كتب خبير المخاطر المصرفية  محمد فحيلي في ايكو وطن: الفراغ الرئاسي المتعمد هو من اجل الحفاظ على المكاسب السياسية وتحصينها 

الرئيسية اقتصاد / Ecco Watan

الكاتب : المحرر الاقتصادي
Nov 03 22|01:11AM :نشر بتاريخ

الفراغ الرئاسي المتعمد هو من اجل الحفاظ على المكاسب السياسية وتحصينها 
كذبوا إن قالوا بأنها من أجل لبنان الوطن والمواطن.
 كل رئيس جمهورية ولبنان بألف خير...
 
لكل حزب كتلته النيابية يفعل المستحيل لتظهير هويتها ولتأكيد وجودها ليسارع بعدها للمطالبة بموقعها في القرار السياسي وحصتها من المكاسب. أما لبنان ‎فعنده كتله نيابية واحدة حجمها 128 نائبا؛ ومهما يكون حجم كتلة الحزب الواحد لن تكون أكتر من 128. تستمر مكونات الطبقة السياسية في لبنان بإحتساب مقاعدها في برلمان 2022 لتحديد أحجامها في إنتخاب رئيس الجمهورية الخلف للعهد القوي. 
ان الإفشال المتعمد بإحترام هذا الإستحقاق الدستوري يؤكد بأن مكونات الطبقة الحاكمة باقية على نهجها بالإنكار الكبير والتهرب من تحمل المسؤولية. كل هذا يحصل بينما تتآكل القدرة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود (وغير المحدود) بالأيام، وتختفي أساسيات المواد الإستهلاكية. ولم يكن ذلك بكاف، فتستمر العملة الوطنية بالتدهور بالتوازي مع إنعدام الثقة!
 
إنتهت إدارة عون للبنان بترك الحجر لخلفه والتوجه نحو البشر. هكذا كانت كلمات الوداع لقصر بعبدا وحرارة إستقبال المناصرين. وفي الدستور، والأصح في السياسة، تم توقيع إستقالة الحكومة لتكريسها حكومة تصريف أعمال، وعند منتصف ليل 31 تشرين أول تعرى محمد نجيب ميقاتي من شخصية الرئيس المكلف ليحافظ على رئيس سلطة تصريف الأعمال. وبما أن هناك إجماعا على أهمية التركيز على الوضع الإقتصادي وكيفية إنقاذ لبنان من الأزمة الإقتصادية التي تفتك بقدراته لثلاث سنوات، سوف يتصدر قائمة إهتمام ما تبقى من سلطة في لبنان إقرار خطة إقتصادية تزيد بما يكفي من الضبابية على أهمية إقرار الإصلاحات وتنفيذها.  
 
ان إنعدام الإهتمام الجدي بإقرار الإصلاحات البنيوية الضرورية هو إفشال متعمد لإتمام إتفاق منتج مع صندوق النقد الدولي. فطبيعة الإشتباك الدبلوماسي بين الدولة اللبنانية وصندوق النقد الدولي يحكمها "التفاوض" وليس إملاءات من قبل طرف على طرف آخر. والتفاوض يعني:
· أن الطرفين قبلوا التباحث والتشاور من أجل مصلحة لبنان وشعب لبنان،
· أنه قد يكون هناك إتفاق أو إختلاف بقراءة الأحداث وخصوصا لجهة تحديد أسباب الأزمة وحجمها وتداعياتها؛ وفي مقاربة الحلول،ولكن يجب أن يكون الطرفان على إستعداد للتشاور والتباحث من أجل الوصول إلى الهدف والخاتمة المطلوبة وهي إنقاذ لبنان.
 
وهنا يجب التوقف عند أمر بغاية الأهمية وهو أن صندوق النقد الدولي ليس بسلطة تشريعية ولا بسلطة تنفيذية في لبنان، وتختصر صلاحيات فريق الصندوق المفاوض على إقتراح الحلول (مع لفت النظر إلى إهتمام فريق العمل إلى الإستماع إلى حلول مقترحه من قبل الدولة اللبنانية وتقيمها) والدعم التقني والمادي والتفاوض من أجل لبنان. وفي المقلب الآخر، عليه مسؤولية الحفاظ على موارد الصندوق. فإن إضطر إلى تقديم قروض ميسرة للحكومة اللبنانية، فمن البديهي أن يحرص على أن تكون هذه الحكومة متمكنة من سداد إلتزاماتها. وأيضاً، وبالأهمية ذاتها، يحرص صندوق النقد الدولي على عدم تكرار هذه الأزمة من خلال الإضاءة على ضرورة أن يبدأ الإصلاح من مسببات هذه الأزمة.
 
وفي أخلاقيات التفاوض والتشاور مع الصندوق، يتوجب إحترام رأي رجال/نساء الدولة التي يتفاوض معها (أي لبنان) في محاولة لإنقاذها ظناً منه بأنه يجب أن يكون فريق الدولة حريصا على مصلحة الوطن أكثر من أي طرف آخر. فإعلم يا فخامة المواطن أنه إن نتج أي سلبيات عن التفاوض مع الصندوق فهي من إعداد وتقديم دولتك الكريمة لأنها هي صاحبة الإختصاص بإقرار وتنفيذ كل شيء. وهذا يعني، إذا شاءت الطبقة السياسية أن تشطب الدين الذي مول وسهل فسادها لعشرات السنين في ضربة واحدة من منطلق "عفى الله عما مضى، ولنفتح صفحة جديدة"، فهذا من صنع رجال الدولة في لبنان وليس من صنع صندوق النقد الدولي.
 اذ لا شأن لصندوق النقد الدولي:
· بغياب خطة الإنقاذ والتعافي. فكان هناك عدة محاولات من قبل السلطة لتحميل الصندوق وطلباته، التي تعمدت على وصفها بالتعجيزية، مسؤولية التأخير بإتمام هذه الخطة.
· بإسقاط التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان. تارة قالوا بأن التدقيق الجنائي هو مطلب أساسي للصندوق، وتارة أخرى أعطي شرف هذا الطلب لرئاسة الجمهورية لتحقيق مكاسب سياسية. ذهب الرئيس وإستوطن الفراغ وضاع التدقيق الجنائي في شيطان التفاصيل.
· بعدم إقرار قانون الكابيتل كنترول. 
وقد طالبت مكونات القطاع الخاص الدولة اللبنانية بالإسراع بإقرار هذا القانون مع إنطلاقة أول شرارة للأزمة في أواخر 2019 ولكن كل ما شهدناه منذ تلك اللحظة هو تقاذف التهم بين أطراف السلطة وإنتقال مشروع قانون الكابيتل كنترول بين لجنة المال والموازنة ولجنة الإدارة والعدل ومجلس الوزراء والهيئة العامة لمجلس النواب من دون إي نتيجة!   
· بالدعم العشوائي الذي تقدمت به السلطة لإستيراد الأساسيات والكماليات من أجل دعم أصحاب الوكالات الحصرية. 
 
و "لولا العيب والحياء" لأقحموا فريق عمل صندوق النقد الدولي في فشل التحقيق العدلي في إنفجار 4 آب 2020. هناك الكثير من ما إبتلينا به في لبنان لا شأن لصندوق النقد الدولي فيه، ولكن هذه الطبقة الفاسدة والفاشلة إختارت التحصن وراء هذه المفاوضات فقط لتسجيل نقاط ومكاسب لصالحها. 
فمن الواضح اليوم وبعد ست سنوات من التحصن وراء "ما خلونا" بأن ‏محاربة الفساد لم تكن هدفا من أهداف عهد عون؛ فالحفاظ على المكاسب السياسية وتحقيق مكاسب جديدة خطف كل الأنظار:
· التنازل عن محاربة الفساد مقابل الوصول إلى رئاسة الجمهورية كان من أسهل القرارات الإستراتيجية التي أخذتها قيادة تكتل الإصلاح والتغيير. وهكذا كان أول إخفاق للتيار البرتقالي: إعلان الحياد والصمت عن كل شخص تجاوز صلاحياته وإستباح المال العام. وبعدها تم إستبدال "الإبراء المستحيل" ب "الصداقة والإصطفافات المزيفة".
· التجديد لرياض سلامة حاكماً لمصرف لبنان، بطلب وبمباركة العماد عون، كان ضروريا لتوسيع رقعة الإستفادة من وجود التيار الوطني الحر في السلطة رغم أن البديل عن سلامة - منصور بطيش، وزير الإقتصاد البرتقالي - كان حاضرا لتبوء موقع حاكم مصرف لبنان.
· سلسلة الرتب والرواتب كانت محطة أخرى من المحطات التي هدفت إلى تعزيز المكاسب السياسية من خلال توفير رشوات إنتخابية على حساب المالية العامة وسلامة الإقتصاد الوطني ،كان عنوانها الفساد وليس تحسين الأجور.
· قانون الإنتخابات الذي  تم تفصيله على قياس جبران باسيل وولد من رحم الصداقة والإصطفافات المزيفة. وكان التمثيل الحقيقي للمسيحيين من أبعد أهداف هذا القانون. فأنتج أسوأ برلمان لدورتين، والنواب في هاتين الدورتين كانوا الأبعد عن تمثيل الشعب اللبناني. وفي سياق التشريع، كانت إنتاجية البرلمان هذا الأقرب إلى لاشيء يعود بالمنفعة للوطن والمواطن! 
 
‏جميع الجهات الدولية ومؤسسات التصنيف الإئتماني العالمية حذرت من خطورة تفاقم العجز السنوي في الموازنة وتضخم الدين العام نسبة للناتج القومي وطلبت من الدولة اللبنانية الإسراع بإقرار الإصلاحات البنيوية الضرورية، وأكدت على أن الإصلاح هو الممر الإلزامي لأي مساعدات للبنان. وتجاهلت سلطة فخامة الرئيس عون عن الإصلاحات متحصنة ب "ما خلونا" وحصل الإنهيار الكبير في ظل "الإنكار الكبير"!
 
مع تفاقم الإضطرابات يكثر الحديث عن تسويات، وهذا هو حال لبنان والمنطقة الذي يوجد عليها وفيها. سوريا، والعراق، واليمن، والإتفاق النووي. تختلف العناوين ولكن اللاعبين هم أنفسهم! ومن الواضح أن هناك العديد من التسويات يتم تحضيرها في المنطقة ويجب حماية لبنان من تداعياتها. فكفى تحويل ‎لبنان إلى بلد الفرص الضائعة. ولهذا أتوجه إلى البرلمانيين الجدد وإلى المعارضة المتجددة ولقدامى البرلمان، إعملوا من أجل لبنان كما عهدناه وكما نريده لأولادنا. تخلوا عن ثوبكم الطائفي والمذهبي والسياسي وإتحدوا تحت راية كتلة نيابية واحدة، كتلة لبنان السيادة ولبنان الرسالة، لبنان مكتبة وجامعة ومستشفى الشرق الأوسط، لبنان الرأي الحر. على أمل أن تتألف كتلة "هذا اللبنان" من 128 نائبا لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية. البديل هو التأكيد على أن لبنان فُرِغَ من كل مقوماته ومكوناته خلال سنوات حكم العون الذي لم يكن هناك عون للبنان من وجوده! 
ان إطلاق صفة "الفراغ" على ما نحن عليه اليوم في لبنان ليس إلا كلاما بالدستور ولكنه فارغ لجهة تحمل المسؤولية. إنه "الفراغ الرئاسي المتعمد" كما كان "الكساد الإقتصادي المتعمد" وكما كان "التعثر المالي المتعمد".

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan