شيخ العقل وسلامة يرعيان ندوة حول "الشراكة الروحية الوطنية" بدعوة من الملتقى الثقافي لجرد عاليه

الرئيسية ثقافة / Ecco Watan

الكاتب : محرر الصفحة
May 23 25|14:20PM :نشر بتاريخ

ايكو وطن- عاليه- نسيب زين الدين

اقيمت على مسرح مبنى جمعية "النهضة الاجتماعية الخيرية" في شانيه، ندوة ثقافية وطنية، بعنوان : "الشراكة الروحية الوطنية-مظلة الاصلاح والانقاذ"، وذلك بدعوة من "الملتقى الثقافي والاجتماعي لجرد عاليه والجوار"، برعاية وحضور شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ابي المنى ووزير الثقافة الدكتور غسان سلامة، حاضر فيها كل من: رئيس الجامعة الاسلامية الوزير السابق د. حسن اللقيس، رئيس جامعة المقاصد د. حسان غزيري، الرئيس الفخري لجامعة الروح القدس البروفسور الاب جورج حبيقة، وادارها العميد المتقاعد د. رياض شيّا. حضر الندوة حشد من المثقفين وابناء الجبل والشخصيات الاجتماعية، بينهم: النائب سيزار ابي خليل، الوزير السابق يوسف سلامة، نائبة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي د. حبوبة عون، القاضيان عفيف الحكيم وسميح مداح وقضاة المذهب، الشيخ دانيال سعيد والشيخ سعيد مكارم والقاضي رائد الصايغ، والمشايخ، القاضي احمد درويش الكردي واحمد المصري وبلال الملا، الاميرة حياة ارسلان، قائمقام عاليه السيدة بدر زيدان، مدير المركز الكاثوليكي للاعلام الاب عبده ابو كسم، رئيس كاريتاس لبنان الاب ميشال عبود، رئيس جامعة  AUL  د. بسام الحجار ونائب الرئيس د. عدنان شعبان و د. وائل حمزة، رؤساء الاركان السابقين، اللواء وليد سلمان واللواء حاتم ملاك واللواء امين العرم والعميد فادي ابو فراج والنقيب عمر الزين، رئيسة تجمع الهيئات النسائية في الجبل فريدة الريس ورئيسة مؤسسة اديان الدكتورة نائلة طبارة ورئيسة المجلس النسائي اللبناني السيدة عدلا سبليني الزين، مدير مكتبة بعقلين الوطنية غازي صعب، السيدة هدى تلحوق من بيت اليتيم الدرزي، مديرة مؤسسة شملان التابعة للمقاصد الاسلامية السيدة هادية جابر، الدكتور منير حمزة. الى جانب مشاركة اعضاء مجلس ادارة المجلس المذهبي، الشيخين عصمت الجردي وفادي العطار، والاساتذة عماد الغصيني ورائد النجار وحسام حمزة والدكتور نزيه ابو شاهين والمدير العام مازن فياض ومدير المشيخة ريان حسن، رئيس بلدية شانيه المنتخب حديثاً نعمان ابي المنى. 

النشيد الوطني اللبناني استهلالا، والقت رئيسة الملتقى السيدة ضياء جمال الدين ابي المنى كلمة ترحيبية، اعلنت فيها "انطلاقة الملتقى حديثاً واختياره ان تكون هذه الندوة برعاية سماحة شيخ العقل مناسبته الاولى للانطلاق لتحقيق ما يصبو اليه من اهداف ثقافية واجتماعية ومن سعي لاقامة النشاطات والزراعية والبيئية والاهلية التي يتوخاها"، ومشيرة الى "اهمية دور المرأة في المجتمع، ومتحدثة عن شعار: "تراثنا يجمعنا، رؤيتنا توحدنا"، قائلة: "رؤيتُنا هي قيامُ مجتمعٍ متكافل ومزدهر ينعم فيه الجميع بحياةٍ كريمة، وذلك بالتركيز على نشر ثقافة التعاون والمشاركة المجتمعية الفعالة بين الأفراد والمؤسسات المختلفة لتصبح البيئة المحلية أكثرَ تكاملا".

شيخ العقل
كلمة الافتتاح كانت لشيخ العقل الشيخ الدكتور سامي ابي المنى، قائلا:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على النبيِّ الهادي الأمين، وعلى إخوته الأنبياء والمرسَلين، وعلى من تَبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
صاحبَ المعالي الدكتور غسان سلامة وزيرِ الثقافة  المكرَّم، أصحابَ المعالي والسعادة والفضيلة والسيادة، المحاضرون الكرام سيادة الأب الدكتور جورج حبيقة، معالي الدكتور حسن اللقيس، حضرة الدكتور حسّان غزيري، حضرة العميد الدكتور رياض شيّا، المشايخُ الأفاضلُ والآباءُ المحترَمون، أيُّها السادةُ والسيِّداتُ الكرام،
يسعدُني بدايةً أن أكون معكم في هذا اللقاء الوطنيِّ الفكريّ الجامع، مرحِّباً ومتكلِّماً ومستمعاً، ومباركاً للهيئة التأسيسية للملتقى الثقافي والاجتماعي لجرد عاليه والجوار انطلاقتَه هذه، عاقدين عليه الأملَ في توسُّع دائرته ليضمَّ إلى جانب الهيئة التأسيسية نخبةً من المثقفين والناشطين من أبناء هذه المنطقة العزيزة على قلوبنا، وفي تقديم المبادرات المتنوِّعة في إطار التعاون المجتمعي للنهوض والتنمية في منطقة وسطيةٍ جبلية تستقطب التنوُّع الوطني والمناطقي بمحبةٍ وتَرحاب. ويُسعدُني أن يُلبِّيَ دعوتَنا هذه، معالي وزيرِ الثقافة المعروفِ بفكره المنفتح على الحوار وسبر الأغوار، والمتجاوبِ معنا باندفاعٍ لخوض غمار هذا التّحدي الثقافي الوطني، وقد اخترنا هذا العنوانَ ليكونَ محورَ التداخل والتفكير المعمَّق معَ بداية مسيرةٍ وطنيةٍ فكرية وانطلاقةِ عهدٍ جديد استبشرنا به خيراً بعد المخاض العسير الذي انتهى بنهاية حربٍ عدوانيةٍ مسعورةٍ مدمِّرة، وتمخّضَ عن ولادةٍ ميمونةٍ لأملٍ واعدٍ بفجرٍ جديد ومعَ خطابِ قسَمٍ مبشِّرٍ بخيرٍ أكيد". 

اضاف: "الشراكةُ الروحيةُ الوطنية، هذا العنوانُ الذي أطلقناه من دار طائفة الموحدين الدروز ومن دار الفتوى ومن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، والذي توافقنا عليه معَ بكركي من قبلُ ومن بعد، وأكّدناه منذ أيّامٍ من القصر الجمهوري، وبالأمس من مقرِّ الرئاسة الثانية، وبتفاهمٍ مع رئاسة الحكومة، إنَّما هو العنوانُ الأشملُ الذي نراهُ لبناء الدولة واستعادةِ الأمل، والشعارُ الأرقى الذي يُجسِّدُ معنى وجودِ لبنان، كوطنِ التنوُّع والشراكة؛ وطنِ التنوُّع في الوحدة، والشراكةِ في العمل، وطنِ المؤمنين بالله وبالعيش الواحد المشترَك:
العيشُ مشترَكٌ،  بل واحدٌ  أبدا        وحبُّ  لبنانَ  عهدٌ  بيننا   عُهِدا
الدينُ  يَجمعُنا  والحقُّ  مَرجِعُنا        شُقُّوا القلوبَ تلاقوا الواحدَ الأحدا
نعم، أيُّها الأخوةُ والأخوات، إنَّ لبنانَ مختبَرُ إيمانٍ وتفاعلٍ وطني رائع؛ علمنةٌ روحانية، ومدنيةٌ مؤمنة، وتنوُّعُ مكوِّناتٍ حضارية تَجعلُه متميِّزاً بين بلدان هذا الشرق، شعبُه واحدٌ بالرغم من تعدُّد أديانه ومذاهبه وثقافاته، جذورُه متينةٌ وصَلبة، وأغصانُه وزهورُه مُتعدّدةُ الألوان والأحجام والاتجاهات، لكنَّها متفرِّعةٌ من جَذعٍ تاريخيٍّ وعربيٍّ ووطنيٍّ متين، وكأنها ترسمُ لوحةً جميلةً رائعةً كطبيعته الخلَّابة، والشعبُ اللبنانيّ الأصيلُ كتلك الطبيعةِ الخالدة عصيٌّ على التفكُّك والانكسار والزوال، لما يُوجَدُ بين أبنائه من روابطَ روحيةٍ ووطنية متينة، وتلك لَعمري هي مِظلَّةُ الإصلاح والإنقاذ، التي تجمعُنا دائماً تحت فيئها وأمنِها وأمانها". 

وتابع: "إذا كان القولُ المأثور صحيحاً: "كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه"، وهو كذلك، وإذا كان الدستورُ اللبناني قد عزَّز دورَ مجلس الوزراء بما أعطاه من صلاحياتٍ كسلطةٍ تنفيذية راعيةٍ ومسؤولة، إلَّا أنَّ رعايةَ رئيسِ الجمهورية هي الأعلى بما تكتسبُ من قوّةٍ معنويَّة لا يضاهيه فيها أحدٌ ولا ينازعُه عليها قائدٌ أو مسؤول، متى عَرف كيف يجمعُ حوله جميعَ المكوِّنات والقوى الوطنية، ليكونَ الرئيسَ القويَّ بقوة الجمع والثبات والتمسُّك بروح الشراكة، لا بقوّة المواجهة والتحدّي وتنازع الحصص. من هذا المنطلق أطلقنا فكرةَ الشراكةِ الروحية الوطنية، وبتقديرنا الكبير لمعالي وزير الثقافة لما يتمتَّعُ به من عميق فكرٍ وسَعةِ تجربة، أردنا أن نفتتَحَ سلسلةَ الندوات حول هذا الموضوع برعايته ومشاركته، وقد عقدنا العزمَ على أن نَنشرَ تلك الثقافة وأن نجمعَ حولَها المداخلاتِ القيِّمةَ في أكثرَ من ندوةٍ ومعَ أكثرَ من رأيٍ من نخبة القوم، علَّنا نختتمُ هذه الندواتِ بمؤتمرٍ وطنيٍّ روحيّ يرعاه فخامةُ الرئيس، وتُطرَحُ فيه خلاصاتُ الأفكار والمواقف، بَدءاً ممَّا سيُقدَّمُ اليومَ من قِبل الأساتذة المحاضرين الأثرياءِ بفكرِهم، والقادمين من منابرَ جامعيةٍ مرموقة، هي الأَولى بالإضاءة على تلك الثقافة وبتعزيز هذا التفاعل وبنشر الوعي بين أبناء الوطن".

واردف: "إنّ هذه الندوةَ اليومَ تتوازى مع اليوم العالمي للتنوُّع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، وهو ما يتماهى معَ طرحِنا بأن يكونَ التنوُّعُ الثقافي والديني القائم في لبنان مغذّياً للشراكةِ الروحية الوطنية التي تُصبح بدورها سبيلاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة التي نسعى إليها من خلال بناءِ جسور الحوار الدائم، مدركين أن هذا البناءَ الوطنيَّ والإنساني لا يعنيَ هدمَ البناء الخاص بكل عائلةٍ روحية، فالتمسكُ بالهُوية  الروحية الخاصة لا يتعارضُ معَ الانفتاح والحوار والعيش الواحد ومع المصالح العليا للوطن، لأننا جميعُنا مرتبطون بتراثنا الثقافي وهويّتنا الروحية، ومتمسكون بخصوصيّاتنا، مع الرغبة في السعي نحو الاندماج والتكامل معَ شركائنا في الوطن؛ وهنا يكمن التحدّي المزدوج، الأول في تثقيفِ الشباب وتربيتهم على التمسُّك بالجذور والأصول، والثاني في الانفتاح على المعرفة والتطوُّر الدائم. لقد كنَّا معاً وغبطةُ البطريرك الراعي في لقاء الشوف الجامع في بعقلين، وفي لقاء حمَّانا حول الاغتراب والتنمية، وكنَّا معاً والرؤساءُ الروحيين جميعُهم في القمَّة الروحية، وفي أكثرَ من لقاء، فأكَّدنا أننا مستمرُّون في تلاقينا لتعزيز الثقة في مجتمعنا وإنعاش الأمل في قلوب أبنائنا، بالروح الطيّبة والكلمة الطيِّبة وبالعمل الطيِّب. كيف لا؟ ونحن أبناءُ التوحيدِ، والمحبةُ هي لُبُّ التوحيد، والتوحيدُ جامعٌ مشترَك فوقَ المظاهر والطقوس، وقد عبَّرنا عن ذلك شعراً منذ زمنٍ، فقلنا:
  تعمَّقتُ في ديني الحنيفِ فقادني            إلى  غيرِه،  لو أنّ ذاك  مُغايِرُ
  وأدركتُ أنَّ الحقَّ  أصلٌ،  وكلُّنا            فروعٌ    وأغصانٌ   له   وأزاهرُ
  إذا   فرَّقَتْ  بينَ  الأنامِ  عبادةٌ            فتجمعُهم فوقَ الطقوسِ الجواهرُ
إنَّ الوطنَ تاريخٌ، والتاريخُ لا يُمحى بحادثةٍ هنا ومواجَهةٍ هناك، وتراثٌ اجتماعيٌّ وأخلاقيٌّ لا يتبدَّلُ بخطأٍ من هذه الجهةِ أو خطيئةٍ من تلك. الوطنُ سيرةُ أبطالٍ قادةٍ نُجباء وفلَّاحين أُخوةٍ شرفاء، هو كهفُ تعبُّدٍ وصومعةُ نُسكٍ وساحةُ جَمعٍ في الأفراح والأتراح، هو مَيدانُ عملٍ وشراكةٍ ولقاء، كرَمٌ وكرْم، سيفٌ وضَيف، نسمةٌ وبسمة، فيه وُلِدنا وفيه نعيشُ وفيه نموتُ وفيه نُبعَثُ من جديد، ومعاً نُعليه فوق الخلاف والاختلاف لنجعلَه النموذجَ الحيَّ للإنسان، ولكلِّ الأوطان".

واستطرد: "من هذا المنطلَّق الوجداني والواقعي أطلقنا عنوانَ الشراكة الروحية الوطنية كمشروعِ تفاعلٍ وطنيٍّ يبدأ بالثقافة والتربية ولا ينتهي بالتنمية والاقتصاد وبالسياسة، وفي كلِّ ذلك هناك ميادينُ عملٍ تنتظرُنا للقيام بالمبادرات، وإن كنَّا اعتدنا أن ننتظرَ الخارجَ ليبادرَ ولِيرسُمَ لنا سبيلَ الخروج من الأزمات، لكنَّ الواجبَ يدعونا لكي نبدأَ أولاً، ومن ثُمَّ نستعينُ بالأخوة والأصدقاء، أمَّا دورُنا كمرجعياتٍ روحيّة، فإنّنا نراهُ دوراً إنسانيّاً وأخلاقيَّاً يشكِّلُ مِظلَّةً روحيّة تتلاقى مع مظلّةٍ وطنيةٍ كبرى تتمثَّل برئاسة الجمهورية، لتشكِّل معاً مظلَّةِ الشراكة الروحية الوطنية الجامعة التي هي حاضنةُ الإصلاح والإنقاذ، وضمانةُ التلاقي السياسيِّ الوطنيِّ المنشود".

وختم الشيخ ابي المنى: "لن نُطيلَ أكثر، حسبنا أننا أطلقنا المبادرة وحظينا بمشاركتِكم الثمينة، فليكن لنا حظُّ الاستماع والاستفادة، شاكرين الأخَ العزيز العميد الدكتور رياض شيَّا العسكريَّ المخضرم والأستاذَ الجامعيَّ المكرَّم، لتفضُّلِه بمواكبة الملتقى وإدارة هذا اللقاء، وراجين منه ومن السادة المحاضرين الكرام التفضُّلَ للإدلاء بما يُفيد، ومن الحضورِ الكريم الترحيبَ والإصغاءَ لكي نستفيد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه". 

الندوة
ثم أدار العميد المتقاعد د. رياض شيّا الندوة، معتبرا في مستهلها ان "الشراكةُ الروحيةُ الوطنية" عنوان أطلقَه صاحبُ السماحة، ليكونَ مظلةً للإصلاحِ والإنقاذ، والوطن على أبواب مرحلةٍ جديدة، وان الشراكةُ الروحيةُ تقوم على مبدأ التعاون بين القيادات الدينية من مختلف الطوائف اللبنانية، ليس فقط من أجل تعزيزِ العيشِ المشترك، بل أيضًا للتصدي للأزمات الوطنية بروحِ المسؤولية الأخلاقية والإنسانية. فالدينُ في لبنان لم يكن يومًا مجردَ شعائر، بل كان دائمًا عنصرًا فاعلًا في الحراكِ الاجتماعي والسياسي". 

اضاف: "اليوم تتجهُ الأنظارُ إلى هذه المرجعيات لإحداثِ تأثيرٍ إيجابي يدفعُ باتجاهِ محاسبةِ الفاسدين، والدعوة إلى قيامِ دولةٍ عادلةٍ ومؤسسات قوية. إنّ مظلةَ الشراكةِ الروحية، حينَ تتوحد، تملكُ القوةَ المعنوية لتقويمِ الأداءِ العام، ولإعادةِ بثِّ الثقة بين الناس ومؤسسات الدولة. ويمكنُ القول إنّ الشراكةَ الروحيةَ في لبنان لم تَعُد خيارًا، بل ضرورةً وطنية وأخلاقية، تمثّلُ بارقةَ أملٍ في نفقٍ طويل من الأزمات. وعلى اللبنانيين أن يدعَموها، لأنّها قد تشكلُ بدايةَ طريقِ الخلاص".
وختم: "هذه الشراكةَ الروحية ليست بديلاً عن الدولة، لكنّها تمثلُ قوةً أخلاقية ووطنية جامعة، تضعُ ضميرَ المجتمع أمامَ مسؤولياتِه، وتدفعُ باتجاهِ إصلاحٍ حقيقي ينقذُ لبنانَ من أزماتِه المتفاقمة".

اللقيس
وقال الوزير السابق حسن اللقيس: "ما الشراكة الروحية؟ أهي أن يتقاطع اثنان في مصير واحد؟ أم تراها تلك الحالة الوجدانية التي تجتاحنا عندما يُصاب أخٌ لنا في الوطن بمكروه، فنشعر بأننا نشاطره الألم. إنها سمو الإنسان في وطنه كريمًا معزّزًا تحت خيمة الوطن، ومن في خيمة الوطن يأتي دور البيوتات الأصيلة والعائلات الروحية وهمْ نِعْمَةُ الوطن التي تَحُولُ دُونَ تَحْوِيلُ خلافات السياسةِ إِلى لَوْثَةِ الخَلَافِ المذهبي - الطائفي القاتل. ولم يفت أهل الشراكة الروحية والوطنية أن يصبّوا اهتمامهم على التربية وهو أكثر ما يعنينا بصفتنا رؤساء جامعات. أدعو إلى تعزيز الشراكة بين هذه الجامعات بإشراف العائلات الروحية، فلنواظب أيها الأخوة على عقد هكذا لقاءات، علها تؤسس إلى مدماك يبني طود الوحدة بشموخ وافتخار، على قاعدة لبنان: الوطن النهائي لجميع أبنائه. ونَحنُ في الجامعة الإسلامية في لبنان، جامعة لكلّ الوطن، نعتَمِدُ في منهجنا الدراسي مادة إلزامية تحت عنوان "ثقافة أخلاق وأديان لنلتزم بذلك وصيّة إمامنا المؤسس السيد موسى الصدر، إمام الوحدة الوطنية والعيش المشترك). الذي كان يسعى أيضًا إلى أفق إنساني أوسع مؤكدًا أهمية الفكر المعتدل والانفتاح على الآخر في بناء وطن موحد ومتقدم. وهذا ما يؤكده الإمام الصدر بنفسه عندما يقول، "كمال جنبلاط رجل استثنائي، كان يرى في الوحدة الوطنية قداسة لا تقل عن قداسة الإيمان". ليُقابله المعلم الود الروحي الوطني قائلاً: الإمام موسى الصدر رجل يحمل روحا رسالية. وعلى سيرة الآباء كان الأبناء، ا فهذا الرئيس نبيه بري رجع الصدى الأصيل قائلا في وليد جنبلاط: وليد جنبلاط هو وريث علاقة تاريخية أرساها كمال جنبلاط مع الإمام الصدر نحافظ عليها كأمانة في ضمير الوطن. دامت الشراكة الروحية الوطنية شامخة بشموخ الجبل الأشم".

غزيري
بدوره د. حسان غزيري، الذي شكر سماحة شيخ العقل، معتبرا إن فكره وإسهاماته في تعميق مفهوم الشراكة الروحية يمثل منارة تضيء دروب الباحثين عن الحقيقة، في زمن تكثر فيه التحديات وتتعدد فيه سبل التيه والضلال"، قال: "ان مفهوم الشراكة الروحية بصيغة التعاون والتفاعل بين الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات، تقوم على أسس غير مادية، مثل القيم، والمبادئ الأخلاقية، والروابط الإيمانية، والمشاعر الإنسانية العميقة، وذلك بهدف خدمة الصالح العام، أو تحقيق أهداف سامية تتجاوز المصالح الشخصية أو الفئوية أو المادية، على عكس الشراكات التي تُبنى على العقود أو المنافع المتبادلة، وهي تقوم على الإيمان المشترك بغاية إنسانية أو أخلاقية أو دينية، وعلى الالتزام الداخلي الصادق بمبدأ العطاء والتسامح وخدمة الآخر". 

اضاف: "إن الشراكة الروحية الوطنية هي الإطار الذي يمنح الطائف معناه العميق: فهي تحصنه من الخارج في وجه محاولات التلاعب به كوثيقة نفوذ أو مصالح، وتحّفز الداخل على تطبيقه تطبيقا كاملاً بوصفه التزاما ضميريا جامعا لا صفقة وقتية. ووضع الطائف ضمن هذا الإطار يعيد للبنان دوره كجسر حوار دولي، ونموذج للتعددية المستنيرة، ورسالة للعيش المشترك في عالم مضطرب. وتصبح الشراكة الروحية الوعاء الذي يستقر فيه اتفاق الطائف ويتم تنفيذ جميع بنوده بما فيها إلغاء الطائفية السياسية وإجراء انتخابات المجلس النيابي خارج القيد الطائفي، وإنشاء مجلس الشيوخ". 

واردف: "إن سقوط هذا النموذج اللبناني، أو إفشاله، لا ُيعّد خسارة وطنية فحسب، بل كارثة حضارية للبشرية جمعاء .لأن العالم، في عصر الانغلاق والصراعات "الهوياتية"، يحتاج إلى شاهد حي على أن التنّوع لا يفضي إلى حرب، بل يمكن أن يكون دعامة سلم واستقرار. ولبنان، بهذا المعنى، ليس مجرد وطن، بل رسالة أخلاقية وروحية كبرى، تستحق أن ُتحيا وُتحمى".

حبيقة
وقال البروفسور الاب جورج حبيقة: "الشّراكة الرّوحيّة، مبنيّة حصرا على مبدأ حريّة المعتقد، باعتبار الإنسان حر في ما يؤمن به، طالما أن هذا الإيمان لا يهدّد السّلمَ الأهليّ ولا يمسُّ بمنظومة القيم الأساسيّة التي عليها تقوم المجتمعات البشريّة. في الشّراكة الرّوحيّة، نقبل بعضُنا البعضَ كما نحن، باحترام كامل ومحبّة غير منقوصة. في الشّراكة الروحيّة، لا ينبغي أن نفرض على الآخر كيف يجب أن يكون. على الانسان أن يكون ذاتَه، لكي يكونَ مع الآخرين. هذا هو الشّرطُ الأساسُ للتّلاقي. هل من الممكن أن ألتقي بإنسان بدون أيِّ معتقد دينيّ ولا أيّ مخزون ثقافيّ ولا أيّ شيءٍ آخر ؟ هل يسعني أن ألتقي بإنسان صرف؟ هذا أمرٌ مُحال. فالقاسم المشترك بين المعتقدات الروحيّة إنما هو السيرُ معا متمايزين وكلٌّ على طريقته إلى هيكل الله الواحد. هذا لا يمنعني من أن أعتبر إيماني حقيقةً دينيةً مطلقةً موحاةً من الله. بيد أن هذا اليقينَ لا يجبُ أن يسمحَ لي البتَّة أن أنزلق إلى موقف تكفيري إزاء المعتقدات الدينيّة المغايرة. فالمؤمن الحقيقي الذي يعتبر ذاته متحدًا بالذّات الإلهيّة، يختلجُ قلبُه تلقائيًا حبًّا واحترامًا وتقديرًا للآخر المختلف ضمن الشّراكة الإنسانيّة السُميا ومبدأ حرّيّةِ المعتقد. في الشّراكة الرّوحيّة، لا نحكمُ على بعضنا البعض ولا نُدينُ بعضُنا البعض". 

 اضاف: "إنّ العنفَ باسم الله يتعارضُ كلّيًّا مع جوهر الله المحبّة والرّحمة ويتناقضُ بشكل كامل مع الإيمان الصّحيح بالله، ويُسقطُ بالتّالي أيَّ مشروعِ شّراكةٍ رّوحيّةٍ بين معتقداتٍ دينيّةٍ متمايزة. 
في جهودِنا لترسيخ الشّراكة الرّوحيّة والوطنيّة، كمِظلّة إصلاحٍ مستدام وإنقاذٍ مستمر للصّيغة اللّبنانيّة، المحفوفة أبدًا بالمخاطر، في كَنَفِ عَالمٍ مُتَصَدِّعٍ ومُتبدِّل، نسترشدُ بالقانون الّذي يتحكَّمُ في الوجود الحسّيّ بأكملِه، ألا وهو "قانونُ الجَهدِ المهدور" ولا فشلَ يوهنُ عزيمتَنا في متابعة السعيِ الحثيثِ والعنيدِ إلى صُنعِ الشّراكة الروحيّة والوطنيّة في لبنان. نحوِّلُ هزائِمَنا المتلاحِقَةَ إلى مَدارجِ إقلاعٍ لمحاولاتٍ أُخرى مُتَقاطِرة، حتّى ننتهيَ جبرًا إلى استيلادِ لبنانٍ جديدٍ، وطنِ الإنسان، عاشِقِ السّلامِ ومـُدمِنِ ثَقافَةِ الحَياة التي تتمظهر بشكل بليغ في الشّراكة الرّوحيّة والوطنيّة". 

سلامة
وختام الندوة كانت كلمة للوزير غسان سلامة، قائلا: "احمل لكم اولاً تحيات فخامة رئيس البلاد العماد جوزاف عون الذي شرفني وكلفني بأن اكون معكم اليوم بهذا الاحتفال المهيب. اما بعد، لقد عذّبني سماحة شيخ العقل وطلب مني ان أستخلص بعض الملاحظات مما جاء به الزملاء الاعزاء فاني اعتبر نفسي اولاً اكاديميا مثلهم في ما جاء على لسانهم من أفكار قيمة ومن طروحات جيدة، وان شئت الايجاز، لاوجزت ملاحظاتي بكلمتين، اما الأولى فهي التنوع ، وفعلًا كما قال سماحة الشيخ اليوم هو يوم التنوع الثقافي في العالم، وما لم يقله هو التالي: لقد كان للبنان الدور الاساسي لصياغة البند في هذه المعاهدة، لأن لبنان قاسى من سوء ادارة التنوع فيه واستفاد كثيرا من وجود التنوع بين ابنائه، لذلك كان عليماً بعظمة التنوع ولذلك قيل له ان يكون الصائغ الأساسي لمعاهدة التنوع الثقافي". 

اضاف: "التنوع الثقافي كما قال المحاضرون يفرض الحوار، ولقد اعتاد الناس على القول بأن الحوار هو نقيض الاقتتال، وفي يقيني ان هذه الفكرة غير صحيحة. اني اعتبر الحوار شكلًا من اشكال القتال، ذلك ان القتال هو قتال ضد الاخر، بينما الحوار هو قتال مع الذات، مع النفس لكي تقتنع بوجود الاخر، مع النفس لكي تقبل باختلاف الاخر بعقيدته الدينية أو في ثقافته أو في لغته أو في مذهبه. وقتال مع الذات لكي تقبل بأن تتأثر بفكر الاخر ولا تكتفي بمحاولة التأثير عليه. لذلك فالحوار شكل من اشكال القتال انما هو قتال مع الذات. اما الكلمة الثانية فهي كلمة الدولة، في حال التنوع تبقى الدولة مجالاً رحبا ً لادارة التنوع، الدولة هي صاحبة القرار السياسي والاقتصادي، واذا كان التنوع في حال من التناغم والتناسب والتناسق فان الدولة قادرة على الاستفادة منه لكي تتوجه لمختلف مكونات المجتمع وتقتنص من كل مكون ما يفيد الوطن بأجمعه. لكن المكونات اذا كانت على تنافر فإن الدولة تبدو مشلولة عاجزة عن تجاوز هذا التناغم من المكونات". 

وتابع: "نحن نستذكر اليوم بتواضع اننا عشنا 50 عاماً اختلط فيها التنافر والتقاتل مع المحاولات المتكررة للخروج من هذا التنافر الى فضاء من التواصل والتكامل والتفاعل. ذكرت اتفاق الطائف وكان محاولة عظيمة للانتقال من التنافر للتفاهم. هناك محاولات اخرى ونحن اليوم على ابواب الانقاذ والاصلاح وقد اختارت الحكومة هاتين الكلمتين، لكن الحكومة امام تحد حقيقي وهو ان 50 عامًا التي مرت شهدت انحسارًا في نفوذ الدولة ومن لا يعلم بذلك يكون على قدر من السذاجة. لقد تراجع نفوذ الدولة ولكن تراجع هذا النفوذ لم يحل مكانه الفضاء الخالي ، لقد دخل اطراف عديدة لملء هذا الفراغ الذي احدثه انحباس قدرة الدولة". 

واردف: "لقد نشأت مصالح متجذرة تدافع عن نفسها ضد الصالح العام وعندما تأتي بفكرة الدفاع عن الصالح وهي مهمة الدولة الاولى، فانها تصطدم بتجمع متجذر من المصالح. وفي العشرين أو الثلاثين من السنين الماضية تعددت هذه المصالح ونراها في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية لذلك، المطلوب من الدولة ان تكون على قدر من الجرأة لمواجهة هذه المصالح المتجذرة لانها مصالح فئوية لا تبغي الدفاع عن الصالح العام بل عن مصالح ضيقة شخصية. نحن امام مصالح ضيقة في المصارف، مصالح لمولدات الكهرباء، مصالح ضيقة في مجال القمامة، مصالح في كل نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية. عندما تبدأ عملية الاصلاح فانها تصطدم دومًا بهذه المصالح ، لذلك على رغم قصر حياة هذه الحكومة فانها التزمت بعدد من القرارات التي تحاول استعادة سلطة الدولة الى قلب الحياة اليومية في لبنان. أحيانًا في تبني هذه الاصلاحات نحتاج أحيانًا الى كثير من الاقناع . لاقناع النواب بها ولاقناع اللبنانيين في مختلف المجالات، لاستعادة الدولة سيطرتها على الشواطئ البحرية، في قرار الدولة لرفع السرية المصرفية، لكي نتمكن من معرفة حقيقة وضع نحو 50 مصرفا نعرف جميعا ان بعضها في حال صعبة. نحن بحاجة الى اصلاحات اخرى أيضًا، ولقد اخذنا على انفسنا محاولة تطبيق ما لم يطبق او طبق بطريقة مشروطة عبر ميثاق الوفاق الوطني عام 1989, لكن هذا لا يكفي. لقد اهتمت الحكومات المتتالية منذ 50عاماً بإعادة بناء البنى التحتية ونحن نعلم تماما ان هذا لا يكفي بتجنب حروب جديدة ولتجنب انحسار جديد في نفوسنا، بل أن الضروري ايضاً هو إعادة بناء البنى الفوقية، بنى العقل والقلب، بنى القيم المشتركة. ربما اننا تنبهنا لأهمية اعادة البناء بعد الحرب الاهلية، لكننا لم نتنبه بصورة كافية لضرورة استعادة اعمار بنى فوقية، ولبناء رقعة مشتركة بين مختلف مكونات هذا البلد، لذلك أرحب بالشراكة الوطنية واشعر بنفسي في مكاني معكم سماحة الشيخ، لأن وظيفة الثقافة بالذات هي إعادة بناء البنى الفوقية، اي بنى العقل، بنى الروح. 

وتابع: "اننا نعيش في منطقة مضطربة، نعيش الى جانب بلد جار شقيق هو سوريا يمر بتحولات ومصاعب عرفنا بعضها و نأمل لها ان تنتهي الى نوع من الاستقرار لاننا نعتبر ان استقرار الاوضاع في سوريا مفيدة لاستقرار الاوضاع في بلدنا. ونحن نعيش في منطقة تشهد نزاعًا دمويًا لا مثيل، له في منطقة لا تتجاوز مساحتها 4000 كلم مربعا اسمها قطاع غزة والتي يوجد فيها اكثر من 56 ألف قتيل الاكثرية الساحقة منهم من الاولاد والنساء هذا يجري على مرمى حجر من لبنان، وهذا سيبقى في ذاكرة الاطفال، وفي ذاكرة الذين شهدوا هذه المجزرة غير المسبوقة في محيطنا، التي تجعل النزاع بيننا وبين إسرائيل اكثر تعقيدًا من اي وقت مضى". 

وختم سلامة: "على لبنان لا ان يجابه فقط المصالح المتجذرة في الداخل، بل عليه أيضا ان يواجه منطقة مضطربة اعطيت بعض الامثلة عليها، لذلك فإن استقرارنا يساعد على مناعتنا. نحن بحاجة لتعزيز مناعتنا امام الاضطرابات الإقليمية والدولية، بحاجة الى مناعة داخلية اكبر تجاه الامور الشعبوية السلبية في خطاب الدول العظمى، مناعة اكبر بوجه النزاع العربي-الاسرائيلي، بحاجة الى مناعة اكبر بوجه الاضطرابات الطائفية في سوريا الشقيقة، لذلك ان بناء هذه المناعة يتم طبعا في تنفيذ القرارات الدولية وباعادة اعمار ما هدمته الحرب على لبنان وبالاصلاحات الضرورية، لينهض لبنان من كبوته المالية والاقتصادية، ولكنه يحتاج الى اعادة بناء البنى الفوقية اي الذات. فإلى شراكة روحية صادقة تعترف بأن الحوار قتال مع الذات".

وختاما سلّم مسؤولو الملتقى السيدة ضياء ابي المنى والمحامي ماهر الاحمدية والاستاذ ناجي ابي المنى الوزير سلامة والمحاضرين دروعا تقديرية باسم الملتقى، كما تسلم سلامة لوحة رسم لشخصه من الفنان نظير الكوكاش.

انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا


المصدر : ايكو وطن-eccowatan