودها.
حزب الله وحملة التهويل
وكان حزب الله استنكر عبر عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسين الحاج حسن، حملة التهويل الكبيرة التي تجري في هذه الأيام على لبنان واللبنانيين والدولة ومؤسساتها والمسؤولين فيها والمقاومة وبيئتها، متهماً «العدو الصهيوني والمستكبر الأميركي وبعض الأوساط الأوروبية والعربية واللبنانية» بأنهم يقفون وراءها… واكد ان حزب الله لا يستبعد أي جنوح أو جنون للعدو الإسرائيلي، لأنه متأصّل في همجيته وإرهابه وتفلّته من كل القواعد، ومعه وقبله وأمامه الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب.
ما هو مصير الصاروخ «الفضيحة»؟
وفيما تقابل الوقاحة والصلافة الاميركية بصمت رسمي، عاد الحديث في «اسرائيل» عن الحاح الولايات المتحدة التي وجهت طلبا عاجلا إلى الحكومة اللبنانية، لضمان نقل قنبلة جوية إسرائيلية لم تنفجر في الضاحية الجنوبية، خلال تنفيذ عملية اغتيال الشهيد هيثم الطبطبائي ورفاقه، خشية أن تقع بين أيدي روسيا أو الصين، ويتمكنا من الوصول إلى تكنولوجيا عسكرية متطورة.
ونقلت صحيفة «معاريف» عن مصادر مطلعة لم تسمها، أن الحديث يدور عن قنبلة انزلاقية ذكية من طراز GBU-39B تصنّعها شركة بوينغ الأميركية، استخدمها سلاح الجو الإسرائيلي بالغارة. وأضافت الصحيفة أن القنبلة، وعلى الرغم من إطلاقها في إطار عملية الاغتيال، لم تنفجر لسبب لم يتضح بعد، وبقيت سليمة نسبيا في موقع الهجوم، ما أثار قلقا في واشنطن من أن تتمكن أطراف أخرى، وعلى رأسها روسيا والصين، من الوصول إليها ودراسة تكنولوجيتها. وأشارت الصحيفة إلى أن القنبلة تحتوي على رأس حربي فعّال بشكل استثنائي نسبة إلى وزنها، إضافة إلى منظومات توجيه وتكنولوجيا لا تتوافر حاليا لدى موسكو أو بكين، بحسب ما نقلته الصحيفة عن مصادر لم تسمّها، ما يجعل استعادتها أولوية بالنسبة للولايات المتحدة.
محطات الزيارة البابوية
وكانت أبرز محطات زيارة البابا بالامس الى ضريح القديس شربل في دير مار مارون عنايا، في لفتة تسلّط الضوء على اهمية وقداسة هذا المكان الرمز. وقد استقبلته الرهبانية المارونية، ومعها حشود من المؤمنين الذين تحدوا الأمطار والبرد، واصطفوا على طول الطريق المؤدي إلى دير عنايا… وكان في استقباله الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الأباتي هادي محفوظ ورئيس دير مار مارون الأب ميلاد طربيه، فيما انتظره عند الضريح، إلى جانب رئيس الجمهورية جوزاف عون البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي. وعلى وقع الألحان الروحية السريانية والمارونية جثا الحبر الأعظم مصلّياً بصمت خاشع أمام الضريح، قبل أن يضيء شمعة مباركة قدمها للدير.
لبنان برعاية مار شربل
ألقى الأباتي محفوظ كلمة ترحيب معبرة، فيما قال البابا في كلمته أن ما يعلمنا إياه «هذا الإنسان الذي لم يكتب شيئا، وعاش مختفيا عن الأنظار وصامتا، لكن سرعته انتشرت في كل العالم»، وفي نداء قوي من أجل السلام، قال: «نريد اليوم أن نوكل إلى شفاعة القديس شربل كل ما تحتاج إليه الكنيسة ولبنان والعالم. من أجل الكنيسة نطلب الشركة والوحدة: بدءا بالعائلات، الكنائس البيتية الصغيرة، ثم الجماعات المؤمنة في الرعايا والأبرشيات، وصولا إلى الكنيسة الجامعة، شَرِكة ووحدة. أمّا من أجل العالم فلنطلب السلام. نطلب السلام، بصورة خاصة، من أجل لبنان وكل المشرق». وختم «أوكل لبنان وشعبه إلى حماية القديس شربل، حتى يسير دائما في نور المسيح».
بعدها، قدّم الرئيس العام للرهبانية للبابا أول طبعة من كتاب المزامير نُفّذَت عام 1610 في دير مار أنطونيوس ـ قزحيا. بدوره، قدّم رئيس دير مار مارون هديتَين باسم الدير، الأولى شمعة مسكوبة في مصنع الشمع الخاص بالدير، وعليها شعار البابا. فيما الثانية عبارة عن قنديل يرمز إلى القنديل المملوء ماءً الذي أضاءه القديس شربل وفيه ذخيرة للقديس.
زيارة سيدة الرجاء
ثم انتقل البابا لاون إلى بازيليك سيدة لبنان في حريصا، حيث ترأس لقاء مع الأساقفة والكهنة والمكرسين والعاملين في الحقل الرعوي، وألقى كلمة أشار فيها إلى «أن مزار حريصا هو علامة الوحدة لكل الشعب اللبناني، وفي وقوفنا مع مريم عند صليب يسوع تمنحنا الصلاة، وهي الجسر الخفي الذي يوحّد القلوب والقوة للاستمرار في الرجاء والعمل، حتى مع ضجيج الأسلحة من حولنا ومتطلبات الحياة اليومية». وقال: «إذا أردنا أن نبني السلام علينا التمسك بالمرساة التي تصلنا بالسماء ونتوجه إليها بثبات. لنحب ولا نخفْ من أن نفقد ما هو زائل، ولنعطِ بلا حساب».
وبعد الظهر، انعقد في ساحة الشهداء اللقاء الحواري بين الأديان، الذي جمع البابا برؤساء الطوائف في لبنان وأكثر من 300 مدعو، وتضمن ثماني كلمات للرؤساء الروحيين المسيحيين والمسلمين، إضافة إلى حضور منشدين من جوقات: «سيستاما بيروت ترنم»، و «دار الأيتام الاسلامية» و «مؤسسة الإمام الصدر».
البابا ولقاء العائلات الروحية
وانعقد اللقاء في خيمة بنيت خصيصاً لهذا الحدث، وضمت مسرحاً صمم بشكل دائري كرمز للعائلة الروحية المتحدة. وتخللته كلمة ترحيبية لبطريرك السريان الكاثوليك مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان، ثم تلاوة للإنجيل مرنماً حسب الطقس البيزنطي، فتلاوة لآيات من القرآن الكريم.
بعد ذلك، تم عرض وثائقي يتضمن شهادات حياة عن العيش المشترك والحوار بين الأديان، تلته 8 كلمات لرؤساء الطوائف بينهم بطريرك الروم الأرثوذكس يوحنا اليازجي ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، الذي تمنى للبابا «التوفيق في قيادة السفينة المسيحية على النحو الذي تجسده وثيقة الأخوة الانسانية بين شيخ الأزهر والبابا الراحل فرنسيس»، ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب الذي أمل في «أن تثمر الزيارة في تعزيز الوحدة الوطنية المهتزة في هذا الوطن المثقل بالجراح بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر». وقال «إننا مؤمنون بقيام الدولة لكننا في غيابها اضطررنا للدفاع عن أنفسنا في مقاومة الاحتلال الذي غزا أرضنا، ولسنا هواة حمل سلاح وتضحية بأبنائنا. وبناء على ما تقدم، نضع قضية لبنان بين أيديكم بما تملكون من إمكانات دولية علّ العالم يساعدنا على الخلاص من أزماته المتراكمة وفي طليعتها العدوان الإسرائيلي وما خلّفه ويخلّفه من تبعات على وطننا وشعبنا».
ثم كانت كلمة لشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز سامي أبي المنى اعتبر فيها «أن الخير سينتصر على الشر»، ودعا إلى «فتح أبواب المحبة وإغلاق نوافذ التعصب والتطرف وأن يكون صوت السلام أقوى من أصوات الحروب»، فكلمة لرئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ علي قدور الذي رأى في زيارة البابا «رسالة رجاء وبأن لبنان رغم ما يمر به من محن ما زال قادراً على النهوض برسالته».
شجرة الزيتون
وبعدها كانت كلمة البابا لاوون الرابع عشر، التي أعقبها غرسه شجرة زيتون رمزاً للسلام في وسط المكان. وأكد البابا انه «في زمن يبدو فيه العيش معاً حلماً بعيد المنال، يبقى شعب لبنان بدياناته المختلفة»، مذكّراً بقوة أمله وبدعمه الدائم للسلام و»أن الوحدة والشركة والمصالحة أمر ممكن. إنها رسالة لا تتغيّر عبر عقود: هذه الارض الحبيبة الشهادة الحقيقية بأن المسيحيين والمسلمين والدروز وغيرهم كثيرين يمكنهم أن يعيشوا معاً ويؤمنوا بالاحترام والحوار. إن كان لبنان مشهوراً بأرزه الشامخ، فإن شجرة الزيتون أيضاً تشكل حجراً اساسياً في تراثه». ..
بعد ذلك، عاد البابا لاون إلى الصرح البطريركي في بكركي، حيث احتشد حوالى 13 ألفاً من الشبيبة في باحة الصرح، في لقاء جسّد دور شبيبة لبنان في الرجاء ونقل رسالة السلام من لبنان إلى العالم العربي فالعالم بأسره. واختتم اليوم بعشاء في السفارة البابوية.
الأنباء:
يختتم البابا لاوُن الرابع عشر بعد ظهر اليوم زيارته لبنان التي كانت عابقة بالأمل والرجاء، غنية بالدلالات، اختلطت فيها المشاعر وتضاربت، وتداخلت ترددات الألحان السريانية العتيقة مع آذان القرآن وكأن الصلاة واحدة لدى أبناء السماء، فمن عنايا إلى بكركي وإلى وسط بيروت، مشهد واحد ودعوة واحدة إلى السلام والمحبة والمغفرة والتسامح والشراكة، والأهم من كل ذلك، دعوة إلى الحوار كواجب وطني والتعالي عن الجراح الخاصة أو الجماعية، لعلّ ذلك يُرشد هواة التقسيم والفدرالية ويوقظهم.
فعلى مساحة لبنان كله التقت المشاعر والتفت العائلات اللبنانية كافة حول الزائر الكبير يحدوها الأمل بالمستقبل الأفضل، لكن الغصة والقلق ظاهران في العيون على ما بعد الزيارة، بحيث تتجه الأنظار الى اليوم التالي مع استمرار التهديدات الإسرائيلية والضغوط الأميركية بوتيرتها العالية السقف، ومنها ما كشفته "الحدث" بأنّ "المبعوث الأميركي توم براك حمل رسالة للعراق تحذّر من عملية إسرائيلية قريبة ضد حزب الله بلبنان"، وأكد في رسالته أن "عملية إسرائيل في لبنان ستستمر حتى نزع سلاح حزب الله"، محذراً العراق من "ضربة إسرائيلية قاسية له إذا تدخلت الفصائل إلى جانب الحزب".
بعثة مجلس الأمن الدولي إلى بيروت
وغداة زيارة البابا تترقب بيروت وصول بعثة مجلس الأمن الدولي الخميس المقبل قادمة من سوريا وتضم 14 سفيراً يمثّلون الدول الأعضاء في المجلس باستثناء السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي ستحلّ محلها الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، والتي قد تصل إلى لبنان اليوم الثلاثاء أو صباح غد الأربعاء للمشاركة في اجتماع "الميكانيزم" في الناقورة.
ومن المقرر أن تلتقي البعثة الرؤساء الثلاثة وقائد الجيش وستتوجه إلى منطقة جنوب الليطاني للاطلاع على مدى سيطرة الجيش على المنطقة المحررة هناك. ونقل عن أورتاغوس أنها أبلغت المسؤولين اللبنانيين بأن المهلة المعطاة لنزع سلاح "حزب الله" تنتهي نهاية العام الجاري.
وفي هذا السياق، أشارت تقارير صحافية إسرائيلية الى سيناريوهات مختلفة حدّد البعض منها مواعيد للعملية العسكرية الإسرائيلية على لبنان بعد مغادرة قداسة الحبر الأعظم بيروت، بحيث اعتبر بعض التقارير أن "ما بعد زيارة البابا ليس كما قبله"، في إشارة الى حجم العملية العسكرية الإسرائيلية والمواقع التي قد تستهدفها.
كما يصل غداً الى بيروت وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لاستكمل المساعي المصرية – السعودية الهادفة الى سحب فتيل الانفجار والدفع باتجاه التهدئة.
اليوم الأخير من زيارة البابا
وفي العودة الى الأيام الحبرية البيضاء في لبنان واليوم الأخير لزيارة بابا السلام الذي يبدأه بزيارة العاملين والمُساعدين في مستشفى الصّليب في جلّ الدّيب، ثمّ وقفة صلاة صامتة في موقع الانفجار في مرفأ بيروت، على أن يترأس القدّاس في واجهة بيروت البحريّة، قبل أن تُقام مراسم الوداع في مطار رفيق الحريري الدّوليّ ظهراً، ليُغادر إلى روما عند السّاعة 1:15.
وكان اليوم الثاني لزيارة لاؤن الرابع عشر بدأ من ضريح القديس شربل في دير مار مارون مروراً بسيدة حريصا وصولاً الى لقاء البطاركة في السفارة البابوية واللقاء المسكوني في ساحة الشهداء وختاماً لقاء الشبيبة في بكركي.
وخلال جولته طلب البابا السلام للعالم وتضرّع خصوصاً من أجل لبنان وكل المشرق، مشدداً على أن لا سلام من دون محادثات وحوار.
اللقاء المسكوني
في ساحة الشهداء حمل حضور البابا لاؤن الرابع عشر الكثير من المعاني الوطنية السامية في اللقاء المسكوني والحوار بين الأديان، ونجح الحبر الأعظم في جمع طوائف لبنان الـ 18 ومكوّناته في لحظات صعبة يحتاج فيها كل الوطن إلى هذه المشهدية، فعلى بعد أمتار من مسجد محمد الأمين وكنيستين للموارنة والأرثوذكس في وسط بيروت، كانت دعوة البابا هي عيش الجميع تحت مظلة وطنية واحدة.
وأبدى البابا في كلمته تأثّره العميق بوجوده على "هذه الأرض المباركة التي احتلّت مكانة فريدة في التاريخ الديني والروحي"، ووصف لبنان بأنه "بلدٌ لم ينطفئ فيه صدى كلمة الله جيلاً بعد جيل، وبقي شاهداً حياً على حضور الإيمان". وأشار إلى أن "الكنيسة، وفق الإرشاد الرسولي الذي أعلنه البابا بنيديكتوس السادس عشر في بيروت عام 2012، مدعوّة إلى تعميق الحوار بين الأديان على أساس روحاني ولاهوتي، لا بدافع المصالح أو الحسابات السياسية، مستندة إلى روابط تجمع المسيحيين باليهود والمسلمين في الشرق الأوسط".
ورأى أنّ "مشهد المآذن وأجراس الكنائس جنباً إلى جنب هو شهادة على إيمان الشعب اللبناني بالإله الواحد، ودعوة إلى رفع صلاة مشتركة من أجل السلام في زمن تعصف فيه الصراعات بالمنطقة". واعتبر أنّ "لبنان، بتنوّع أبنائه، يقدّم للعالم مثالاً على إمكانية العيش المشترك وأن الخوف والأحكام المسبقة ليست الكلمة الأخيرة".
وتمنّى البابا في ختام كلمته أن "يشعّ عناق مريم العذراء – سيّدة لبنان – محبةً وسلاماً على جميع اللبنانيين، ليفيض هذا السلام على المنطقة والعالم، مثل الأنهار التي تجري من لبنان".
وفي ختام اللقاء غرس البابا لاؤن الرابع عشر شجرة زيتون قدمتها جوقة بيروت ترنم التي ضمت أطفالاً من جمعيات أهلية مختلفة منها دار الأيتام الإسلامية ومؤسسات الصدر الخيرية، وعاونه في غرسها شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى وبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي.
اللواء:
اليوم يُنهي البابا لاوون الرابع عشر رحلته التاريخية الى لبنان، ومعه دعمٌ مطلقٌ للبنان الرسالة، ورفع راية السلام والاستقرار في مواجهة استهداف لبنان والاعتداء على سلامه واستقراره.
وعكست الحفاوة اللبنانية البالغة التي استقبل بها لبنان الرسمي والروحي والشعبي والسياسي بابا الفاتيكان ارتياحاً لدى الزائر الكبير، الذي استمع الى شهادات الشبيبة، ومواقف ممثلي الطوائف الكبرى المكوِّنة للمجتمع اللبناني، وكادت العاطفة القوية لديه ان تكون الاجابة العملية لما سيسعى اليه البابا دفاعاً عن لبنان الرسالة، ونموذج التعايش، والطموح الى معاندة الازمات والمخاطر، بدءاً من المخاطر الاسرائيلية التي تتوعد البلد بمناسبة وبغير مناسبة.
وسيختم البابا زيارته التاريخية بقداس عند واجهة بيروت البحرية..
وقالت اوساط سياسية مطلعة لـ«اللواء» ان المحطة الثانية للحبر الأعظم لم تختلف عن محطته الأولى لناحية ما صدر عنه من مواقف بشأن تمسكه بمبدأ السلام والعيش المشترك، لكن هذه المحطة كانت حافلة باللقاءات والمواقف التي منحت فسحة امل للبنان وكان مستمعا فيها وعازما على الإصغاء.
ولفتت هذه المصادر الى ان توزع زيارات بين ضريح القديس شربل والصلاة ولقاء مع الاساقفة والكهنة والمكرَّسين والعاملين في الراعويات في مزار سيدة لبنان واللقاء المسكوني بين الأديان في ساحة الشهداء كما اللقاء مع كُلٍّ من الشباب في ساحة الصرح البطريركي في بكركي والبطاركة الكاثوليك في السفارة البابوية خطفت الأضواء وشهدت على النموذج الفريد للبلد وهو الذي يدركه البابا ويتفهم خصوصيته.
الى ذلك، لاحظت هذه المصادر استياء عدد من الشخصيات السياسية حول البروتوكول في لقاءات قداسة البابا الأمر الذي لم يؤثر على الاستقطاب الواسع لها شعبيا ورسميا، معلنة ان البابا لاوون الرابع عشر خاطب الجميع حول وقائع بعيدا عن اي إحباط انما حض على الأمل.
وكانت المحطة الأولى من زيارة البابا لاوون الرابع عشر الى بيروت مرت بسلام، محطة أظهرت نجاح الرئاسة الأولى في التحضير لهذه الزيارة وعكست قيمة لبنان المتنوعة وسعي هذا البلاد الى الرجاء الدائم وعدم الاستسلام. كل تفصيل سواء كان صغيرا او كبيرا كان كاملا في القصر الجمهوري الذي استقبل البابا بحفاوة بالغة تليق بالضيف الكبير. اقل من ساعتين امضاهما الحبر الأعظم في رحاب الرئاسة الأولى وكانتا اكثر من كفيلتين في ان يستمع من الرؤساء الثلاثة جوزاف عون ونبيه بري ونواف سلام كُلًّا على حرصهم على سعيهم الى السلام.
تحت عنوا«طوبى لفاعلي السلام»، جاءت زيارة الحبر الأعظم الى لبنان، وهي أولى خارجية له بعد توليه السدة البابوية.
في كلمة لكُلٍّ من البابا لاوون الرابع عشر ورئيس الجمهورية امام المسؤولين في البلاد من رؤساء سابقين ووزراء ونواب وسفراء ورؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية وكبار المسؤولين والأعلاميين، تحدثا لغة واحدة لغة الرجاء والمساحة الواحدة والشراكة وعدم اليأس. وقال الرئيس عون متوجها الى قداسة البابا : أبلغوا العالم اننا لن نموت ولن نستسلم، مركِّزاً على قدسية لبنان.
اما قداسة الحبر الأعظم فقال:يمكن أن يفتخر لبنان بمجتمع مدني نابض بالحياة، غني بالكفاءات، وبشباب قادرين على أن يعبّروا عن أحلام وآمال بلد بأكمله. أشجعكم إذاً على ألا تنفصلوا أبداً عن شعبكم، وأن تضعوا أنفسكم في خدمة شعبكم، الغني بتنوّعه، بالالتزام والتفاني.
ولاحظت اوساط مراقبة عبر «اللواء» كيفية اختيار البابا التعابير الموجهة الى اللبنانيين ونضالاتهم وتنوعهم الديني وأهمية حض الشباب على العودة الى الوطن، مشيرة الى ان هذا الخطاب تلاقى مع خطاب الرئيس الذي كان متكاملا ومفصلا في نقاط السلام والتعايش.
وقالت ان هناك عدة خطابات لقداسة البابا والتي يمكن ان يستشف منها الرسائل التي يراد إيصالها والتي لا تختلف عن رسائل الباباوات الذين زاروا لبنان وأرسوا ثقافة المحبة والإيمان.
إذاً في القصر الجمهوري في بعبدا كان الحشد السياسي بإختلاف اطيافه على موعد مع لقاء ضيف جمع في زيارته المتناقضين في صورة يحتاجها لبنان الرازح تحت أعباء عدة ويواجه تهديدات يومية.
وعلى طريق القصر ايضا، كان الإستقبال الشعبي مشهدية تحدَّت عوامل الطقس للترحيب ببابا السلام.
وكانت زيارة البابا لاوون الرابع عشر الى لبنان طغت على المشهد اللبناني بكل وجوهه السياسية والروحية حتى الامنية، ولكنها تزامنت مع استمرار الاعتداءات الاسرائيلية وتحذيرات من الاحتلال ومن الموفد الاميركي توم براك وتسريبات عن ان التصعيد العسكري ضد لبنان حاصل بعد زيارة البابا، على امل ان يتولى الحبر الاعظم في اتصالاته لا سيمامع الجانب الاميركي العمل على تهدئة التصعيد الاسرائيلي. بإنتظار ما ستحققه المساعي التي ستتجدد هذا الاسبوع لمنع اي تصعيد يؤدي الى مواجهة عسكرية جديدة، مع الكلام عن احتمال ان يرد حزب لله على الخروقات المعادية، فيما اعلن جيش الاحتلال حالة التأهب على الحدود الشمالية لفلسطين مع لبنان وسوريا وتفقد قائد الجبهة الشمالية الجنرال ميلو جنوده هناك.
اليوم الثاني
وبُعيد الساعة السابعة والنصف اختتم البابا يومه الثاني وعاد الى مقر السفارة البابوية.
وكان نشاط اليوم الثاني حافلاً، فزار البابا لاوون بازيليك سيدة لبنان حريصا، وترأس اللقاء المخصص للاساقفة والكهنة المكرسين والعاملين في الحقل الرعوي، وقال في كلمة اننا نتضرع الى لله من اجل لبنان وكل المشرق، مؤكداً ان لا سلام من دون محادثات وحوار.
وفي ساحة الشهداء وسط بيروت، عقد اللقاء المسكوني والحواري بين الاديان الذي جمع البابا برؤساء الطوائف المسيحية والاسلامية، واكثر من 300 مدعوٍّ.
وخاطب البابا الشبيبة في لقاء بكركي، المستقبل بين ايديكم ولديكم فرصة تاريخية لتغيير المستقبل والحب قادر على معالجة جروح الجميع، ومباركون من يحملون السلام، ويضعونه وهولاء هم ابناء لله.
وخصص اليوم الثاني للصلاة، مروراً بسيدة حريصا وصولاً الى لقاء البطاركة في السفارة البابوية واللقاء المسكوني وتم لقاء الشبيبة في بكركي.
بابا السلام والتسامح
وانشغل المسؤولون بالزيارة، وما صدر من مواقف عن البابا يومي الاحد والاثنين لا سيما حول الدعوة الى تحقيق السلام، كل المسؤولين الرسميين والنواب والقوى السياسية والكنيسة بكل تنوعها والقيادات الروحية الاسلامية، لا سيما في محطتين من محطات الزيارة: محطة وصول البابا الى المطار بعد ظهر الاحد والاستقبال الحاشد له على طريق المطار في الضاحية الجنوبية من قبل حزب لله الذي حشد 3 آلاف كشفي من كشافة المهدي بأعلامهم وفرقتهم الموسيقية. ومحطة الاستقبال الرسمي له في القصر الجمهوري بحضور الرؤساء جوزيف عون ونبيه بري ونواف سلام والوزراء ورؤساء واعضاء الكتل النيابية، وكان بينهم رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد على رأس وفد من الكتلة.
وعقد البابا لاوون اجتماعات قصيرة منفصلة مع الرؤساء عون وبري وسلام، تناول البحث خلالها الوضع اللبناني لا سيما احتلال اسرائيل لمساحات واسعة من الاراضي اللبنانية في الجنوب واستمرار اعتدءاتها على لبنان وخروقاتها للقرار 1701 واتفاق وقف الاعمال العدائية. وسبل التوصل الى تسوية للموضوع.
والقى الرئيس عون كلمة في استقبال البابا بالقصر مما قال فيها: واجبٌ الإنسانية الحية الحفاظِ على لبنان. لأنه إذا سقطَ هذا النموذجُ في الحياة الحرة المتساوية بين أبناء ديانات مختلفة، فما من مكانٍ آخرَ على الأرض، يَصلحُ لها. وكما قلت في نيويورك، أكرر من بيروت: إذا زالَ المسيحيُ في لبنان، سقطت معادلة الوطن، وسقطت عدالتُها. وإذا سقطَ المسلمُ في لبنان، اختلت معادلة الوطن، واختلّ اعتدالها. وإذا تعطل لبنانُ أو تبدل، سيكونُ البديلُ حتماً، خطوطَ تماسٍ في منطقتِنا والعالم، بين شتى أنواعِ التطرّفِ والعنفِ الفكري والمادي وحتى الدموي.
اضاف عون: ونحن نجزم اليوم، بأن بقاء هذا اللبنان، الحاضر كله الآن من حولكم، هو شرط لقيام السلام والأمل والمصالحة بين أبناء ابراهيم كافة. وفي أرضنا اليوم، وأرض منطقتنا، الكثير من القهر، والكثير من المتألمين. وجراحهم تنتظر لمستكم المباركة. وتتطلع إلى سماع وإسماع صوتكم العظيم الشجاع.
وتابع: أبلغوا العالم عنا، بأننا لن نموت ولن نرحل ولن نيأس ولن نستسلم. بل سنظل هنا، نستنشق الحرية، ونخترع الفرح ونحترف المحبة، ونعشق الابتكار، وننشد الحداثة، ونجترح كل يوم حياة أوفر… أبلغوا العالم عنا، بأننا باقون مساحة اللقاء الوحيدة، في كل منطقتنا، وأكاد أقول في العالم كله. حيث يمكن لهذا الجمع أن يلتقي حول خليفة بطرس. ممثلين متفقين لكل أبناء ابراهيم، بكل معتقداتهم ومقدساتهم ومشتركاتهم… فما يجمعه لبنان، لا يسعه أي مكان في الأرض. وما يوحده لبنان لا يفرقه أحد. بهذه المعادلة يعيش لبنان في سلام مع منطقته، وفي سلام منطقته مع العالم.
اما البابا فقال في كلمته: إنّه لفرحٌ كبيرٌ لي أن ألتقي بكم وأزور هذه الأرض حيث «السّلام» هو أكثر من مجرَّد كلمة: السّلام هنا هو شَوق وهو مصير، وهو عطيّة وورشة عمل مفتوحة دائمًا. أنتم مكلَّفون بالسُّلطة في هذا البلد، كلٌّ في مجاله الخاصّ وبأدوار محدّدة. ومن منطلق هذه السُّلطة، أودّ أن أوّجه إليكم كلام يسوع، الذي تمّ اختياره ليكون مصدر إلهام أساسيّ لهذه الزّيارة: طوبى لفاعلي السّلام».. بالتّأكيد، هناك ملايين اللبنانيّين، هنا وفي كلّ العالم، يخدمون السّلام بصمت، يومًا بعد يوم. أمّا أنتم، الذين تحملون المسؤوليّات المختلفة في مؤسّسات هذا البلد، فلَكُم تطويبة خاصّة إن استطعتم أن تُقَدِّموا هدف السّلام على كلّ شيء. أودّ، في لقائنا هذا، أن أفكّر معكم قليلًا في معنى أن نكون فاعلي سلام في ظروف بالغة التّعقيد، ومليئة بالصّراعات والاضطراب.
اضاف: باﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺟﻤﺎل اﻟﻄّﺒيـﻌﺔ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن وﻏِﻨﺎه اﻟﺜّﻘﺎﻓﻲّ، اﻟﻠﺬيـﻦ أﺷﺎد ﺑهـﻤﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺟﻤيـﻊ أﺳﻼﻓﻲ اﻟﺬيـﻦ زاروا ﺑﻠﺪﻛﻢ، ﺗﺘﺠﻠّﻰ ﺻﻔﺔٌ ﺗُﻤيـّﺰ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧيـّيـﻦ: أﻧﺘﻢ ﺷﻌﺐ ﻻ يـﺴﺘﺴﻠﻢ، ﺑﻞ يـﻘﻒ أﻣﺎم اﻟﺼّﻌﺎب ويـﻌﺮف داﺋﻤًﺎ أن يـُﻮﻟَﺪ ﻣﻦ ﺟﺪيـﺪ ﺑﺸﺠﺎﻋﺔ. ﺻﻤﻮدﻛﻢ هـﻮ ﻋﻼﻣﺔ ﻣﻤيـّﺰة ﻻ يمكن اﻻﺳﺘﻐﻨﺎء ﻋﻨهـﺎ ﻟﻔﺎﻋﻠﻲ اﻟﺴّﻼم اﻟﺤﻘيـﻘيـّيـﻦ: ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ، ﻋﻤﻞ اﻟﺴّﻼم هـﻮ ﺑﺪايـﺔ ﻣﺘﺠﺪّدة وﻣُﺴﺘﻤﺮّة. اﻻﻟﺘﺰام ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺴّﻼم، وﻣﺤﺒّﺔ اﻟﺴّﻼم ﻻ يـﻌﺮﻓﺎن اﻟﺨﻮف أﻣﺎم اﻟهـﺰاﺋﻢ اﻟﻈّﺎهـﺮة، وﻻ يـﺴﻤﺤﺎن ﻟﻠﻔﺸﻞ ﺑﺄن يـﺜﻨيـهـﻤﺎ، ﺑﻞ طﺎﻟِﺐ اﻟﺴّﻼم يـﻌﺮف أن يـﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺒﻌيـﺪ، ﻓيـﻘﺒﻞ ويعاﻧﻖ ﺑﺮﺟﺎء وأﻣﻞ ﻛﻞّ اﻟﻮاﻗﻊ. يـﺘﻄﻠّﺐ ﺑﻨﺎء اﻟﺴّﻼم ﻣﺜﺎﺑﺮة، وﺣﻤﺎيـﺔ اﻟﺤيـﺎة وﻧﻤﻮّهـﺎ ﺗﺘﻄﻠّﺐ إﺻﺮارًا وﺛﺒﺎﺗًﺎ.
وتابع: ﺗﺒﺪو اﻟﻘﺮارات اﻟﻜﺒﺮى وﻛﺄﻧّهـﺎ ﺗُﺘّﺨﺬ ﻣﻦ ﻗِﺒﻞ ﻗﻠّﺔ ﻣﻦ اﻟﻨّﺎس، وأﺣيـﺎﻧًﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻟﺨيـﺮ اﻟﻌﺎم، ويـَﻈهـﺮ ذﻟﻚ ﻛﺄﻧّﮫ ﻗﺪرٌ ﻣﺤﺘﻮم. أﻧﺘﻢ ﻋﺎﻧَيـﺘﻢ اﻟﻜﺜيـﺮ ﻣﻦ ﺗﺪاﻋيـﺎت اﻗﺘﺼﺎد ﻗﺎﺗﻞ، وﻣﻦ ﻋﺪم اﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺬي ﺧﻠّﻒ آﺛﺎرًا ﻣﺪﻣّﺮة ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺮق أيـﻀًﺎ، وﻣﻦ اﻟﺘّﺸﺪّد وﺗﺼﺎدم اﻟهـﻮيـّﺎت وﻣﻦ اﻟﻨّﺰاﻋﺎت، ﻟﻜﻨّﻜﻢ أردﺗﻢ وﻋﺮﻓﺘﻢ داﺋﻤًﺎ أن ﺗﺒﺪأوا ﻣﻦ ﺟﺪيـﺪ».
لكن البابا رأى انه «يـﻤﻜﻦ أن يـﻔﺘﺨﺮ ﻟﺒﻨﺎن ﺑﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲّ ﻧﺎﺑﺾ ﺑﺎﻟﺤيـﺎة، ﻏﻨﻲّ ﺑﺎﻟﻜﻔﺎءات، وﺑﺸﺒﺎب ﻗﺎدريـﻦ ﻋﻠﻰ أن يـﻌﺒّﺮوا ﻋﻦ أﺣﻼم وآﻣﺎل ﺑﻠﺪ ﺑﺄﻛﻤﻠﮫ. أﺷﺠّﻌﻜﻢ إذاً ﻋﻠﻰ أﻻّ ﺗﻨﻔﺼﻠﻮا أﺑﺪًا ﻋﻦ ﺷﻌﺒﻜﻢ، وأن ﺗﻀﻌﻮا أﻧﻔﺴﻜﻢ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺷﻌﺒﻜﻢ، اﻟﻐﻨﻲّ ﺑﺘﻨﻮّﻋﮫ، ﺑﺎﻻﻟﺘﺰام واﻟﺘّﻔﺎﻧﻲ».وقال:ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ، اﻟﺴّﻼم هـﻮ أﻛﺜﺮ ﺑﻜﺜيـﺮ ﻣﻦ ﺗﻮازن داﺋﻤًﺎ ﻣهـﻠهـﻞ، ﺑيـﻦ اﻟﺬيـﻦ يـﻌيـﺸﻮن ﻣﻨﻔﺼﻠيـﻦ ﺗﺤﺖ ﺳﻘﻒ واﺣﺪ. اﻟﺴّﻼم هـﻮ أن ﻧﻌﺮف أن ﻧﻌيـﺶ ﻣﻌًﺎ، ﻓﻲ وَﺣﺪة وﺷﺮﻛﺔ، ﻣﺘﺼﺎﻟﺤيـﻦ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ. اﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ، اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ ﺑﺄن ﻧﻌيـﺶ ﻣﻌًﺎ، وﺗُﻌَﻠِّﻤﻨﺎ أيـﻀًﺎ أن ﻧﻌﻤﻞ ﻣﻌًﺎ، ﺟﻨﺒًﺎ إﻟﻰ ﺟﻨﺐ، ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﺸﺘﺮك. إذاّك، يـﺼيـﺮ اﻟﺴّﻼم ﺗﻠﻚ اﻟﻮﻓﺮة اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺪهـﺸﻨﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ يـﺘّﺴﻊ أﻓﻘﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ وراء ﻛﻞّ ﺣد وﺣﺎﺟﺰ.
اما نهار يوم امس، فكان كنسياً وروحياً بإمتياز حيث زار البابا دير مار مارون في عنايا واضاء شمعة على ضريح القديس شربل، وقال امام الضريح: أن لله أنعم عليّ بهذه الزيارة للمزار التي طالما تمنيتها. نطالب بالسلام للعالم وتحديدًا للبنان والشرق الأوسط ونذكّر أن لا سلام من دون محادثات.
وكتب البابا عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس»: نود في هذا اليوم أن نوكل احتياجات الكنيسة ولبنان والعالم إلى شفاعة القديس شربل. للكنيسة نطلب الوحدة. وللعالم نطلب السلام، لاسيما من أجل لبنان ومن أجل المشرق. لا سلام بدون ارتداد القلوب. ليساعدنا القديس شربل على التوجه إلى لله طالبين منه هبة الارتداد.
ثم القى كلمة امام الحضور مما قال فيها: من أجل الكنيسة نطلب الشركة والوحدة بدءًا بالعائلات الكنائس البيتية الصغيرة، ثم الجماعات المؤمنة في الرعايا والأبرشيات، وصولاً إلى الكنيسة الجامعة. شركة ووحدة. أما من أجل العالم فَلنَطلبِ السَّلام. نطلب السلام، بصورة خاصة، من أجل لبنان وكل المشرق.
وانتقل البابا من عنايا الى بازيليك سيدة حريصا للقاء الاساقفة ومسؤولي الشبيبة بحضور الرئيس عون وزوجته والبطريرك بشارة الراعي، حيث جرت صلاة. والقى كلمة مما قال فيها: هذا الموقع الموحّد للشعب اللبناني يعطينا دفعًا لمواصلة الصلاة رغم صوت السلاح. أفكر في المسؤولية التي تقع علينا جميعا تجاه الشباب ومن الضروري أن نعزز حضورهم حتى في المجالات الكنسية بالرحمة ننتصر والشباب مسؤوليتنا.وخاطب اللبنانيين قائلا: كونوا مبدعين كي تنتصر الرحمة.
وإحتضنت ساحة الشهداء في وسط بيروت، عند الرابعة من بعد ظهر امس، اللقاء المسكوني والحواري بين الأديان، الذي جمع البابا لاوون الرابع عشر برؤساء الطوائف في لبنان وأكثر من 300 مدعوٍّ. وعقد اللقاء في خيمة بنيت خصيصاً لهذا الحدث والتي تضم مسرحاً صمم بشكل دائري كرمز للعائلة المتحدة. وغرس في وسط المكان شجرة زيتون رمزا للسلام.اضافة الى حضور منشدين من جوقات: «سيستاما بيروت ترنم»، ودار الأيتام الاسلامية و«مؤسسة الإمام الصدر».
وشارك في اللقاء كل رؤساء الطوائف اللبنانية وحشد من رجال الدين، وتحدث رؤساء الطوائف عن ضرورة التلاقي والحوار وتكريس العيش الواحد «مع الحفاظ على الخصوصيات» كما قال مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في كلمته. اما البابا فألقى كلمة مؤثرة مما قال فيها: يرتكز الحوار في الشرق الاوسط على الراوبط الروحية التي تجمع المسيحيين مع المسلمين واليهود. في هذه الأرض لم ينطفئ صدى الكلمة وتنظر الانسانية الى الشرق الاوسط بقلق وإحباط أمام صراعات مؤلمة عبر الزمن ومع ذلك رغم التحديات نجد معنى للرجاء والعزاء.ويبقى شعب لبنان بدياناته المختلفة يذكّر بقوة بأن الأحكام المسبقة ليست لها الكلمة الأخيرة، انما المصالحة والسلام أمر ممكن وهذه الارض شاهدة للحقيقة الدائمة بأن المسيحيين والاسلام والدروز وسواهم قادرون على العيش معاً في بلد يتحلى بالحوار.
اضاف: الحوار يجب أن يرفض التفرقة والاضطهاد، وإن كان لبنان مشهوراً بأرزه الشامخ فإن شجرة الزيتون تشكّل حجر أساس في تراثه ومذكورة في النصوص المقدسة لدى الاسلام والمسيحيين واليهود. هذا الحوار لا تمليه أولا اعتبارات براغماتية سياسية أو اجتماعية، بل يستند، قبل كل شيء، إلى أُسَسٍ لاهوتية مرتبطة بالإيمان.
واوضح انه في زمن يبدو فيه العيش معا حُلُمًا بعيد المنال، يبقى شعبُ لبنان، بدياناته المُختَلِفَة، مذكّرًا بقوة بأنّ الخوف، وانعدام الثقة والأحكام المُسبَقَةِ ليست لها الكلمةُ الأخيرة، وأنّ الوحدة والشركة والمصالحة والسّلامَ أمرٌ مُمكن. إنّها رسالة لم تتغيَّر عبر تاريخ هذه الأرض الحبيبة.
واكدالبابا: الشهادة للحقيقة الدائمة بأنّ المسيحيين والمسلمين والدّروز وغيرهم كثيرون، يُمكنهم أن يَعِيشُوا معا ويَبنُوا معًا وطنًا يَتَّحدُ بالاحترام والحوار.
وشهد الصرح البطريركيّ في بكركي لقاء مميزا للبابا لاوون الرابع عشر، في السادسة من غروب الامس، مع شباب لبنان والعالم في باحة الصرح الخارجية. وتسجل أكثر من 12 الف و800 شخص على منصة اللقاء من مختلف الطوائف والكنائس المارونية والأرثوذكسية والبروتستانية واللاتينية والإنجيلية، إضافة الى ممثلين عن الطوائف الإسلامية ومعهم مجموعات تتعاون مع مكتب راعوية الشبيبة في لقاءات اللجنة المسكونية ولجنة العلاقات مع الأديان الأخرى.
وبعد عروض مسرحية دينية وشهادات من شباب لبنان عن تجاربهم، انتهى اللقاء بكلمة للبابا مما قال فيها:أشكركم جميعا على هذا الاستقبال وأشكر البطريرك الراعي على كلماته المعبّرة وأحيي الشباب القادمين من لبنان وسوريا والعراق والاردن.
أضاف: الشهادات التي سمعتها تحكي عن الامل والحب رغم الصعاب التي يواجهها الشباب اللبناني.أن تاريخ لبنان كان مليئاً بالإنجازات والتميّز لكن فيه أيضاً جروحاً عميقة يصعب معالجتها.
تابع: المستقبل بين أيديكم ولديكم فرصة تاريخيّة لتغيير المستقبل والحبّ قادر على معالجة جروح الجميع.وأن وطنكم سيستعيد شبابه علامة الوحدة والخصوبة عند الشعب.
ورأى ان «السلام ليس كاملاً إنّ كان ثمرة مصالح لبعض الشخصيات، وليس هناك من سلام من دون عدالة ولا عدالة من دون غفران».
واكد ان لبنان سيزدهر مجدداً بشكل جميل وشامخ كالأرزة ونجد الكثير من الميزات في المجتمع اللبناني نتيجة العمل الشجاع والدؤوب للكثيرين ممّن يشبهون جذور الأرزة المترسخة في الأرض.
وقال البابا للشبيبة: كونوا مصدر الأمل الذي تنتظره هذه البلاد، ويسوع مات وقام من أجل خلاصنا جميعاً وهو دليل الصفح الذي ينجينا من كل شرير ومنه نتعلم السلام. لا سلام من دون عدالة ولا عدالة من دون تسامح وأجمل صورة لوجود لله بيننا هو الحب والمساعدة.
وفد مجلس الأمن
على صعيد دبلوماسي، تصل بعد غد الخميس الى بيروت بعثة مجلس الامن الدولي آتية من سوريا، وتضم 14 سفيراً يمثلون الدول الاعضاء باستثناء السفيرة دورثي شيا، ممثلة الولايات المتحدة في المجلس، حيث ستحل مكانها السفيرة مورغن اورتاغوس، والتي قد تصل اليوم او صباح غد للمشاركة في اجتماع الميكانيزم في الناقورة.
وفي برنامج البعثة الاممية للقاءات تشمل الرؤساء الثلاثة وقائد الجيش للاطلاع على مدى سيطرة الجيش على المنطقة المحررة هناك.
وترددت معلومات ان الميكانزيم ستعقد اجتماعها الخميس بالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء للاستماع الى التقرير الثالث عن حصر السلاح جنوب الليطاني، والذي سيقدمه قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل.
وجرت تكهنات ان اورتاغوس، قد تتطرق الى المفاوضات بين لبنان واسرائيل لجهة المستوى التفاوضي الذي لا يمانع لبنان من الوصول اليه، سواءٌ على الصعيد المدني او الدبلوماسي، وقد تعود الجمعة الى بيروت للقاء المسؤولين في ضوء اجتماع الميكانيزم.
وفي السياق الدبلوماسي الاميركي، ذكرت مصادر قناة «الحدث» : أنّ المبعوث الأميركي توم براك حمل رسالة للعراق تحذّر من عملية إسرائيلية قريبة ضد حزب لله بلبنان.وأوضحت المصادر أنّ براك أكد برسالته للعراق أن عملية إسرائيل في لبنان ستستمر حتى نزع سلاح حزب لله. وحذر براك العراق «من ضربة إسرائيلية قاسية له إذا تدخلت الفصائل إلى جانب حزب لله».
ومن المرتقب ان يصل وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني غداً الأربعاء إلى بيروت في زيارةٍ يلتقي خلالها الرؤساء الثلاثة، في اطار المساعي العربية ومنها المصرية والسعودية لمعالجة التوترات عند الحدود.
تراجع الاعتداءات ومواصلة التهديدات
ولئن كانت نسبة الاعتداءات تراجعت بعض الشيء، واقتصرت على اعمال استفزازية كإطلاق القنابل، او استعراض القوة بمواجهة الاهالي في القرى الامامية، فإن المخاوف آخذة بالتزايد مع عدوانية.
وقد بدأ الاحتلال الاسرائيلي حملة اتهامات ضد قوات اليونيفيل بهدف تسريع انسحابها من جنوب لبنان، ليأخذ مداه في العداون على لبنان من دون رقابة دولية على انتهاكاته لإتفاق وقف الاعمال العدائية. وفي هذا الاطار، زعمت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي «أن الجيش أعرب عن قلقه من تسريب اليونيفيل معلومات عسكرية واستخباراتية حساسة إلى حزب لله».
ونقلت عن مسؤول عسكري رفيع المستوى قوله: «إن اليونيفيل قوة مزعزعة ولا تساهم في نزع سلاح حزب لله».وأضاف: وجود اليونيفيل يمس حرية عملنا وقلقون من تسرب صور أنشطة قواتنا لحزب لله..وكلما أسرعت اليونفيل في مغادرة المنطقة وإنهاء أنشطتها كان ذلك أفضل».
وزار قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال الإسرائيلي رافي ميلو، مواقع عسكرية على امتداد الحدود مع سوريا ولبنان، للاطلاع على تدريبات القوات وإجراء تقييمات ميدانية للجهوزية.
وبحسب ما نقلت صحيفة «جيروزاليم بوست»، أجرى ميلو سلسلة اجتماعات ميدانية خلص فيها إلى «أنّ القوات المنتشرة في مستوى عالٍ من التأهب دفاعيًا وميدانيًا، ومستعدة لأي تطورات محتملة في منطقتي سوريا ولبنان».وقال ميلو: إن الجيش لن يسمح بترسُّخ الإرهاب على الحدود، وأن وحدات الجيش ستواصل العمل بحزم وبمبادرة لإزالة التهديدات قبل تطورها!
وتطرّق ميلو إلى العملية الأخيرة في بلدة بيت جن بريف دمشق، التي وصفها بأنها «جزء من سلسلة عمليات واسعة لمكافحة الإرهاب جنوبي سوريا، مشيرًا إلى إصابة ستة جنود من قوات الاحتياط خلالها.
وأضاف: أن الجيش ماضٍ في «العمل الاستباقي» في المناطق الحدودية، معتبرًا أن الدفاع المتقدم هو عنصر أساسي في حماية المستوطنات والحدود الشمالية.وختم ميلو بالقول: لا يمكننا انتظار أن يهاجم العدو أولًا، علينا أن نكون المبادرين، وأن نكون السدّ الأول أمام أي تهديد.
وفي سياق متصل، أفادت صحيفة «معاريف» العبرية امس، أن الولايات المتحدة وجّهت طلباً عاجلاً إلى الحكومة اللبنانية لاستعادة قنبلة جوية إسرائيلية ذكية من طراز GBU-39B لم تنفجر بعد سقوطها في الضاحية الجنوبية خلال الغارة التي استهدفت القيادي في حزب لله هيثم علي الطبطبائي.وبقيت القنبلة سليمة في موقع الهجوم، ما أثار مخاوف واشنطن وتل أبيب من أن تتمكن روسيا أو الصين من الوصول إليها والحصول على تقنيات عسكرية متقدمة مدمجة فيها.وتُعد هذه القنبلة من أبرز الذخائر الدقيقة التي تصنّعها شركة بوينغ، وتتميّز برأس حربي فعّال قياساً إلى وزنها، إضافة إلى منظومات توجيه وتكنولوجيا لا تتوفر لدى موسكو أو بكين، وفق الصحيفة، لذلك تصرّ الولايات المتحدة على استعادتها سريعاً، معتبرة الأمر أولوية لمنع تسرُّب أي معلومات حساسة تتعلق بقدراتها العسكرية المتطورة.
نداء الوطن:
ثلاثة أيام سماوية يعيشها اللبنانيون التوّاقون إلى القيامة، بعد سنوات من الصلب على خشبة المحاور والحروب. في اليوم الثاني لزيارة الحبر الأعظم، تجلّى لبنان بأبعاده الثلاثة: قداسة عابقة من “قمّة عنايا” بين القديس شربل وقداسة البابا لاوون الرابع عشر، تلتها محطة روحية جامعة مع الأساقفة والكهنة والمكرسين والمكرسات في حريصا، ولقاء خاصّ مع البطاركة الكاثوليك في السّفارة البابويّة؛ تنوّع وتعدديّة تجسّدا في اجتماع ممثلي الطوائف في ساحة الشهداء؛ وروح لبنانية متجدّدة تنبض في الشبيبة الباحثة عن وطن يشبه أحلامها.
نبض الشباب يطوف بكركي
في هذا السياق، أشار مصدر كنسي لـ “نداء الوطن”، إلى أن المحطة التي رفعت المعنويات، وأعادت الأمل بالمستقبل، كانت لقاء الشبيبة في بكركي مساء أمس. إذ فاق عدد المشاركين التوقعات. وبرز من خلاله إيمان الشباب المسيحي، رغم ما يُقال عن ابتعاد الجيل الجديد عن الكنيسة. وتجلّى التفاعل العميق بين قداسة البابا وجيل المستقبل، إذ جال بينهم بلا حواجز، واستمع لهواجسهم، وردّ عليها بعفوية واهتمام.
وبحسب المصدر، أعطى اللقاء انطباعًا قويًا بأن المسيحيين ما زالوا هنا، وأن العصب المسيحي حيّ ونابض، مفندًا كل الادعاءات حول تلاشي الوجود المسيحي بفعل الحروب والهجرة والتراجع الديموغرافي. هذا النبض، عبّر عنه أيضًا، عضو الكونغرس الأميركي ليندسي غراهام، حيث لفت في منشور عبر “أكس”، إلى أن “زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان تأتي في لحظة حرجة”. وقال “إن وجوده يذكرنا بقوة المجتمع المسيحي ووحدته في لبنان، كما إن رسالة السلام التي يحملها تبعث الأمل في نفوس شعب عانى الكثير”. وأضاف: “نأمل أن تجلب زيارته الراحة والشفاء والتزامًا متجددًا للمصالحة بين لبنان وإسرائيل وجميع جيرانه”.
ولفت المصدر إلى أن بكركي، كما أكّد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أمام البابا والشبيبة، ستبقى حامية الجمهورية اللبنانية، متمسكة بدورها التاريخي، داعية إلى بناء لبنان جديد بعيدًا من العنف واستنساخ الماضي. فلقاء الشبيبة، ببساطته وعمقه، أظهر أن لبنان لا يزال بخير، وأن الأمل قائم شرط الصبر والاستمرار بالنضال وسط الظلمة.
وقد حمل البابا رسالة سلام وفرصة تاريخية للبنان، فيما عبّر الشباب بوضوح عن رغبتهم في هذا السلام، لبناء مستقبل يليق بهم. وختم المصدر بالقول: “هذا هو وجه لبنان الحقيقي، وهذه هي مطالب شعبه. والبابا، بصوته ورمزيته، يدعم هذا الخيار. لقد آن الأوان لإنهاء الظلم المزمن، والخروج من دوّامة المحاور والحروب، والسير نحو حيادٍ يفتح الطريق إلى السلام الحقيقي”.
وكانت الساحات الخارجية للصرح البطريركي امتلأت بالآلاف من اللبنانيين والوافدين من دول عدّة، ومن مختلف الفئات العمرية، غلبت عليها الطابع الشبابي، وقد رفعت الأعلام البابوية واللبنانية ترحيبًا بقداسة البابا. وقد وُزعت شاشات عملاقة في الساحات، نقلت أجواء التحضيرات واللوحات الترنيمية والرمزية الخاصة بالمناسبة، وسط دعوات إلى أن يكون الحشد رسالة حيّة لقداسته بأن هذا الجمهور هو جمهور سلام.
وحدة مسكونية في ساحة الشهداء
بعد أن مزقته “وحدة الساحات” و”حروب الإسناد”، عكس لقاء ساحة الشهداء صورة لبنان المتعدّد، غير المتقاتل، المتعايش بطوائفه ومكوناته. وتوقفت المصادر عند كلمة نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، التي لاقت وقعًا إيجابيًا، خصوصًا حين أكد “أننا لسنا من هواة حمل السلاح والتضحية بأبنائنا”، واضعًا “قضية لبنان بين أيديكم، لعلّ العالم يعيننا على الخروج من أزماته المتراكمة”. وكانت لافتة أيضًا كلمة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي، التي استعاد فيها سيرة شارل مالك لما يمثله من رمزية ودور ريادي في إيصال القضية اللبنانية إلى المحافل الدولية. فقال: “أهلاً بكم في لبنان، الوطن الرسالة، وهو اللقب الذي أطلقه شارل مالك، ابن كنيستنا الأنطاكية الألمعي، والذي كان له الدور الأساسي في إقرار شرعة حقوق الإنسان. وهو اللقب نفسه الذي أكّده لاحقًا قداسة البابا يوحنا بولس الثاني خلال زيارته للبنان”.
وفي ختام اللقاء المسكوني والحواري بين الأديان الذي جمع البابا برؤساء الطوائف في لبنان ونحو 300 مدعو، غرس البابا مع البطريرك اليازجي وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز سامي أبي المنى غرسة زيتون قدمها له طفلان، على وقع ترانيم في مساء الورد يا مريم ونشيد المخلوقات، ثم صورة تذكارية بالمناسبة، وصافح البابا في نهاية اللقاء عددًا من الحاضرين، وغادر على وقع التصفيق.
رسالة إلى العراق ليَسمع لبنان
فيما يرجو اللبنانيون أن تطول بركة هذه الزيارة، فتُبعد عنهم شبح الأزمات ومخاوف الحروب، كشفت “الحدث” عن رسالة تحذيرية وجّهها توم براك إلى العراق، حملت إنذارًا من عملية إسرائيلية وشيكة ضد “حزب الله” في لبنان، هدفها نزع سلاحه بالكامل، مع دعوة واضحة للفصائل العراقية بعدم مؤازرته.
أما على خطّ تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وسحب سلاح “حزب الله”، فعلمت “نداء الوطن” أن مورغان أورتاغوس، التي ستحضر اجتماع “الميكانيزم” الخميس، لم تطلب حتى الآن أي موعد من القصر الجمهوري في بعبدا، أو من السراي الحكومي أو عين التينة، ما يشير إلى أن زيارتها قد تقتصر على الشق العسكري، ما لم يطرأ تعديل على جدول مواعيدها في الساعات المقبلة. وأفادت مصادر بأن وفد سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن، الذي يزور لبنان الخميس ويلتقي الرئيس جوزاف عون وعددًا من المسؤولين، قبل أن يتوجّه إلى سوريا، يقوم بمهمة استطلاعية، في ظلّ تزايد الحديث عن احتمال تجدّد الحرب، واتجاه الأوضاع نحو مواجهة عسكرية على الأرض اللبنانية.
الشرق الأوسط:
تعهّد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، بالتعامل مع طلب العفو المقدم من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بـ«أفضل وأدق طريقة ممكنة»، قائلاً إن «مصلحة الدولة والمجتمع الإسرائيلي» هي الوحيدة التي ستكون أمام عينه، وليس أي شيء آخر.
وجاء تعليق هرتسوغ الأول من نوعه على طلب نتنياهو العفو في ذروة انقسام واستقطاب سياسي وقانوني وجماهيري حاد، وهو وضع اعترف به هرتسوغ الذي قال: «من الواضح لي أن طلب العفو يثير قلقاً كبيراً وجدلاً واسعاً في البلاد».
لكنه استدرك كذلك مضيفاً: «ومن الواضح لي أيضاً أن الخطاب العنيف لن يؤثر عليّ، والخطاب المحترم يثير النقاش. أدعو شعب إسرائيل للتعبير عن رأيه في هذا الشأن. أدعوهم إلى زيارة موقع ديوان الرئيس والتعبير عن موقفهم».
وبحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، كان هرتسوغ يردّ على تهديداتٍ ضمنية أطلقها مسؤولون إسرائيليون إذا لم يستجب لطلب نتنياهو، تحديداً ما قالته وزيرة حماية البيئة عيديت سليمان لقناة «i24News»، بأنه «إذا لم يعرف الرئيس هرتسوغ كيف يصبّ في مصلحة أمن إسرائيل وشعبها، فأعتقد أن الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب قد يُجبر على التدخل ويتخذ خطوات إضافية؛ خطوات قد تشمل فرض عقوبات مختلفة على كبار المسؤولين في الجهاز القضائي».
وكان ترمب أرسل قبل أكثر من أسبوعين، رسالة إلى هرتسوغ طالبه فيها بالعفو عن نتنياهو الذي فاجأ الإسرائيليين، الأحد، وقدم طلباً رسمياً بذلك، من دون أن يعترف أو يقرّ بالذنب أو يبدي الندم، زاعماً أن المسألة متعلقة بالمصلحة الإسرائيلية العليا، وإنهاء الانقسام الحاد.
تعزيز الانقسام الحاد
لكن الطلب الذي بُني على فكرة توحيد الإسرائيليين وإنهاء الانقسام الحاد، عزز الانقسام وعمّقه، وأثار جدلاً سياسياً وقانونياً واسعاً، وفي الرأي العام.
ومقابل دعم كبير من الحكومة ووزراء الائتلاف الحاكم لحصوله على العفو، طالب زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد وزعماء آخرون، بعدم منح نتنياهو العفو إلا إذا ترك الحياة السياسية وأقرّ بالذنب. ونشرت وسائل إعلام إسرائيلية أن هرتسوغ يميل إلى قبول طلب العفو مقابل صفقة.
وقالت القناة «12» إن هرتسوغ يميل إلى قول «نعم ولكن»، وإنه سيفاوض نتنياهو على اعترافه بسوء التصرف، أو قيود على النشاط السياسي المستقبلي لنتنياهو، أو شروط أخرى.
وأفادت هيئة البث الإسرائيلية (كان) بأن هرتسوغ سيعمل على إحياء المفاوضات بشأن صفقة ادعاء، تتطلب من رئيس الوزراء الإقرار بالذنب. ونقلت عن أشخاص مقربين من هرتسوغ، دون ذكر أسمائهم، قولهم إن نتنياهو لن يحصل على عفو إلا إذا دفع «ثمناً كبيراً».
تنحٍّ أم انتخابات مبكرة؟
وقالت القناة «13» إن هرتسوغ قد يمنح العفو بشرط أن يدعو نتنياهو لانتخابات مبكرة؛ ومن المقرر إجراء الانتخابات العامة في موعد أقصاه أكتوبر «تشرين الأول» المقبل.
وقالت تقارير أخرى إنه قد يُطلب من نتنياهو ترك الحياة السياسية، أو أن يتنحى عن منصبه حتى ولو لفترة زمنية، ووقف مسار التعديلات القضائية المثيرة للجدل.
غير أن ديوان الرئاسة نفى صحة التقارير، مؤكداً في بيان، أن الرئيس «لم يبدأ بعد مناقشة الطلب»، كما نفت مصادر مقربة من نتنياهو ذلك، وقالت إن مسألة اعتزاله الحياة السياسية «غير واردة»، وإن تقديم طلب العفو جرى «بتنسيق كامل مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب». وبحسب المصادر، فإن مسألة اعترافه بالذنب غير واردة كذلك، فإما «كل شيء أو لا شيء».
وأمام هذا الوضع تفجر نقاش قانوني حاد في إسرائيل حول إمكانية منح هرتسوغ عفواً لنتنياهو بلا مقابل.
وكتب المحامي غاي شينار، رئيس لجنة الجريمة الدولية في نقابة المحامين، إن طلب العفو الذي قدمه رئيس الوزراء ليس مجرد طلب عفو عادي؛ بل هو محاولة لاستخدام مؤسسة العفو بوصفها أداة لإنهاء محاكمة جنائية بينما لا تزال جارية.
وأكد غاي أن الإطار القانوني واضح: إذ تمنح المادة 11 من «قانون أساس: رئيس الدولة» الرئيس صلاحية واسعة للعفو وتخفيف العقوبة، وقد أقرّ القضاء بأن هذه الصلاحية تمتد أيضاً إلى مرحلة ما قبل الإدانة، بل وحتى قبل تقديم لائحة الاتهام.
حالة نادرة للعفو قبل المحاكمة
لكن ميكا فيتمان، محامي الدفاع السابق لنتنياهو، قال في مقابلة أجرتها معه القناة «12»، إن طلب العفو الرئاسي الذي قدمه نتنياهو يوم الأحد، لا يمكن منحه قبل أن يعترف رئيس الوزراء بالذنب في محاكمة الفساد الخاصة به. وأضاف: «يُمنح العفو للمذنب - هذا ما ينص عليه القانون».
ويواجه نتنياهو تهمة واحدة بالرشوة، و3 تهم بالاحتيال وخيانة الأمانة في 3 قضايا منفصلة. وتتعلق التهم بادعاءات التلاعب غير السليم بالإعلام، وتلقي هدايا غير قانونية مقابل تقديم امتيازات حكومية.
وأشار فيتمان، الذي كان ضمن فريق الدفاع عن نتنياهو لمدة شهرين تقريباً في بداية محاكمته، إلى أن العفو في إسرائيل نادراً ما يُمنح قبل المحاكمة، وقال إن أقرب سابقة لقضية نتنياهو هي قضية الحافلة 300 عام 1984، حيث أعدم عملاء من جهاز الأمن العام (الشاباك) فلسطينيين اثنين حاولا وفشلا في اختطاف حافلة كانت تقل 41 إسرائيلياً، ثم كذبوا بشأن إعدامهما.
لكن حتى في تلك الحالة منح الرئيس آنذاك حاييم هرتسوغ، والد الرئيس الحالي، العفو فقط بعد أن اعترف الجناة بالذنب، كما أشار فيتمان. وأوضح فيتمان أن المحكمة العليا في ذلك الوقت، أوضحت أن هذه الاعترافات كانت شرطاً أساسياً لمنح العفو.
وقال فيتمان: «لا يوجد أي احتمال على الإطلاق» بأن توصي النائبة العامة أو النيابة العامة، الرئيس، بمنح العفو لنتنياهو دون مثل هذا الاعتراف.
ولا يقف الخلاف القانوني عند ذلك.
وتناقض محامون آخرون حول ما إذا كانت سلطة الرئيس في منح العفو، تخضع للمراجعة القضائية أو لا. وقالت القناة «12» إن طلب العفو فتح باباً قانونياً لاختلاف الخبراء حول أسئلة جوهرية كثيرة.
مظاهرات وانقسامات في التصويت
وبموازاة الخلاف القانوني، ظهرت انقسامات وخلافات شعبية، وفيما تجمع متظاهرون أمام مقر هرتسوغ يطالبونه برفض طلب نتنياهو، أظهر استطلاع خاص لصالح «i24NEWS»، أن نحو 54 في المائة من مجمل السكان يؤيدون منح العفو، و45 في المائة أجابوا بأنهم ضد، و1 في المائة قالوا إنه ليس لديهم موقف في الموضوع.
كما طُرح على الناخبين في العينة سؤال حول ما إذا كان ينبغي اشتراط منح العفو بالاعتراف بالذنب من قبل نتنياهو وبإبداء الندم. هنا أيضاً يبدو أن الآراء منقسمة نسبياً بين عموم السكان، حيث أجاب 48 في المائة بأنهم يؤيدون، و49 في المائة ضد، و3 في المائة ليس لديهم موقف في هذا الموضوع.
وفي سؤال آخر طُلب من المستطلعين أن يحددوا ما إذا كانوا سيدعمون أم سيعارضون، في حال اشترط الرئيس هرتسوغ منح العفو باعتزال نتنياهو الحياة العامة. 47 في المائة من مجمل السكان قالوا إنهم سيدعمون، بينما 50 في المائة قالوا إنهم سيعارضون، و3 في المائة قالوا إنه ليس لديهم موقف بهذا الشأن.
وعلق بيني غانتس رئيس حزب «أزرق أبيض» على الانقسام الحاد حول طلب نتنياهو، قائلاً إنه شخصياً يدعو ويتمنى «أن ينتهي هذا الأمر على خير، وليس بحرب أهلية».
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا