الأخبار: زيارة برّاك من دون مفاعيل: تثبيت أورتاغوس ولا ضمانات | أهل الحكم مصدومون: إذا لم تلتزم إسرائيل فلن نلتزم
الرئيسية صاحبة الجلالة / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
Aug 19 25|08:14AM :نشر بتاريخ
تحوّلت بيروت إلى مهبط للطائرات الدبلوماسية في حركة كثيفة، تعكس تصاعد المعركة السياسية ذات الامتدادات الإقليمية والدولية على الساحة اللبنانية. فبعد أيام قليلة من مغادرة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، وصل المبعوثان الأميركيان توماس برّاك ومورغان أورتاغوس، فيما من المُقرّر أن يتبعهما الموفد السعودي يزيد بن فرحان. وتعتقد الأوساط المواكبة أن البلاد دخلت مرحلة شديدة التوتر، إذ تمثّل هذه الزيارات تتويجاً لتشنّج متصاعد بين إيران والولايات المتحدة.
وواصلت واشنطن تفعيل دبلوماسية الضغوط على الجبهة اللبنانية، مُطالِبة المعنيين باستكمال الخطوات اللازمة لسحب سلاح المقاومة. في هذا الإطار، أتت زيارة برّاك، أولاً لـ«تهنئة» السلطة على اتخاذ خطوة «مهمة»، ولإبلاغها بأن متابعة الملف ستعود إلى عهدة مورغان أورتاغوس. ورغم أن شكل الزيارة بدا «تشجيعياً» لأركان السلطة الممتثلين للأوامر، فإن جوهرها كان مرتبطاً بتطورات عدة تلت مصادقة الحكومة اللبنانية على الورقة الأميركية، أهمّها زيارة لاريجاني.
ولم تطل جولة برّاك وأورتاغوس، إذ غادرا فور انتهاء اللقاءات إلى كيان العدو للحصول على ردّ المسؤولين هناك على المذكّرة، خصوصاً أن تنصّل إسرائيل منها يمنح لبنان مبرّراً لتعليق تنفيذ القرار الحكومي.
وهو ما عبّر عنه نائب رئيس الحكومة طارق متري في مقابلة مع قناة «العربي» القطرية بالقول إن «لبنان في حلّ من الالتزام بالورقة الأميركية إذا لم تلتزم إسرائيل»، مشيراً إلى أن «لبنان لم يتلقّ ضمانات حتى اليوم، وهذه الضمانات المُقرّة شرط أساسي لتنفيذ الورقة». وأكّد أن «لبنان وحزب الله ملتزمان بوقف الأعمال العدائية عكس إسرائيل»، وأن «مجلس الوزراء منح الجيش اللبناني مهلة ولم يفرض عليه جدولاً زمنياً»، مشدّداً على أن الالتزام الإسرائيلي بوقف الأعمال العدائية ينبغي أن يسبق أي خطوة لحصر السلاح بيد الدولة.
مفاعيل خطاب قاسم
وقالت مصادر مطّلعة إن الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، والذي وُصف بأنه الأعلى سقفاً والأخطر منذ انتهاء الحرب، أفضى إلى أثر أوّلي واضح، إذ «أربك أهل الحكم وصدم بعضهم، خصوصاً من لم يكن يعتقد أن حزب الله قادر على المضي بعيداً في الدفاع عن سلاحه». وهو ما جعل خطاب قاسم حاضراً خلال لقاءات برّاك مع الرؤساء الثلاثة وقائد الجيش رودولف هيكل.
واستناداً إلى ما تسرّب عن هذه اللقاءات، بدا الموقف اللبناني «شبه موحّد»، مؤكداً على «ضرورة أن تضمن واشنطن أن تترافق أي خطوة يقوم بها لبنان مع خطوة إسرائيلية مقابلة». وكشفت مصادر مطّلعة أن الرئيس جوزيف عون تناول خلال اجتماعه مع برّاك وأورتاغوس ثلاث نقاط أساسية:
أولاً، أكّد أن لبنان قام بالخطوة الأولى المتوجّبة عليه، واتّخذ قرار حصر السلاح ضمن مهلة زمنية محدّدة، موكّلاً الجيش اللبناني بوضع آلية تنفيذية لقرار الحكومة، وبالتالي على الولايات المتحدة الحصول على موافقة دمشق وتل أبيب على مضمون المذكّرة، إذ لا يمكن للبنان الانتقال إلى المرحلة التنفيذية من دون خطوات مقابلة.
ثانياً، شدّد عون على ضرورة دعم الجيش اللبناني الذي يفتقر للقدرات والوسائل اللازمة ولا يستطيع تنفيذ المهمة بمفرده، مشيراً إلى أن لبنان ينتظر هذا الدعم مع شرح الوضع الأمني الحساس والفراغات التي قد تنتج إذا تفرّغ الجيش لمعالجة ملف السلاح بمفرده.
ثالثاً، دعا عون إلى وضع الأسس اللازمة لإطلاق مشروع الدعم المالي والاقتصادي للبنان.
وفي السراي الحكومي، شدّد رئيس الحكومة أمام برّاك على وجوب قيام الجانب الأميركي بمسؤولياته، عبر الضغط على إسرائيل لوقف الأعمال العدائية، والانسحاب من النقاط المحتلة، والإفراج عن الأسرى. كما أكّد على أولوية دعم وتعزيز قدرات القوات المسلحة اللبنانية، مالاً وعتاداً، بما يتيح لها أداء المهام المطلوبة. وأشار في السياق نفسه إلى أهمية تجديد ولاية قوات اليونيفل، نظراً إلى دورها في ترسيخ الاستقرار ومساندة الجيش في بسط سلطة الدولة في الجنوب.
مواقف عون وسلام التي بدت منسّقة، عكست خشية من ارتدادات قرار الحكومة على المستويين السياسي والشعبي. وقال مصدر رسمي لـ«الأخبار» إن «عون تهيّب الموقف الشيعي الموحّد، وصُدم بالسقف المرتفع للشيخ قاسم، كما كان يظن أن الرئيس نبيه بري متمايز عن الحزب في بعض النقاط، لكنه اكتشف العكس تماماً، إضافة إلى حجم الانزعاج في عين التينة من الانقلاب الذي حصل، وهو ما أبلغه بري إلى مستشار عون أندريه رحال الأسبوع الماضي».
وبحسب المصدر نفسه، «فوجئ عون وسلام بسقف حزب الله، إذ كانا يظنّان أن الحزب سيصمت عن القرار ويضطر إلى التراجع والتنازل، خصوصاً مع التهديدات التي تصل إليه بأن الإسرائيليين سيتكفّلون بما لا تستطيع الدولة اللبنانية القيام به، لكنهما فوجئا بأنه مستعدّ للذهاب إلى أبعد مما كانا يتوقّعان في الدفاع عن السلاح».
واللافت ما نقله سياسي لبناني على تواصل مع السفارة الأميركية في بيروت، بأنّ المبعوث الأميركي وجد حلفاءه في لبنان في حالة قلق كبيرة نتيجة مواقف الشيخ قاسم، وهو ما دفعه إلى سؤال قائد الجيش اللبناني عن تقديراته للإجراءات التي قد تتخذها المؤسسة العسكرية، فكان ردّ العماد هيكل أنّ الجيش ينتظر تفاصيل من الحكومة قبل القيام بأيّ خطوة، ولا يريد أن يقوم بأيّ إجراء قد يضر بالسلم الأهلي في لبنان، وهو ما اعتُبر جواباً دبلوماسياً على الطلب الأميركي غير المباشر، بإعلان التزام الجيش بتنفيذ كل ما يصدر عن الحكومة حرفياً.
وزاد في إحراج السلطة اللبنانية، سلوك إسرائيل خلال الأسبوعين الماضيين، سواء من حيث المواقف السياسية الرافضة لأي تنازل في لبنان، أو من حيث الخطوات العملية على الأرض. فقد تبيّن أنّ إسرائيل، منذ صدور قرار الحكومة، قامت بتحصين إحدى نقاط الاحتلال في أطراف بلدة العديسة، ووسّعت نقطة حراسة على تخوم كفركلا، فيما كان الجواب الإسرائيلي على خطوة الحكومة جولةً لرئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير في الجنوب، إلى جانب تصاعد الاستهدافات.
برّاك لا يحمل أيّ جديد
وجزم المصدر بأن «برّاك لم يحمل جديداً معه»، وأن «اجتماعه في عين التينة لم يكن مختلفاً»، مع العلم أن موقف بري منذ البداية يؤكد على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها وإيقاف الأعمال العدائية قبل أي حديث عن سحب السلاح. وكرّر بري ما قاله لقناة «العربية» قبل يوم من لقائه برّاك، موجّهاً له عتباً بأن «اتفاقاً حصل معكم في زيارتكم الأخيرة إلى بيروت، فلماذا لم يتمّ الالتزام به ووصلنا إلى ما وصلنا إليه؟».
كما سأل بري الموفد الأميركي عن الالتزام الإسرائيلي باتفاق وقف إطلاق النار والانسحاب من الأراضي اللبنانية إلى الحدود المُعترف بها دولياً، مؤكداً أن ذلك هو مدخل الاستقرار في لبنان، وفرصة للبدء بورشة إعادة الإعمار تمهيداً لعودة الأهالي إلى بلداتهم، بالإضافة إلى تأمين مقوّمات الدعم للجيش اللبناني.
وقالت المصادر إن الموقف الموحّد الذي سمعه المبعوث الأميركي اضطره إلى القول إن «المطلوب الآن التزام الأطراف الأخرى بمضمون ورقة الإعلان المشتركة ومزيد من دعم الجيش»، وإن «الخطوة المقبلة ستحتاج إلى مشاركة إسرائيلية وإلى خطة لإعادة إعمار كل المناطق، لا الجنوب فقط»، لافتاً إلى أن «الولايات المتحدة لم تقدّم أي اقتراح لإسرائيل بشأن نزع سلاح حزب الله»، علماً أن كلام برّاك لم يخلُ من الخداع والتحايل، فهو عادَ وأكّد أن «موضوع السلاح شأن لبناني»، أي إنه غير مربوط بأي خطوة خارجية ولا بشروط، وعلمت «الأخبار» أن «حديثه الذي توجّه به إلى الشيعة جاء بناءً على طلب من الرئيس عون، بسبب التوتر الناجم عن شعور لدى هذا المكوّن بوجود مشروع يستهدفه».
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا