الديار: البابا مودعاً: يا لبنان قم وانهض
الرئيسية صاحبة الجلالة / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
Dec 03 25|09:26AM :نشر بتاريخ
ودع لبنان امس البابا لاون الرابع عشر، الذي ترك خلفه ساحات امتلأت بقدر نادر من الطمأنينة لايام ثلاثة، ووعودا بالتواصل مع قادة العالم لحل الازمة اللبنانية، حيث فصلت ساعات قليلة بين مشهد سلام، أعاد للبنانيين شيئاً من يقينهم المفقود، وبين عودة ثقيلة إلى واقع سياسي وأمني مفتوح على كل الاحتمالات، على صوت هدير الطائرات الحربية والمسيرات.
فنهاية الزيارة ادخلت معها البلاد في مرحلة جديدة – قديمة من اختبار إرادات القوى السياسية، والجهات الإقليمية والدولية، حيث التقاط الصور وإطلاق المواقف والتصاريح الإيجابية، لن يكونا كافييين لترميم الانقسامات على انواعها، أو لتبريد التوتر العسكري الذي يخيم.
غادر البابا لاون الرابع عشر، تاركا بلدا معلقا بين رجاء وقلق: رجاء بأن تشكل كلماته قوة دفع للاستقرار، وقلق من أن يغيب صوته في ضجة التصعيد السياسي والعسكري المتسارع، حيث يطوي لبنان صفحة الزيارة، ليفتح في المقابل صفحة مشوشة المعالم، تكتب فصولها بين الداخل المنقسم والإقليم المضطرب.
فهل يلتقط لبنان الفرصة الأخيرة قبل أن ينزلق نحو الأسوأ، أم أن المجهول سيغدو عنوان المرحلة المقبلة؟
يوم البابا الثالث والأخير في لبنان
في يومه الثالث والأخير في لبنان، بدأ البابا لاون الرابع عشر نهاره بزيارة دير راهبات الصليب في جلّ الديب، حيث التقى المرضى والمسنّين والمهمّشين، الفئة الأقرب إلى قلبه. في قاعة زيّنتها الورود البيضاء وصورة الطوباوي يعقوب، وجّه رسالة إنسانية لافتة دعا فيها إلى عدم نسيان الضعفاء، مؤكّدًا أنّ «مجتمعًا يتجاهل الفقر والهشاشة يفقد إنسانيّته». وقد بدت لحظة اللقاء مؤثرة، إذ بادل المرضى التراتيل والدموع، فيما شدّد البابا على ضرورة الثبات وعدم فقدان الفرح رغم الألم.
ومن جلّ الديب، انتقل الحبر الأعظم إلى موقع انفجار مرفأ بيروت حيث وقف صلاة صامتة أمام النصب التذكاري، وأشعل شمعة لراحة أرواح الضحايا. عانق أهالي الشهداء واحدًا واحدًا، مستمعًا إلى معاناتهم وغصّاتهم، وحمل معهم عطشهم إلى الحقيقة والعدالة. لحظة بدت كأنها تعيد فتح الجرح، لكنها أيضًا أعادت التذكير بأنّ بيروت لا تزال تنتظر إنصافًا يليق بما خسرته.
المحطة الأوسع جماهيريًا كانت الواجهة البحرية حيث احتشد أكثر من 150 ألف شخص ليشاركوا في القدّاس الاحتفالي الختامي. في عظته، دعا البابا اللبنانيين إلى نزع السلاح من قلوبهم، وإلى حماية حلم لبنان الموحد، قائلاً: «يا لبنان، قم وانهض!». وبعد ثلاث محطات مؤثرة شكّلت ذروة زيارة استثنائية، توجّه البابا إلى مطار بيروت حيث ودّع اللبنانيين بعبارة ستبقى في الذاكرة: «مغادرة هذه الأرض تعني أن أحملكم في قلبي».
زيارات دبلوماسية
وعلى وقع كلمات البابا الاخيرة، التي قال فيها «لتتوقف الهجمات والاعمال العدائية، ولا يظن أحد ان القتال المسلح يجلب اي فائدة، فالاسلحة تقتل اما التفاوض والوساطة والحوار فتبني ولنختر جميعا السلام»، عادت اسرائيل لعادتها القديمة، وعادت طائراتها الحربية والمسيرة الى الاجواء اللبنانية، بقاعا وجنوبا وفوق الضاحية الجنوبية، في وقت تلتقط فيه بيروت انفاسها، استعدادا لموجة استقبالات دبلوماسية، تبدأ مع الموفدة الاميركية مورغان اورتاغوس ووزير الخارجية القطري، لتنتهي الجمعة مع وفد المندوبين الدائمين في مجلس الامن.
الزيارة القطرية
وفيما ارتفعت حظوظ زيارة وزير خارجية قطر الى بيروت، والمتوقعة خلال ساعات، بما تحمله معها من دلالات، خصوصا انها تاتي في لحظة اقليمية ضاغطة، وبعد فترة من الانكفاء القطري الطويل نسبيا، نتيجة تركيز الدوحة على ملف غزة، تبدو هذه الزيارة وفقا لمصادر دبلوماسية، تجديدا لالتزام الدوحة بلعب دور الضامن والوسيط لبنانيا، في مسار يستكمل «ورقة الافكار» المصرية المتعثرة، وغياب اي مبادرة اخرى قادرة على موازنة التعقيدات، خصوصا ان الزيارة سبقها تواصل مع كل من باريس، القاهرة، وطهران.
ورات المصادر ان تحرك الدوحة منسق مع واشنطن، حيث شهدت «الامارة» اكثر من اجتماع على هامش لقاءات ثنائية عقدت خلال الفترة الماضية تناولت الملف اللبناني، وسبل احداث خرق يساعد في الخروج من الازمة الحالية، اذ علم ان الوزير القطري يحمل معه نصائح و»معطيات» وربما «افكارا»، كما رسائل تتقاطع كلها مع مهمة مورغان اورتاغوس.
اورتاغوس في الجنوب
وبين التصعيد الإسرائيلي والضغوط الأميركية، وقبيل اجتماع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية، «الميكانزيم» اليوم، في حضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، حطت الاخيرة في تل أبيب، حيث التقت كلا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس، مطلعة على سلسلة من التقارير الامنية والعسكرية، على ما كشفت المعلومات، ستحملها معها الى اجتماع «الميكانيزم»، مؤكدة على «ضرورة سحب السلاح من منطقة الجنوب على نحوٍ كامل حتى من داخل المنازل والأملاك السكنية، وأنه يجب على الجيش اللبناني أن يتولى هذه المهمة»، وفقا لمصادر مطلعة، قبل ان تغادر في اليوم نفسه، دون ان تلتقي أي من القيادات السياسية.
اوساط وزارية لبنانية اكدت ان ما تطلبه واشنطن لجهة الدخول الى المنازل لن يكون ممكنا حاليا، وان الجيش اللبناني ليس في وارد الرضوخ لهذا المطلب، خصوصا ان ثمة قوانين وانظمة ترعى هذه الامور ولن يسمح بخرقها، حتى في أي ظرف من الظروف، ملمحة الى ان بيروت ستجس نبض اورتاغوس لجهة ضم شخصية مدنية الى الوفد اللبناني في لجنة مراقبة وقف النار، آملة ان يساهم ذلك في التخفيف من الضغوط الاميركية المتزايدة، خاتمة بانه على ضوء نتائج زيارة اورتاغوس سيتحدد مصير الاتصالات الجارية لاعادة تحديد موعد جديد لقائد الجيش العماد رودولف هيكل في واشنطن.
الرد اللبناني
لكن خلف هذا المشهد، تبرز معطيات أكثر حساسية، على ما تقول اوساط سياسية، مشيرة الى أن التواصل السياسي بين واشنطن والدولة اللبنانية ما زال متوقفا عند سقف صارم وضعته الإدارة الأميركية، وأن الرسائل الجديدة، غير المعلنة، وجدت طريقها من بوابة السفارة الأميركية، مؤكدة ان السفير الاميركي ميشال عيسى، نقل رسالة متشددة بضرورة بدء تنفيذ القرارات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية في الخامس من آب الماضي، مع إصرار أميركي واضح على أن التنفيذ أهم من القرار نفسه، ولا تراجع في الموقف.
علما انه بعيد انتهاء الاستقبال الرسمي في القصر الجمهوري لقداسة البابا، شهدت احدى زوايا القاعة الكبرى، خلوة «عالواقف» بين السفير عيسى واحد مستشاري رئيس الجمهورية، لم يفصح عن مضمونها.
وتتابع الاوساط بان رئيس الجمهورية يحاول من خلال المبادرات التي يطلقها فتح قناة تفاوض غير مباشرة مع إسرائيل برعاية أميركية، لكن هذه الجهود لا تزال من دون آذان صاغية لا في واشنطن ولا في تل أبيب، علما انه اعاد التاكيد على «الاستعداد للالتحاق بمسارات السلام الإقليمية» في كل كلماته امام قداسة البابا، مدرجا هذه الاشارات في سياق فرملة عجلة الانحدار نحو مواجهة كبيرة يخشاها الجميع، في ظل تسارع التطورات وازدياد الحديث عن مرحلة إقليمية حساسة قد تتبلور قبل نهاية العام.
وختمت الاوساط، بالاشارة الى ان ما يقلق ويربك الاجواء في بيروت، الدور الجديد الذي يلعبه السفير الاميركي في تركيا والموفد الخاص الى سوريا، في ضوء المواقف التي يطلقها، وما يجري تسريبه من لقاءاته السياسية، تحديدا بعد زيارته الى العراق، والتي اكدت المعلومات الواردة لاحد المسؤولين ان ما نقل عن رسائل تبلغها الرئيس السوداني «ليس دقيقا»، دون كشف المزيد من التفاصيل.
وفد مجلس الامن
والى الجمعة حيث يتوقع ان يعود وفد مجلس الامن الذي سيزور دمشق، لعقد سلسلة اجتماعات ولقاءات سياسية وعسكرية، على ان يكون برئاسة المندوب الأستوني الدائم لدى الأمم المتحدة صامويل زبوغار بوصفه رئيس مجلس الأمن للشهر الحالي، ويضم كلا من المندوبين الدائمين الأميركي مايك والتز والبريطانية بربارا وودوارد والفرنسي جيروم بونافون والروسي فاسيلي نيبينزيا والصيني هو فو كونغ، بالإضافة إلى بقية الأعضاء الجزائري عمار بن جامع والصومالي أبو بكر عثمان والباكستاني عاصم افتخار أحمد والدنماركية كريستينا ماركوس لاسينا واليونانية أغليا بالتا والغويانية كارولين رودريغيز – بيركيت والبنمي إيلوي ألفارو دي ألبا والكوري الجنوبي تشا جي – هون، والسيراليوني مايكل عمران كانو.
ووفقا للمعطيات فان الوفد سيعاين الوضع على الارض خلال زيارة يقوم بها الى منطقة جنوب الليطاني، حيث سيستمع لشرح مفصل من قبل القيادة العسكرية اللبنانية وقوات الطوارئ الدولية، للوضع وللعقبات التي تواجه تطبيق القرار 1701،، فضلا عن الاجتماع مع قائدي آلية وقف الأعمال العدائية اللفتنانت جنرال جوزيف كليرفيلد والجنرال فلاتين سيلير، واجتماع آخر مع قادة «اليونيفيل»، كما ستكون له ايضا لقاءات يوم الجمعة مع كل من رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الذين سيبلغونهم بموقف موحد حول رفض الحرب والإصرار على الاستقرار ووقف الضربات الإسرائيلية، بينما سيكون التركيز على البحث عن بدائل لليونيفيل، بالإضافة إلى قائد الجيش العماد رودولف هيكل.
اختبار الجهوزية
ومع اظهار التطورات المتسارعة في الجنوب أن الأنظار في إسرائيل تتجه بثبات نحو الجبهة الشمالية، وسط تحذيرات من أن الهدوء الظاهر يخفي وراءه واقعا أكثر خطورة، مع تزايد القلق من احتمال انفجار واسع، في وقت تبدو فيه كل الأطراف مقتنعة بأن السؤال لم يعد ما إذا كان التصعيد سيقع، بل كيف ومتى.
فوسط أجواء الترقب والتحضيرات العسكرية التي يحكى عن انها باتت بحكم المنجزة، قامت إسرائيل مؤخرا بصيانة صافرات الإنذار في مدن تل أبيب والقدس وحيفا وبئر السبع، في خطوة فسرت على أنها جزء من استعداداتها لأي مواجهة عسكرية محتملة، حيث يطرح هذا الإجراء علامات استفهام حول انعكاساته على لبنان، لا سيما في ظل التحذيرات الدولية المتكررة من مخاطر اندلاع حرب جديدة.
وفي هذا السياق علم أن رئيس الأركان الإسرائيلي ايال زامير سيزور الولايات المتحدة الأميركية، خلال الايام المقبلة للبحث في ملف لبنان وإيران وكيفية التعامل معهما عسكريا، في محاولة للحصول على ضوء أخضر من أجل توسيع نطاق العمليات الامنية والعسكرية ضد لبنان، بعد الحصول على قرار بتخفيف بعض القيود على عمليات جيشه خلال الايام الماضية، حيث ابدى المراقبون تخوفهم من تصعيد، لا سيما أنه يسبق في العادة الزيارات العسكرية الإسرائيلية لواشنطن أو العكس.
تصاعد التوتر
وفي هذا الاطار أكد دبلوماسي أوروبي في حديث لصحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية، أن «هناك خطرًا من تصاعد التوتر على الجبهة اللبنانية بعد اغتيال احد قياديي حزب الله»، مشددا على أن «من حق إسرائيل التحرك إذا حاول حزب الله استعادة نشاطه في جنوب لبنان»، كاشفا عن أن «إسرائيل قد تشن ضربة على إيران خلال 12 شهرا»، مشيرا إلى أن «واشنطن لن تسمح لإسرائيل قريبا بشن هجوم واسع على إيران حفاظا على خطتها بشأن غزة».
رفع سقف السحوبات
على الصعيد الاقتصادي، يستمر النقاش في الصالونات الاقتصادية والسياسية حول «مغزى» قرار حاكم مصرف لبنان، برفع سقف السحوبات المالية وفقا للتعميمات الصادرة سابقا، حيث تكشف المعلومات ان قرار البنك المركزي جاء بعد توافر قناعة لدى جميع الاطراف بان قانون «الفجوة المالية» لن يصدر قريبا، نتيجة عدة عوامل، اولها الخلاف السياسي حوله، ثانيها، الخلاف مع المصارف، وثالثها، تعطيل التشريع في المجلس النيابي على خلفية الخلاف حول قانون الانتخابات.
اسباب كانت كفيلة لمبادرة الحاكم الى اتخاذ الاجراء من ضمن الامكانات المتوافرة في مصرف لبنان وبشكل لا تؤثر فيه على ثبات سعر الصرف، وفي الوقت نفسه على عدم احداث تضخم اقتصادي، في مقابل التخفيف من الاعباء على اصحاب الودائع، في ظل الاوضاع الاقتصادية الراهنة.
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا