كتب الدكتور انيس بو دياب في ايكو وطن :نظرية اللعبة والقوى السياسية في لبنان: الحل بإعادة إطلاق المؤسسات
الرئيسية مقالات / Ecco Watan
الكاتب : الدكتور انيس بو دياب
Sep 14 22|18:52PM :نشر بتاريخ
ثلاثة أعوام مرت على اكبر أزمة اقتصادية في لبنان، والمصنفة من قبل البنك الدولي بأنها واحدة من أكبر ثلاثة أزمات عالمية في القرنين الأخيرين، والتي وصفها ب "الكساد المتعمد". لقد تراجع الناتج المحلي من 56 مليار $ في العام 2019 إلى ما دون ال 20 مليار $ في العام الحالي 2022، كما خسرت القدرة الشرائية أكثر من 94 % من قيمتها، وتجاوز التضخم التراكمي خلال هذه الاعوام 1200 % . وما زاد الطين بله تفشي وباء كورونا في بداية العام 2020، ثم انفجار مرفأ بيروت المشؤوم في الرابع من آب من العام نفسه. طاول هذا الانهيار الشديد كافة مؤسسات الدولة وبناها التحتية والفوقية; فالكهرباء لا يتجاوز إنتاجها الساعة الواحدة يومياً، وشبكة الاتصالات تعمل كالسلحفاة، والجامعة اللبنانية مقفلة كذلك المدرسة الرسمية وحتى إشعار آخر، وموظفو القطاع العام في إضراب بين الدائم والمتقطع ما يؤثر سلباً على سير كافة المعاملات من شهادات الطلاب الى جوازات السفر وصولاً الى بطاقات الهوية إخراجات القيد وشهادات الولادات والوفيات وغيرها من المعاملات في السجل العقاري والميكانيك ما يقلل من ايرادات الدولة. لن استرسل كثيراً في وصف الازمة ولا حتى في شرح أسبابها، فالجميع أصبح يعلم بذلك بحسب المثل السائد (الكبير والصغير والمقمط بالسرير).
منذ بداية الازمة حتى اليوم، قدمت حكومة الرئيس حسان دياب تلتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مجموعة من الخطط. وقبل ذلك بفترة، قدمت حكومة الرئيس سعد الدين الحريري، قبل ان تستقيل في تشرين الثاني 2019، ورقة للقيام بإجراءات سريعة قبل الانهيار الكبير، كذلك قدمت جمعية المصارف ورقة الى صندوق النقد الدولي حول تعافي القطاع المصرفي وسبل الخروج من الازمة، ومؤخراً عرضت الهيئات الاقتصادية في مؤتمر صحفي خطة التعافي المالي. كما ان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قد قدم خلال هذه الأزمة مجموعة من الأوراق، منها ورقة بعنوان "مجموعة إجراءات لسد عجز الموازنة" ، وأخرى حول إجراءات عاجلة لتسير العجلة الاقتصادية، بالإضافة إلى ورقة بعنوان "مدخل لإعادة توجيه الدعم". كما أن عدة مجموعات من المجتمع المدني قدمت أفكاراً ودراسات وخططًا ذات قيمة مضافة.
في الواقع، لا أريد أن أقيم مضمون هذه الاوراق والخطط والتي تتضمن الكثير من النقاط المشتركة. ولكن المفارقة أنه، وحتى اليوم، لم تقم السلطة السياسية بشقيها التشريعي والتنفيذي بتبني أي واحدة من هذه الخطط أو حتى الأخذ بأجزاء منها والتوافق عليها والبدء بتطبيقها. لا بل أكثر من ذلك، ما زالت السلطة السياسية تبحث عن جنس الملائكة وعن كيفية توزيع الحصص فيما بينها وتأخذ معها المؤسسات رهينة صراعها السياسي والشخصي! وبدلًا من أن تستفيد من الاستحقاقات الدستورية الراهنة وتجعلها فرصة للنهوض بالاقتصاد، نرى تلك السلطة تحول هذه الفرص إلى مشروع انقسام سياسي حاد يكاد يودي بالبلاد والعباد إلى ما بعد بعد جهنم ويقضي على آخر فرص وقف الانهيار والبدء بالتعافي.
سأحاول أن أقدم اقتراحًا علّ أصحاب القرار يقرؤون، والهدف من هذا الاقتراح هو إعادة إطلاق عجلة المؤسسات وإبعادها عن التجاذبات السياسية وهو باعتماد "نظرية اللعبة Game Theory". تمت بلورة مفهوم هذه النظرية في كتاب بعنوان "نظرية الألعاب والسلوك الاقتصادي" (Theory of Games and Economic Behavior ) من تأليف جون فون نيومان (John Von Neumann) وأوسكار مورغينسترن (Oskar Morgenstern) في العام 1944، وهي تعتمد على تحليل رياضي لحالات تضارب المصالح بغرض الإشارة إلى أفضل الخيارات الممكنة المطروحة أمام متخذي القرار بناء على الظروف المعطاة، والذي يؤدي إلى الحصول على النتيجة المرغوبة، والنتيجة المرغوبة في حالتنا هي إعادة إطلاق المؤسسات. لأوضح الفكرة أكثر، فإن كل الاطراف السياسية و"جمهورها" خاسرة من جراء ضعف وتراجع الاتصالات وانقطاع الكهرباء وغياب النقل العام المشترك واضراب الجامعة اللبنانية والتعليم الرسمي العام والمهني وغيرها من مؤسسات الخدمات العامة الاخرى. أهم عناصر نظرية اللعبة هي وجود مجموعة من اللاعبين (القوى السياسية)، يهدف كل لاعب فيها إلى تحقيق الربح أكثر من غيره "مثل حالة اللعبة الصفرية Zero-Sum Game " أو تحقيق وضع متوازن للجميع، وطالما أن كل لاعب (قوة سياسية) لا يستطيع أن ينتصر على الآخر فهو على استعداد لأن يعطل عمل الآخر وبهذا سنصل من جراء تعطيل المؤسسات إلى وضعية (خاسر - خاسر). المطلوب من اللاعبين الانتقال الى معادلة أساسية في اللعبة وهي وضعية (رابح – رابح)، وهذا يحتاج بناءً على العقلانية- واللعبة تفترض أن كل اللاعبين يتعاملون بعقلانية ومنطق معين يجعل كل التعاملات والارباح الحالية توجه بشكل يحقق أرباحاً أكبر في المستقبل القريب أو البعيد- إيجاد نقاط اتزان او حل للعبة.
تكمن نقاط الاتزان لحل المشكلة وإعادة إطلاق المؤسسات في تحييدها عن الانقسام السياسي الحاد، وهذا يقتضي التالي:
- وقف العراضات الإعلامية بين اللاعبين (القوى السياسية) بما يخص المؤسسات
- وقف اتهام اللاعبين (القوى السياسية) لبعضهم الاخر بالتعطيل
- وقف الانتصارات والانجازات الوهمية
- وقف استخدام المؤسسات كأداة في الصراع السياسي
- الانتقال من العقلية التعطيلية الى العقلية التفاهمية حول المؤسسات
- التوقف عن إدارة المؤسسات لأهداف سياسية
- انتقال اللاعبين من حالة التعادل السلبي (تعطيل متبادل) إلى حالة التعادل الايجابي (حسن سير مؤسسات المرفق العام التي تقدم خدماتها للجميع)
مما لا شك فيه أن الاقتصاد اللبناني، بعد مرور ثلاثة سنوات على بدء الأزمة، قد أصبح غير قادر على الصمود أكثر، وأن استمرار القوى السياسية باللعب وفق نهج التعطيل والتعطيل المضاد سيؤدي حتماً إلى زوال لبنان بشكله الحالي وخسارة الجميع. المطلوب تحييد المؤسسات عن الصراع السياسي، مما يعيد تحريك عجلة الاقتصاد ويخلق البيئة الاستثمارية المطلوبة لتحفيز القطاع الخاص، ما ينعكس ربحًا على الجميع.
*البروفسورالدكتور انيس بوذياب، استاذ العلوم الاقتصادية في الجامعة اللبنانية، عضو هيئة مكتب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في لبنان.
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا