الجمهورية: واشنطن لتجنّب التصعيد وباريس لتسريع الانسحاب... الجيش و"اليونيفيل": إسـرائيل تعيق انتشار الجيش
الرئيسية صاحبة الجلالة / Ecco Watan
الكاتب : محرر الصفحة
Jun 12 25|08:20AM :نشر بتاريخ
تتجاذب الجو العام توترات واحتمالات مجهولة؛ فالساحة الداخلية مضبوطة على إيقاع "ملف السلاحَين" وما يعتريه من تعقيدات مانعة لسحب السلاح الفلسطيني من المخيّمات، ومن حساسيات واعتبارات مرتبطة بسلاح "حزب الله"، بالتوازي مع المناخ التصعيدي الذي تفرضه إسرائيل ورفع سقف التصعيد. أمّا الساحة الإقليمية، فتغلي بشراسة على الجبهة المشتعلة في غزة، وبحدّة متزايدة على جبهة التفاوض الأميركي- الإيراني التي تؤشر الوقائع المتصلة بها إلى أنّها اقتربت من لحظة اتخاذ القرار، إمّا بإعلان الاتفاق وإشاعة أجواء الإستقرار، وإمّا الإفتراق الدراماتيكي، بما يضع المنطقة في مهبّ تطوّرات وتحوّلات خطيرة، تتفق كل التقديرات على أنّ تداعيات انهيارها لن تقتصر بآثارها الوخيمة على مساحة المنطقة، بل تتعدّاها لتشمل العالم بأسره.
وكشفت "نيوزويك" الأميركية، أنّ "سفارات واشنطن في منطقة الشرق الأوسط تتخذ خطوات استعدادية للإخلاء، بعد تهديد من وزير الدفاع الإيراني، أنّ طهران ستستهدف القواعد الأميركية في المنطقة إذا تصاعدت التوترات أو انهارت المفاوضات النووية مع واشنطن". فيما رفعت إيران حالة التأهب القصوى للجيش والحرس الثوري.
التسليم بالمراوحة
داخلياً، دورانٌ حكوميٌ في حلقة الإنجازات الموعودة، والمواطن الذي تنهال عليه زخّات يومية من الوعود والالتزامات المتجدّدة بتزخيم عجلة الإصلاحات والأولويات الضرورية والملحّة، بدأ يقترب من التسليم بالمراوحة الطاغية على هذه الملفات، وفقدان الأمل بتلك الوعود في ظل البطء أو التباطؤ في حسمها، وفي ظل تمَوضع المكوّنات السياسية المنضوية في الحكومة على ضفتَي الاشتباك السياسي، فضلاً عن أنّ عامل الوقت بدأ يضغط مع قرب تفرّغ البلد برمّته للإستحقاق النيابي.
هواجس
على أنّ ما يُثير الخشية والمخاوف في موازاة هذه المراوحة، هو تنامي الهواجس المقلقة من تداعيات على غير صعيد، ولعلّ أكثرها خطورة هو الهاجس الأمني الذي تفاقمه إسرائيل باستباحتها الأجواء اللبنانية وتوسيع نطاق استهدافاتها واعتداءاتها على المناطق اللبنانية، تُضاف إلى ذلك الخشية المتنامية على مصير قوات "اليونيفيل" في الجنوب، بعد تزايد الحديث عن "فيتو" أميركي على التجديد لهذه القوات في آب المقبل، التي تتولّد منها خشية أكبر على مصير المنطقة الجنوبية وممّا قد تحضّره إسرائيل من خطوات وإجراءات عدوانية.
ضغط أميركي
حتى الآن، وفق معلومات موثوقة لـ"الجمهورية"، لا تأكيد علنياً رسمياً، خصوصاً من الجانب الأميركي، لما تردّد عن "الفيتو" الأميركي. وكشفت مصادر المعلومات لـ"الجمهورية"، أنّ إثارة هذا الأمر في هذا التوقيت، حرّكت نقاشات واسعة في الكواليس السياسية والديبلوماسية، وبعض المستويات اللبنانية الرفيعة استفسرت عن جدّية ما أثير في الإعلام الإسرائيلي عن توافق أميركي - إسرائيلي على عدم التمديد لمهمّة "اليونيفيل" في جنوب لبنان، مقارنة ذلك بمخاوف كبرى من تداعيات خطوة خطيرة من هذا النوع.
واللافت للإنتباه، بحسب المصادر، أنّ "تلك النقاشات لم تنفِ وجود هذا التوجّه، بل أبرزت مجموعة أفكار لم تصبح رسمية بعد، منها ما هو متعلق بوقف الدعم الأميركي لليونيفيل، ومنها ما هو متعلّق بالطرح القديم الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، حول فرض تعديلات جوهرية على مهمّة قوات "اليونيفيل"، بما يطلق يدها في منطقة عملها، ويمنحها حرّية التحرّك والدوريات والتفتيش والمداهمات لأيّ منطقة أو أي مكان (أي إجراءات تشبه الفصل السابع أو تقترب منه) بمعزل عن التنسيق مع الجيش اللبناني".
وخلافاً لما أشاعه الإعلام الإسرائيلي حول توجّه واشنطن لاستخدام "الفيتو" على التمديد لليونيفيل، نقلت المصادر عينها عن ديبلوماسي غربي ممثلة بلاده في "اليونيفيل"، قوله إنّ "احتمال أن تخفض واشنطن دعمها المادي لليونيفيل ممكن في سياق خفض النفقات الذي أطلقته إدارة الرئيس دونالد ترامب، إلّا أنّ لجوءها إلى تعطيل التمديد لليونيفيل أمر مستبعد، باعتبار أنّها لا ترغب في ترك المنطقة للفراغ من دون ضوابط أمنية، فضلاً عن أنّها كانت وما زالت أكثر الساعين لترسيخ الأمن والاستقرار على جانبَي الحدود، إلّا أنّ الديبلوماسي عينه لم يستبعد إطلاق الولايات المتحدة عشية موعد التمديد لليونيفيل في آب المقبل، لحركة اتصالات دولية ضاغطة لإحداث تغييرات جوهرية في مهمّة اليونيفيل".
الموقف الرسمي
إلى ذلك، علمت "الجمهورية"، أنّ مشاورات مكثفة جرت على غير صعيد رسمي رفيع تقاطعت حول التأكيد أنّ لبنان لم يتبلّغ من أي جهة خارجية أميركية أو غير أميركية أو أممية أو من قِبل قيادة "اليونيفيل"، أي أمر متصل بما أُشيع حول مهمّة "اليونيفيل" وما حُكيَ عن رفض أميركي لتمديد مهمّتها. وخَلُصَت هذه المشاورات إلى:
أولاً، تمسك لبنان بقوات "اليونيفيل" وبدورها في تطبيق القرار 1701، وبالتعاون والتنسيق مع الجيش اللبناني.
ثانياً، التأكيد على عمق العلاقة مع قوات "اليونيفيل"، رفض واستنكار أي استهداف تتعرّض له من أي جهة كان.
ثالثاً، تأكيد موقف لبنان لناحية التمديد لمهمّة "اليونيفيل"، من دون أي تعديل أو تغيير في مهامها، ومن دون زيادة أو نقصان على ما نصّ عليه التمديد لهذه القوات في العام الماضي.
رابعاً، تأكيد موقف لبنان لناحية التعاون الكامل بين "اليونيفيل" والجيش اللبناني لاستكمال انتشاره في منطقة جنوب الليطاني، الذي تعيقه إسرائيل بتفلّتها من اتفاق وقف إطلاق النار، واستمرار اعتداءاتها، وامتناعها عن الانسحاب من الأراضي اللبنانية التي تحتلها، ولاسيما النقاط الخمس.
هيكل و"اليونيفيل"
في سياق متصل، زار قائد الجيش العماد رودولف هيكل أمس، قيادة "اليونيفيل" في الناقورة، حيث اجتمع برئيسها وقائدها العام الجنرال أرولدو لاثارو. وخلال الاجتماع، جرى عرض آخر التطوّرات في قطاع جنوب الليطاني، وأهمية التنسيق والتعاون الوثيق بين الجيش و"اليونيفيل" ضمن إطار القرار 1701، إلى جانب الدور الأساسي والضروري لليونيفيل في جهود استعادة الاستقرار في الجنوب، وسط مواصلة العدو الإسرائيلي اعتداءاته وانتهاكاته لسيادة لبنان وأمنه، واحتلاله لأراضٍ لبنانية، ما يُعيق استكمال انتشار الجيش في الجنوب.
دعم فرنسي
في السياق عينه، عكس مصدر ديبلوماسي من العاصمة الفرنسية دعم فرنسا الأكيد لموقف لبنان. وأبلغ المصدر إلى "الجمهورية" قوله إنّ "باريس التي ستتولّى طرح مشروع تمديد مهمّة "اليونيفيل"، تؤيّد التجديد لهذه القوات من دون أي تعديل أو تغيير في مهامها. مشيراً إلى أنّ فرنسا ستبذل جهوداً في هذا الاتجاه".
ورداً على سؤال لم ينفِ المصدر الديبلوماسي وجود علاقة غير مستقرة بين فرنسا وإسرائيل تبعاً للموقف الفرنسي من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والرافض لاستمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وعدم التزامها باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وأضاف: "إنّ باريس على موقفها الثابت في التطبيق الكامل للقرار 1701، وتقدّر ما يقوم به الجيش اللبناني من خطوات وإجراءات بالتعاون مع قوات حفظ السلام الدولية". مشيراً إلى أنّ باريس على تواصلها المستمر مع المسؤولين الإسرائيليِّين لضرورة تحقيق الانسحاب من الأراضي اللبنانية. إذ يشكّل بقاء إسرائيل لاحتلالها للنقاط الخمس، المانع الأساس لاستكمال انتشار الجيش اللبناني في منطقة عمل القرار 1701".
ورداً على سؤال آخر، أوضح المصدر "أنّ إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون تولي ثقة كبرى بعهد الرئيس جوزاف عون، وتضع في أولويتها حشد الدعم للبنان بصورة عاجلة، بما يمكن لبنان من النهوض من جديد، وهذا يتطلّب بدرجة موازية تسريع الخطوات الإصلاحية من قبل الحكومة اللبنانية. إنّ الصعوبات التي تعتري الوضع في لبنان يمكن علاجها بتفاهم اللبنانيِّين في ما بينهم، وهو ما تشجّعه باريس، التي تؤيّد بصورة قطعية حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وتعتبر أنّ على "حزب الله" أن يتعاون في هذا المجال، ويقدم على خطوات ترسّخ الأمن والاستقرار في لبنان". وحول هذا الأمر أوحى المصدر أنّ موقف باريس لا يماشي الطروحات بنزع سلاح "حزب الله" بالقوة. إذ أثنى على التوجّه الذي ينتهجه رئيس الجمهورية جوزاف عون لإيجاد حل لهذه المسألة.
تهويل وتخويف
في موازاة ذلك، تبقى أجواء الحذر مسيطرة على الداخل بصورة عامة، وسط الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، والتهديدات المتكرّرة باستهدافات في العديد من المناطق، وتعمّد إسرائيل إشاعة التوترات عبر ادّعاءات متتالية بوجود مستودعات أسلحة لـ"حزب الله"، ولاسيما في منطقة الضاحية الجنوبية، وهو الأمر الذي لوحِظَ أنّه يُتابع من قِبل لجنة الإشراف على تتفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بشكل مباشر، بعمليات تفتيش دقيقة يُجريها الجيش اللبناني للعديد من الأمكنة، وآخرها في منطقة السانت تيريز - الحدث خلال الساعات القليلة الماضية، من دون العثور على ما يؤكّد صحة الادّعاءات الإسرائيلية.
والخطير في موازاة ذلك، هي التوترات والشائعات التي تُضَخّ من غير مصدر، وخصوصاً عبر مواقع التواصل الإجتماعي حول تحضير إسرائيل لعدوان جديد واسع النطاق على لبنان، ممّا أرخى قلقاً كبيراً لدى المواطنين.
وفيما اتفقت تقديرات سياسية على إدراج هذه الشائعات والترويجات في خانة التهويل والتخويف، اللذَين تقصد إسرائيل من خلالهما إقلاق بيئة "حزب الله" والضغط عليها، باعتبار أنّ هذه البيئة تُشكّل في نظر إسرائيل المكان الذي يُوجِع الحزب، قلّل مرجع كبير من احتمالات العدوان، معتبراً أنّ: "العدوان وارد دائماً في العقل الإسرائيلي المجرم، لكن لا أرى أنّه ممكن، أولاً لأنّ واشنطن تمنعه، على رغم من أنّها تبرّر لإسرائيل القيام باستهدافات على ما جرى في الضاحية الجنوبية قبل عيد الأضحى. فلدى واشنطن أولويات (لبنانية وإقليمية) لا تريد لإسرائيل أن تُشوِّش عليها، أولها المفاوضات حول الملف النووي وبلوغ حل سياسي لهذا الملف، وهذا ما أكّد عليه بالأمس الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وثانيها الحفاظ على الاستقرار في لبنان ودعم عهد الرئيس جوزاف عون الذي تريد إنجاحه".
وثانياً، يضيف المرجع، "فإنّ ضعف احتمال العدوان الإسرائيلي مرتبط بالداخل الإسرائيلي الذي يعاني انقساماً كبيراً يُنذِر بحل الكنيست وسقوط حكومة نتنياهو".
ملف السلاح
إلى ذلك، يُنتظَر أن يشكّل ملف السلاح بنداً أساسياً في الزيارة المرتقبة للمسؤول الأميركي توماس براك إلى بيروت، فيما برز اتهام صحيفة "عكاظ" السعودية لـ"حزب الله" بأنّه "يشكّل العقبة الأساسية والكبرى التي تحول دون قيام دولة لبنانية حقيقية، ذات سيادة كاملة، تسيطر على كامل أراضيها ومؤسساتها".
وجاء في الصحيفة: "إنّ كل حديث عن الإصلاح في لبنان، عن النهوض والتغيير والاستقرار، يبقى مجرّد وهم وعبث، طالما لم يُطرَح السؤال الأهم والأكثر إلحاحاً: ماذا عن سلاح "حزب الله"؟ فهذا الحزب هو الذي يُضعِف مؤسسة الجيش اللبناني، ويمنعها من أداء مهمّاتها السيادية الكاملة، من خلال سلاحه. يجب أن يتحوّل الحزب إلى حزب سياسي مدني بالكامل، من دون جناح عسكري وأي وصاية خارجية. وإلّا فإنّ الدستور اللبناني لن يكون له أي معنى، ولن تكون للانتخابات أي شرعية، ولن يكون لأي خطاب سيادي قيمة حقيقية".
ولفتت إلى أنّ "مَن يُريد إنقاذ لبنان يجب عليه أن يرفض هيمنة "حزب الله". واللبنانيّون اليوم أمام فرصة تاريخية، وهم مطالَبون أكثر من أي وقت مضى برفع صوتهم عالياً وبوضوح تام ضدّ هذا الواقع المرير. والخيار واضح اليوم أكثر من أي وقت مضى: إمّا دولة لبنانية قوية، وإمّا هيمنة "حزب الله". لا يمكن أن يجتمع الاثنان معاً".
وأشار ديبلوماسي غربي ممثلة بلاده في "اليونيفيل"، إلى أنّ احتمال أن تُخفِّض واشنطن دعمها لليونيفيل ممكن في سياق خفض النفقات الذي أطلقته إدارة الرئيس دونالد ترامب، إلّا أنّ لجوءها إلى تعطيل التمديد أمر مستبعد، لأنّها لا ترغب في ترك المنطقة للفراغ من دون ضوابط أمنية، فضلاً عن أنّها كانت وما زالت أكثر الساعين لترسيخ الأمن والاستقرار على جانبَي الحدود، إلّا أنّ الديبلوماسي عينه لم يستبعد "إطلاق الولايات المتحدة عشية موعد التمديد لليونيفيل في آب المقبل، لحركة اتصالات دولية ضاغطة لإحداث تغييرات جوهرية في مهمّاتها".
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا